إنتخابات السنغال: خلفيات مهمة وقراءة عجلى
السفير عطا المنان بخيت
الإعلان الرسمي عن نتائج الإنتخابات الرئاسية السنغالية التى ستعلن رسمياً يوم الجمعة 29 مارس، إلا أن جميع المرشحين ال 17 إعترفوا رسمياً بخسارتهم للإنتخابات الرئاسية أمام المرشح الشاب بشيرو فاى. وكان أخر المعترفين بالخسارة هو رئيس الوزراء السابق ومرشح الحزب الحاكم أحمدو باه ، الذي أعلن فى مؤتمر صحفى مختصر خسارته وهنأ الرئيس الجديد بإختيار الشعب.
وبإعلان مرشح الحزب الحاكم خسارته الإنتخابات تنفست السنغال الصعداء، فقد كانت جماهير الشباب السنغالى على أهبة الإستعداد لإشعال الشوراع على امتداد البلاد ضد الحزب الحاكم، وبذلك تجنبت البلاد فتنة كبيرة كانت يمكن أن تؤدى لمزيد من الإنقسام والتشرذم فى المجتمع السنغالى المنقسم أصلا منذ ثلاث سنوات.
كثير من استطلاعات الرأى العام كانت تشير إلى إمكانية فوز مرشح حزب “الوطنيون السنغاليون” المعروف أختصارا بإسم ـ باستيف ـ ولكن لم يكن أحد يتوقع فوز الحزب في الجولة الأولى من الإنتخابات وبنسبة عالية أفقدت الحزب الحاكم أية محاولة للالتفاف على النتيجة والمطالبة بجولة ثانية كما كان متوقعا.
لقد كانت النتيجة مفاجئة لحز باستيف نفسه، فهذه هي المرة الأولى فى تاريخ الإنتخابات السنغالبة منذ العام 1963 أن يفوز مرشح المعارضة على مرشح الحزب الحاكم فى الجولة الأولى من الإنتخابات.
شهدت الأنتخابات الأخيرة تعقيدات كثيرة زادت من حدة التوتر السياسى فى البلاد، فقد كان متوقعاً أن تجرى الإنتخابات فى 25 فبراير الماضى ولكن الرئيس ماكى سال فاجأ الجميع بإصدار قرار جمهورى بتأجيل الإنتخابات الرئاسية، وطلب من البرلمان الذى يحظى فيه بأغلبية مريحة أن يحدد موعداً جديداً للانتخابات الرئاسية، وفي اليوم الثاني أقر البرلمان جدولاً جديداً قرر فيه انعقاد الإنتخابات في نهاية شهر ديسمبر 2024 وتمديد ولاية الرئيس سال التى تنتهي في الثاني من أبريل القادم إلى حين إنتخاب الرئيس الجديد، لأن الرئيس سال قد أكمل دورته الثانية ولا يحق له الترشح لدورة ثالثة حسب الدستور السنغالى.
أثار قرار البرلمان موجة اعتراض واسعة من المعارضة التى رأت فيه انقلاباً دستورياً، وعمت البلاد موجة حادة من المظاهرات الشبابية، ورفعت المعارضة قضية لدى المحكمة الدستورية العليا والتي فاجأت الحكومة بإضدار فتوى ببطلان قرار البرلمان، وألزمت الحكومة بتنظيم الإنتخابات الرئاسية قبل الثاني من أبريل موعد إنتهاء ولاية الرئيس الحالي مكى سال. وعلية تم تحديد تاريخ 24 مارس لعقد الإنتخابات ، وعمليا فقد كان أمام المرشحين أسبوعان فقط للحملة الإنتخابية. وأطلق الإعلام السنغالي على هذه الحملة القصيرة إسم حملة الإكسبرس.
أما من جانب حزب باستيف فقد واجه تحدياً حقيقياً في تنظيم حملة إنتخابية بمستوى التحدى، فقد كان رئيسه عثمان سونكو سجيناً منذ شهر يونيو الماضي، كما أن مرشحه بشيرو فاى سجين أيضاً منذ أغسطس الماضى، والحزب نفسه محلول منذ العام 2021. وهكذا خاطب المرشح بشيرو فاى الرأى العام السنغالى بأنه سيخوض الإنتخابات من داخل السجن ، وخاطب الشباب السنغالي قائلا لهم كلكم بشيرو فاى، وكلكم مطالب بإنجاح الحملة الإنتخابية، وكون الحزب المحلول تحالفاً أسماه تحالف تحرير الشعب ورفع شعار المقاطعة مع الماضى.
هذا الخطاب وهذه الخطوات الثورية كان لها مفعول السحر وسط الشباب الذي رفع شعار ديوماي فاي من السجن إلى القصر. وفى وجه الحملة الكبيرة من الشباب إتخذ الرئيس ماكى سال قراراً حكيما بإصدار عفو رئاسي عن كل السجناء السياسيين، وعملياً شمل العفو الرئاسي المرشح بشيرو فاي ورئيس الحزب عثمان سونكو. ولكن أطلاق سراحهما تم قبل عشرة أيام فقط من موعد الإقتراع، ولكن الحزب الشاب أستطاع تنظيم حملة إنتخابية قوية وحاسمة فى عشرة أيام فقط وأن يقلب كل الموازين ويحقق لمرشحه الشاب فوزاً إنتخابياً غير مسبوق في تاريخ العملية السياسية فى السنغال.
من أجل القراءة الصحيحة لهذه الإنتخابات ونتائجها لا بد من الوقوف على ثلاث قضايا مهمه، هى أولاً أن السنغال بلد مؤسسات وهذا عاصم مهم يحقق العدل ويمنع إنزلاق الدولة نحو الفوضى، فقد كان قرار المحكمة الدستورية ببطلان قرار رئيس الجمهورية وقرار البرلمان بتأجيل الأنتخابات، تأكيداً لنزاهة المؤسسات العدلية فى البلاد، وساهم هذا القرار فى تعزيز الثقة فى مؤسسات العدالة. وثانيها هى نزاهة العملية الديمقراطية فى السنغال، ففى العام 2000 خسر الرئيس الأسبق عبدو ديوف الإنتخابات أمام مرشح المعارضة عبد الله واد، وإعترف بخسارته وغادر السلطة سلميا، وفى العام 2012 خسر الرئيس السابق عبد الله واد الإنتخابات الرئاسية أمام تلميذه ومنافسه الرئيس الحالى مكى سال وإعترف بالخسارة وترك السلطة راغباً. واليوم قبل الرئيس سال قرار المحكمة الدستورية ونظم الإنتخابات الرئاسية وسيسلم الحكم طوعاً فى الثاني من أبريل القادم.
وأخيراً فإن فوز رئيس شاب يتبنى خطاباً ثورياً وأصولياً فى نفس الوقت يعني أن عصر الشباب قد بدأ فى إفريقيا وعلى القدامى إفساح المجال للقادمين ومن الأفضل أن يكون ذلك طوعا حتى تعزز التجربة الديمقراطية الوليدة فى القارة المضطربة.