أبعاد شكوى السودان للإمارات لدى محكمة العدل الدولية

دكتور عبد العزيز الزبير باشا
الأمر الذي نحن بصدده يتعلق في جوهره بالقانون الدولي ومن يمارسونه ونتائجه عبر التاريخ . وما يهمني هنا أن أتناول الأبعاد جميعها كقضية عادلة وقعت على بلادي وغيرت مسار الحياة فيها، وفاقت جرائمها وآثارها التصور البشري. و ظل الضغط الرسمي و الشعبي يتعاظم ، حتى من خارج البلاد ، بمطالبة الدولة بأن تقوم بهذا الإجراء على خلفية الأدلة والبراهين والشواهد التي ملأت الآفاق ضجيجا بتورط الإمارات في رعاية عدوان التمرد الإرهابي الغادر الخائن وتأجيج هذه الحرب الوجودية المفتوحة على السودان .
وبعد عامين من الصبر والمعاناة و استمرار نزيف الدم وإفرازاتها المأساوية قدّم السودان شكوى رسمية أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، متهمًا إياها بالتواطؤ في ارتكاب إبادة جماعية في إقليم دارفور من خلال دعمها المثبت لقوات الدعم السريع المتمردة والميليشيات المتحالفة معها.
خلفية الشكوى
تستند الدعوى السودانية إلى اتهامات بأن الإمارات قدّمت دعمًا عسكريًا ولوجستيًا للقوات المتمردة، مما مكّنها من تنفيذ هجمات ممنهجة ذات طابع عرقي ضد قبيلة المساليت في غرب دارفور خلال عام 2023. تشمل هذه الهجمات، وفقًا للشكوى، عمليات قتل جماعي، اغتصاب، تهجير قهري ، ونهب ممتلكات، وهي أفعال تصنّف كجرائم إبادة جماعية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والقانونين الدولي الإنساني، والجنائي الدولي.
مطالب السودان
يطالب السودان المحكمة باتخاذ تدابير مؤقتة لإجبار الإمارات على وقف دعمها لميليشيات الدعم السريع، بالإضافة إلى دفع تعويضات للمدنيين المتضررين من هذه الأعمال.
تطورات القضية…
بدأت المحكمة أولى جلسات الاستماع العلنية في هذه القضية، حيث استعرض السودان بيانات مؤسسة تثبت تورط الإمارات في دعم التمرد، قريباً من الطريقة التي قدمت بها جنوب أفريقيا شكواها ضد دولة إسرائيل وما يجري في غزة منذ السابع من اكتوبر 2023م.
التحديات القانونية :
شكوى السودان ضد الإمارات – كما ورد في بعض التقارير الإعلامية – تتعلق باتهامات حول تورط الإمارات في تجنيد ونقل مقاتلين سودانيين إلى مناطق نزاع، خاصة في سياق الحرب في اليمن أو ليبيا، أو في دعم التمرد في النزاع السودان الداخلي. في حال قرر السودان تصعيد الأمر إلى محكمة العدل الدولية أو إلى الأمم المتحدة، فثمة عدة تحديات قانونية قد تواجهه، ومنها:
إثبات المسؤولية القانونية
• عبء الإثبات :
يجب على السودان تقديم أدلة قوية ومباشرة تثبت تورط دولة الإمارات رسميًا في الأفعال التي تُتهم بها، وليس فقط أفراد أو شركات خاصة مقرها في الإمارات.
• الفصل بين الأفعال الرسمية والخاصة:
حتى لو ثبت أن أفرادًا أو شركات قامت بتجنيد سودانيين، فالسودان يجب أن يبرهن أن هذه الأفعال جرت بإشراف أو دعم رسمي من الحكومة الإماراتية.
• تداخل القانوني بالسياسي :
كثير من القضايا المشابهة تكون لها أبعاد سياسية يصعب فصلها عن القانوني، ما قد يجعل المنظمات الدولية تتعامل معها بحذر لتجنب التصعيد الدبلوماسي.
• الضغوط الدولية :
قد تتعرض القضية لضغوط من دول حليفة للإمارات أو السودان، مما يؤثر على مسارها في المحافل الدولية.
قضايا السيادة وعدم التدخل
• مبدأ عدم التدخل :
قد تدفع الإمارات بأن تصرفاتها لا تمثل تدخلًا غير مشروع في الشؤون السودانية، وأنها تتعلق بعلاقات تعاقدية أو أمنية مشروعة.
• حماية المصالح السيادية :
الإمارات قد تلجأ إلى التذرع بأمنها القومي أو مصالحها الإقليمية لتبرير بعض الأفعال…
إطالة أمد الإجراءات
• البيروقراطية القانونية : القضايا أمام محكمة العدل الدولية تستغرق سنوات، ما قد يجعلها غير فعالة في التأثير على الوضع الراهن في السودان.
تعقيدات الإثبات والتحقيق الدولي :
يحتاج السودان إلى دعم من مؤسسات ومنظمات دولية ومنظمات حقوقية لجمع وتحليل الأدلة، مما يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين…..
الشكوى التي قدمها السودان لمجلس الأمن ترتبط بشكل وثيق بالشكوى المقدمة لمحكمة العدل الدولية، لكن لكل منها أهداف ومسارات قانونية ودبلوماسية مختلفة، وتكمل إحداهما الأخرى.
إليك كيف تتقاطع وتتكامل الشكوتان :
1 . شكوى مجلس الأمن:
السودان قدّم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي يتهم فيها دولة الإمارات بـ :
• دعم ميليشيات الدعم السريع بالسلاح والعتاد عبر مطار إم جرس في تشاد.
• الضلوع في ارتكاب انتهاكات ترقى لجرائم حرب وإبادة جماعية، خاصة في إقليم دارفور.
• المطالبة بتحقيق دولي وتدخل من المجلس لوقف الدعم الخارجي لهذه القوات المتمردة..
الهدف من شكوى مجلس الأمن هو :
• خلق ضغط دولي سياسي وإعلامي على الإمارات…..
• تمهيد الأرض قانونياً لتبرير التحرك في محكمة العدل الدولية…
• طلب قرارات أو بيانات رسمية من المجلس يمكن أن تُستخدم لاحقاً كمرجعية قانونية في محافل أخرى..
2 . شكوى محكمة العدل الدولية :
البُعد القانوني :
محكمة العدل الدولية تختص بالنزاعات القانونية بين الدول.. والشكوى ضد الإمارات هناك تستند إلى:
• ادعاء بانتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية (1948)….
• المطالبة بـتدابير مؤقتة فورية ووقف الدعم العسكري بكل أشكاله…
• المطالبة بـإدانة دولية وتعويضات للضحايا…
الربط بين الشكويين:
• السودان يستخدم شكوى مجلس الأمن كأداة سياسية لدعم موقفه القانوني أمام محكمة العدل الدولية…
• الأدلة والمرافعات التي يقدمها في مجلس الأمن قد تُستخدم لاحقاً كمواد داعمة أمام المحكمة..
• في حال رفضت المحكمة اختصاصها (مثلاً بسبب التحفظات الإماراتية)، فإن السودان يعوّل على مجلس الأمن للتدخل أو الإحالة إلى جهات دولية أخرى مثل المحكمة الجنائية الدولية..
أن يتمكّن السودان من إرغام دولةٍ كالإمارات، بكل ما تملكه من نفوذ مالي وسياسي إقليمي ودولي، على المثول أمام محكمة العدل الدولية، يُعدّ انتصارًا تاريخيًا للعدالة، ولإرادة الشعوب التواقة إلى الكرامة والعدالة الدولية والسيادة.
إن مجرّد استماع العالم لمرافعات توثّق جرائم الإمارات، يُسهم في تقويض الصورة النمطية التي حاولت أن تروّج لها الإمارات كدولة راعية للسلام، والتسامح، وحقوق الإنسان. تلك الصورة التي تتساقط اليوم،
لتظهر الحقيقة :
دولةٌ تورّطت في تأجيج الصراعات، ونهب الثروات، وسفك دماء الأبرياء تحت عناوين زائفة.واستغلت سلطان النفوذ والمال و وكالتها عن مصالح دول بعينها لتقويض السلم والأمن لدولة عضو بالأمم المتحدة وخارج فلكها الإقليمي..
تحليل أعمق خارج أطر القانون الدولي :
أولاً : من منظور القانون الدولي الإنساني (IHL)
1. سريان القانون الدولي الإنساني
• يسري القانون الدولي الإنساني عند وجود نزاع مسلح دولي أو غير دولي. لذا يجب على السودان أن يثبت أن التصرفات المنسوبة للإمارات تدخل ضمن نطاق نزاع مسلح، سواء داخل السودان (بين الجيش و ميليشيا الدعم السريع)، أو خارجه (اليمن، ليبيا… إلخ).
• إذا لم تُصنَّف الأفعال ضمن نزاع مسلح، فإن IHL لا يُطبق تلقائيًا، وهذا يشكل عائقًا قانونيًا كبيرًا.
2 . انتهاك مبدأ الحياد
• إذا ثبت أن الإمارات قامت بدعم تمرد الدعم السريع المحلول بمرسوم دستوري في السودان عسكريًا ( بأسلحة أو مقاتلين أو منظومات عسكرية متطورة)، فإن هذا يشكل خرقًا لواجب الحياد بموجب اتفاقيات جنيف…..
• إلا أن إثبات هذا الدعم على مستوى الدولة وليس فقط الأفراد أو المرتزقة، هو المفتاح.
3 . الارتباط بالمرتزقة
• تجنيد أو نقل مقاتلين سودانيين وغير سودانيين للقتال في نزاعات خارجية (مثل اليمن أو ليبيا) يدخل في إطار منع تجنيد المرتزقة بموجب اتفاقية الأمم المتحدة بشأن المرتزقة (1989).وقد كان المكون الأجنبي ومن عربان الشتات و الرحل جلي في سير المعارك ومن تم ضبطهم…
• المشكلة أن:
• ليس كل الدول صادقت على هذه الاتفاقية (بما فيها الإمارات).
• إثبات أن المقاتلين “مرتزقة” بالمعنى القانوني (أي يقاتلون لأجل المال، ولا ينتمون إلى دولة طرف، ويُستخدمون خارج قانون الخدمة العسكرية التقليدية) قد يكون معقدًا.حملات السلب والنهب والسرقة لأملاك المواطنيين والأعيان المدنية مثبتة بتوثيق المرتزقة أنفسهم.
ثانيًا : من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان ( IHRL )
1. نقل الأفراد قسرًا أو استغلالهم
• في حال ثبوت أن مواطنين سودانيين، خصوصًا قُصَّرًا أو ضعفاء اقتصاديًا، تم تجنيدهم أو نقلهم بطرق احتيالية أو قسرية، فقد تُصنّف هذه الأفعال كـ اتجار بالبشر، وهو محظور بموجب القانون الدولي.
• يحق للسودان الدفع بأن هذه الأفعال تنتهك:
• العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ( ICCPR ).
• اتفاقية حقوق الطفل، خاصة إذا ثبت تجنيد أطفال دون سن 18.
2 . انتهاك الحق في الحياة والسلامة
• إذا نتج عن تدخل الإمارات في النزاع السوداني ممارسات تؤدي إلى قتل مدنيين، قصف عشوائي، دعم ميليشيات ترتكب انتهاكات…، فإن السودان يمكن أن يثبت أن الإمارات ساهمت في انتهاك حقوق المدنيين المحمية دوليًا…
• هذه الانتهاكات قد تُطرح أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، لكن دون صلاحية تنفيذية قوية ما لم تُرفَع إلى مجلس الأمن.
ثالثًا : التحديات الإجرائية و القانونية
1. مسألة السيادة والولاية الإقليمية
• الإمارات ستجادل بأن أفعالها – إن وُجدت – وقعت خارج الإقليم السوداني أو أنها لم تمس مواطنين سودانيين بشكل مباشر من قبل موظفي الدولة الإماراتيين. الحقيقة المثبتة هنالك وجود لإماراتيين ….
2. شروط الارتباط السببي
• يجب إثبات الرابط السببي المباشر بين سياسات إماراتية وأضرار وقعت على السودان أو شعبه.
• مثلاً: لا يكفي القول بأن شركة إماراتية جندت مقاتلين، بل يجب إثبات أن الحكومة كانت على علم، أو موّلت، أو سهّلت هذا النشاط…
خلاصة تحليلية
السودان يمكنه بناء قضية سياسية قانونية قوية إذا:
1. قدّم أدلة موثقة تربط دولة الإمارات رسميًا بالأفعال.
2. أثبت أن هذه الأفعال تسببت بمعاناة بشرية واسعة أو انتهاكات حقوقية ممنهجة.
3. إذا استعان بتحالفات دبلوماسية وإعلامية ودولية لدعم مطلبه…
لكن التحديات الكبرى تكمن في :
• إثبات المسؤولية القانونية الرسمية.
• محدودية اختصاص المحاكم الدولية بالتجارب…
• تعقيدات القانون الدولي المتشابك مع السيادة والدبلوماسية..
. مخاوف النموذج الاسرائيلي والأنظمة العميقة عالميا يشيء بزج الكبار بالمحاكم الدولية مستقبلا
. وتبقى رمزية (الوطنية والقانون والعدالة) سواء كان حقيقه ام لا فأن وجود وزير العدل في حكومة حمدوك وقحت وصمود أذناب التمرد الخونة، وعراب ميليشيات الدعم السريع داخل صف الدولة العدو وسندها القانوني، له مغزى عند شعبنا و ذاكرته الجمعية في القتل والمشي على الجنازة.