المحقق – نازك شمام
رمت حرب السودان المشتعلة منذ منتصف أبريل من العام الماضي بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع بحمولتها الثقيلة على القطاع الصناعي، ليصبح من أكثر اكثر القطاعات المتأثرة بالأوضاع الأمنية غير المستقرة في الولايات غير الآمنة لا سيما ولايتي الخرطوم والجزيرة باعتبارهما مقراً لأكبر عدد من المصانع. ومنذ أيام الحرب الأولى جأر أصحاب المصانع بالشكوى بعد تعرض مصانعهم لعمليات سرقة ممنهجة بدأت بالمنتجات الصناعية ولم تسلم حتى معدات وماكينات هذه المصانع.
في المناطق الصناعية بالعاصمة السودانية، الخرطوم زحفت اعداد كبيرة من اللصوص نحو المصانع لسرقة ما تيسر من المنتجات الغذائية والاستهلاكية، إلا أن الأمر سرعان ما تحول إلى سرقة ممنهجة لآليات المصانع كما كشف شمس الدين عبدالله صاحب مصنع صابون بالمنطقة الصناعية أم درمان.
وتحسر عبدالله في حديثه مع (المحقق) على ما آل إليه القطاع الصناعي بالسودان من دمار شمل حتى بنياته التحتية.
وقال فقدنا حصاد عمرنا في لمحة بصر وتدمرت مصانعنا وسرقت”، واضاف“ معظم أصحاب المصانع اعتمدوا على مواردهم الذاتية في انشائها لضعف التمويل الممنوح من المصارف للقطاع الصناعي، لذا فإن الخسارة متفاقمة لأصحاب المصانع”.
في فبراير الماضي كشفت وزيرة الصناعة المكلف محاسن علي يعقوب عن تأثر القطاع الصناعي بالحرب الدائرة في البلاد بصورة كبيرة جدا ما أدى إلى تدمير حوالى 90 % من المصانع القائمة بولاية الخرطوم والولايات الأخرى.
واوضحت أن معظم الصناعات تركزت في ولاية الخرطوم ما أدى إلى فقدان معظم السلع الاستهلاكية والتي من أهمها المنتجات الغذائية والأدوية وغيرها.
وقالت في تصريح لوكالة السودان للأنباء إنه من خلال تنفيذ الخطة الإسعافية التي من أهم مرتكزاتها متابعة العمل في المصانع التي انتقلت من ولاية الخرطوم إلى الولايات الآمنة بهدف تشغيلها وتوطين الصناعة فيها بجانب فتح فروع للمصانع القائمة في ولاية الخرطوم في جميع الولايات الآمنة حسب الميزات النسبية للموارد المتاحة والبنيات التحتية.
وأشارت إلى ضرورة العمل على استقطاب الإستثمار الصناعي في جميع الولايات الآمنة مع التركيز على التصنيع الزراعي لتحقيق القيمة المضافة وتوفير سلع الأمن الغذائي لتغطية الإستهلاك المحلي والإنفتاح على الأسواق الإقليمية والدولية.
وأوضحت محاسن أن الخطة تركز على أهمية الاستفادة من الميزات التفضيلية الممنوحة بموجب هذه الاتفاقيات والعمل المشترك مع جميع الجهات المختصة لتشغيل المصانع المتوقفة في جميع الولايات وإعادتها إلى دائرة الانتاج.
وذكرت الوزيرة أنه من أولويات الوزارة أيضا إنشاء مكاتب للصناعة بالتنسيق مع الجهات المختصة في جميع الولايات الآمنة ودعمها بالكوادر المؤهلة والمعينات لمتابعة المصانع الاستراتيجية القائمة في الولايات مثل مصانع السكر، الأسمنت والمطاحن، والمنشآت الجديدة.
وأضافت أن الخطة تتضمن أيضا العمل على تنمية وتطوير الصناعات الصغيرة والحرفية والريفية وربطها بالصناعات الكبيرة لتحقيق مبدأ المناولة والعمل على تهيئة المناخ الملائم لاستقطاب الصناعات التحويلية ومنحهم الميزات التشجيعية في منح الأراضي مع تبسيط الإجراءات لتوطين هذه الصناعات وعدم فرض أى رسوم أو جبايات على هذه المصانع إلا مقابل خدمات، على أن يتم تحصيلها من خلال نافذة موحدة.
وتطرقت إلى ضرورة التنسيق بين القطاعات الإنتاجية ذات الصلة خاصة الزراعة بشقيها النباتى الحيواني والمعادن من خلال الترابط الأمامي والخلفى لتحقيق القيمة المضافة وتعظيم العائد للصادرات الصناعية والحد من تصدير المواد الخام الأولية مع التنسيق مع وزارة التجارة فيما يتعلق بترقية الصادرات الصناعية لتعظيم العائد بالاستفادة من الاتفاقيات الإقليمية والدولية. ووفقا لا حصائيات غير رسمية فإن الحرب دمرت ما يقدر بنحو 411 مصنعا بالمنطقة الصناعية بحري و139 مصنعا في أم درمان بولاية الخرطوم. مما أدى إلى فقدان 250 ألف عامل بالمنطقة الصناعية في الخرطوم بحري لوظائفهم. وكشف مصدر باتحاد الغرف الصناعية- فضل حجب اسمه- ان الدمار الذي شهده القطاع الصناعي بالبلاد لم تشهده القطاعات الأخرى.
وأكد على انهيار المنظومة الصناعية بالبلاد الأمر الذي يصعب معه تقدير حجم خسائر القطاع.
وقلل المصدر في حديثه مع (المحقق) من الدور الحكومي في الوقت الراهن لمحاولة إعمار القطاع الصناعي.
وقال“ من الصعب أن تستطيع الصناعة الوقوف مجدداً في ظل عدم استقرار الأوضاع الأمنية في الولايات التي كانت تضم أكبر عدد من المصانع.
ولفت إلى أن القطاع الصناعي كان في الأصل يواجه معوقات كبيرة انعكست على تكلفة الانتاج ولكن على الرغم من ذلك كان أصحاب المصانع يصرون على الانتاج في ظل ظروف غير مؤاتية.
إلا أن ثمة تحركات على المستوى الحكومي لإعادة إعمار القطاع الصناعي حيث استضافت العاصمة المصرية، القاهرة، اجتماعا تفاكريا حول إعادة الإعمار في القطاع الصناعي بالسودان بمقر السفارة السودانية بالشراكة بين وزارة الصناعة والاتحاد العربي لتنمية الصادرات الصناعية وبعض رجال الأعمال السودانيين المتخصصين في الصناعة، برئاسة وزيرة الصناعة السودانية محاسن علي يعقوب والسفير عبدالمنعم محمد أحمد الأمين العام للاتحاد العربي لتنمية الصادرات الصناعية.
وأشار القائم بأعمال سفارة جمهورية السودان لدى مصر، السفير د. محمد عبدالله التوم لإهتمام السفارة بتقديم كل ما يلزم لإعادة الإعمار بالسودان بعد حرب تمرد مليشيا الدعم السريع المحلولة على الدولة والقوات المسلحة السودانية.
وكشفت وزيرة الصناعة عن عقد مؤتمر تأهيل وإعادة إعمار الصناعات السودانية في مطلع مايو المقبل ببورتسودان وقدمت شرحا للأوراق التي ستقدم والورش المتخصصة التي ستسبقه كما بينت المجهودات التي تبذلها الوزارة لتذليل الصعوبات التي تواجه المصانع السودانية لإعادة نشاطها وتشجيع إنشاء مصانع فى الولايات لتغطية حاجة المواطنين من السلع المتنوعة.
وأعلن الأمين العام للاتحاد العربي لتنمية الصادرات الصناعية، السفير عبد المنعم عن مبادرة الاتحاد لتنظيم مؤتمر لتأهيل وإعمار الصناعة السودانية يعقد بالقاهرة مايو المقبل تشارك فيه منظمات دولية وإقليمية ومؤسسات تمويل بالإضافة للمصنعين السودانيين ورجال الأعمال. ويرى الخبير الاقتصادي، د. هيثم محمد فتحي أن إعادة إعمار البلدان بعد الحرب تستغرق وقتا طويلا وتتطلب جهودا كبيرة. وتشمل عمليات إعادة الإعمار أنشطة متعددة، بداية من رفع آثار الصراعات، وأنشطة إعادة بناء ما دمرته الحرب على مستوى البنى التحتية والمرافق العامة والخدمات، فضلا عن إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني لاستعادة الاتزان الاقتصادي وتفكيك اقتصاديات الصراعات الداخلية.
وقال إن أولى خطوات إعمار القطاع الصناعي إعادة النظر في قانون الاستثمار، لجذب مزيد من الاستثمارات، وأشار في حديثه مع (المحقق) أن هذا الأمر يتطلب وقتاً طويلاً لأن ما دمرته الحرب يتمثل في مدن صناعية كاملة تحتاج إلى إعادة بناء، ومعلوم أن إعادة الإعمار عملية ضخمة، وثمة كتلة مالية هائلة تنتظر وقف الحرب، حتى تضخ، وطرائق التمويل لن تكون مشكلة.
وأكد أن السودان يملك ثروة بشرية لها من الإمكانات ما يؤهلها لإعادة إعمار السودان وتجاوز الصعوبات واجتراح الحلول
لذلك لا بد من حشد الجهود لبناء صناعة وطنية قوية تنافسية في الأسواق الخارجية والداخلية ولابد من إصدار تشريع خاص بالمناطق المتضررة وقانوناً للاستثمار وإلغاء الغرامات والفوائد ودعم التصدير وتشجيع إقامة المعارض ومحاربة البضائع المهربة.
وشدد فتحي على أهمية إعداد خطة متكاملة لتأهيل المصانع المتوقفة في الولايات الآمنة وإعادتها إلى دائرة الإنتاج. ودعم إنتاجها لزيادة الإنتاج والإنتاجية لكافة السلع الضرورية خاصة الغذائية والأدوية التي يمكن إنتاجها محليا لإحلال الواردات، ودعم المصانع الوطنية العاملة الآن لتعويض بعض خسارتهم للتقليل من آثار الحرب عليهم وتحفيزهم للإنتاج وزيادة الإنتاج وإضافة منتجات جديدة.