رأي

أزمات أفريقيا المتلاحقة

نور الدين المازني *

أفريقيا من أزمة إلى اخرى..هل هذا قدر القارة السمراء أم نتيجة خلافات ونزاعات داخلية تغذيها أجندات خارجية…أزمات السودان، و الساحل الأفريقي و القرن الأفريقي و ليبيا و أخيراً وليس آخراُ مأزق الإنتخابات الرئاسية في السنغال .. هذه أمثلة و القائمة تطول، و سأركز مقالي الأول على السودان ، البلد الذي أحببته و عشت عزيزاً مكرماً بين أهله خلال فترة مفصلية من تاريخه ..
بادىء ذي بدء، أود أن أقول وبكل صراحة ، لقد تضاءل في الآونة الأخيرة اهتمام العالم العربي بأحداث القارة السمراء التي ينتمي لها قرابة نصف الدول العربية وذلك بسبب الحرب الإسرائيلية الغاشمة على غزة و انشغال عواصم العالم دون استثناء بتطوراتها المتلاحقة و خاصة خلال المائة يوم الأولى من بدايتها بالنظر إلى بشاعتها و ما خلفته إلى اليوم من مجازر و دمار لم يشهد لهما العصر الحديث مثيلاً ..في هذه الأثناء جدت أحداث وتطورات أخرى لم تحظ بما يكفي من الاهتمام، ومن بينها ما اسميته في اكثر من مناسبة “الحرب المنسية” أو الاقتتال بين الإخوة الأعداء في السودان ، حيث مشاهد الدمار التي لحقت بالعاصمة القومية الخرطوم و العديد من مدن الداخل وخاصة في دارفور، وهي مشاهد شبيهة بما نراه في غزة، بل إن النازحين السودانيين فاق عددهم الثمانية ملايين حسب أحدث إحصائيات الأمم المتحدة أي حوالي أربعة أضعاف مما حدث في القطاع ، إلى جانب آلاف القتلى و الجرحي و المفقودين ،، يؤلمني أن أقوم بهذه المقارنة ، لأن من اقترف هذا الصنيع الشنيع هم أبناء السودان أنفسهم و لم يأت مباشرة من عدو خارجي، علاقاتي بالاشقاء في السودان، حيث قضيت مالايقل عن خمس سنوات في العمل بين الإتحاد الإفريقي والأمم اامتحدة، علاقات قديمة ومتشابكة و مازلت على تواصل إلى اليوم مع العديد من المسؤولين السابقين والحاليين وفي أعلى المستويات و كذلك مع أناس عاديين و الكثير منهم ينقل لي، كل بطريقته، حجم المعاناة التي يعيشها الشعب السوداني الذي فقدت اغلبيته مقومات العيش الكريم و أصبح لاجئاً في بلده أو أضطر إلى المغادرة إلى بلدان الجوار و مواجهة ظروف قاسية في انتظار انتهاء الحرب التي قد يطول أمدها … أقول للجميع وبمنتهى الصراحة إن قرار الاستمرار في هذه الحرب لن يؤدي إلى السلام و لا حاجة لتبيان الأسباب لانها معروفة لدى الكثيرين،، التدخلات الإقليمية و الدولية في شؤون السودان لم تتوقف منذ سنوات طويلة وكان من نتائجها الكارثية انفصال الجنوب، و مأساة إقليم دارفور الذي كاد أن يلقى نفس المصير وينسلخ عن الوطن الأم ، و مخططات تفتيت البلاد مستمرة بشكل أو آخر إلى اليوم ، و يؤلمني هنا أن البعض من قادة الرأي في هذا البلد “المنكوب” يتحدثون عن “سودان جديد” من “البحر إلى النهر” و هو موضوع افضل عدم الخوض فيه لأنه يعني مزيداً من تمزيق أوصال الوطن و القضاء على وحدته و لا أخال أن هذا هو الحل. الذي ترتضيه أغلبية الشعب السوداني.

أتمنى شخصياً بحكم انتمائي العربي والأفريقي ومن منطلق وفائي لهذا البلد ، أن أرى السودان متصالحاً مع نفسه مهما كان حجم التحديات ، وأناشد هنا نخب هذا البلد العظيم بتاريخه المجيد و الكثير من رجالاته البررة الذين قدموا إسهامات كبرى في تعزيز التضامن العربي الأفريقي ، أدعو هذه النخب إلى العمل دون كلل من أجل تشجيع الفرقاء على وضع المصالح العليا للوطن فوق كل اعتبار، لأن الاستمرار في الحرب يعني مزيداً من القتلى ومزيداً من الدمار ومزيداً من النزوح و مزيداً من المؤامرات الداخلية و الخارجية التي تريد إطالة أمد الحرب ، والحال أن كل الحروب التي عرفها العالم انتهت بالجلوس حول طاولة المفاوضات حتي بين أشد الفرقاء عداوة ، قلتها من قبل وفي منابر عديدة وأكررها من جديد ، من الصعب جداً أن يخرج من هذه الحرب منتصر و مهزوم ، فكلاهما سيندم عندما يتكشف للجميع هول الكارثة التي حلت بالبلاد و العباد …

و مع قتامة هذه الصورة التي رسمتها بكل مرارة، يظل هناك بصيص أمل مع تعيين الدبلوماسي القدير و الصديق العزيز السيد رمطان العمامرة مبعوثاً شخصياً للأمين العام للأمم المتحدة إلى السودان و الذي ربطتني به علاقات وثيقة من التعاون و العمل المشترك خلال فترة تواجدي في أديس أبابا كمتحدث رسمي باسم الاتحاد الأفريقي، اكتشفت في شخصه تواضعاً شديداً عند التعامل مع الغير و قدرة فائقة في إدارة أدق الأزمات بنزاهة و موضوعية وانفتاح مع الحسم عندما يتعلق الأمر بتحديد مسؤولية أي طرف يعرقل السلام ..
اتمنى أن يتعاون الجميع مع هذه الشخصية ذات الخبرة الطويلة و الملمة بالملف السوداني على امتداد سنوات طويلة لدى إشرافه على مفوضية السلم والأمن بالاتحاد الأفريقي، و بكل تأكيد يبقى الخيار النهائي بشأن استمرار الحرب أو الجنوح إلى السلم بيد أهل السودان لا غير…

لم ينطلق السيد العمامرة في مهمته الجديدة من فراغ، فهناك أكثر من اتفاق سلام تم توقيعه قبل اندلاع الاقتتال في منتصف أبريل الماضي، كان هناك اتفاق إطاري لم يحظ انذاك بموافقة جميع الفرقاء ولكنه شكل بداية مشجعة على طريق الحل و تلاه مشروع اتفاق سياسي نهائي و مشروع دستور انتقالي، و تم كل ذلك بمواكبة و دعم من الوسطاء الاقليميين و الدوليين، كانت هناك آمال حقيقية بأن السودان مقبل على فتح صفحة جديدة من تاريخه …ولكن كل هذه الآمال سرعان ما تبخرت بعد 15 أبريل من السنة المنقضية، وهنا لا أريد أن أدخل في التفاصيل و في الأسباب و المسببات و الطرف أو الاطراف المسؤولة عما حدث ، هذا أمر متروك للسودانيين أنفسهم للحسم فيه و استخلاص الدروس و العبر تجنباً لأية انتكاسة جديدة في المستقبل ..
لابد أن يتحمل كل طرف مسؤولياته أمام شعبه و أمام المجتمع الدولي بمؤسساته ذات الصلة، ثقتي كبيرة في المبعوث الأممي الجديد إلى السودان الذي يعمل حالياً في صمت و يعرف كيف ينصت جيداً إلى الجميع و كيف يساعدهم على تجاوز هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها السودان و على الأطراف السودانية في نهاية المطاف أن تختار بين الحرب أو السلام و تتحمل في ذلك مسؤولياتها كاملة ..

*نورالدين المازني المتحدث الرسمي- سابقا- باسم الاتحاد الإفريقي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى