اتهامات تشاد وسياسة الجوار السوداني
د. حسن عيسى الطالب
أوردت مجلة Jeune Afrique الفرنسية في لقاء أجرته مع رئيس الفترة الانتقالية في تشاد، الفريق محمد إدريس دبي، مطلع هذا الأسبوع، أن من ضمن أسباب الخلاف الحالي مع السلطة الحاكمة في السودان، هو ما تأكد لهم من تدبير الفريق البرهان انقلاباً عسكرياً في تشاد، إبان الفترة الانتقالية، وبالتآمر مع المعارض التشادي ووزير الخارجية الأسبق، أبوبكر مناني. وأن هذا الأمر أكده للرئيس التشادي، قائد قوات الدعم السريع المنحلة، الفريق محمد حمدان حميدتي.
تندرج هذه الإفادة ضمن المخططات الترويجية والتدليس الممنهج التي يُغذى بها الإعلام الأجنبي، في إطار الحرب الإعلامية، وحرب الوسائط الاجتماعية، وتقانة الذكاء الاصطناعي AI التي تنسج على منوالها القوى الداعمة للتمرد أجندتها، ويتم عبرها تبرير حملات تزويد الميليشيا والمرتزقة بالأسلحة والتمويل، وإيهام الحكومة التشادية بأنها في حالة دفاع مشروع.
يتعين على السلطات السودانية التعامل بشفافية ووضوح إزاء هذه المواضيع الحساسة، وعدم تركها لتحليلات الإعلاميين، ولا الفضائيات التي تقتات من تغذية مثل هذه الترهات وتفخيخها، فهذا من أوجب واجبات الدبلوماسية الوطنية ومبادئ العمل الخارجي المحترف.
وعلى الرغم مما يجري، وما ينال السودان من جيرانه الجاحدين، فإنه يحمد لحكومة تشاد تعاملها الإنساني والأخلاقي مع ما يقرب من مليون لاجيئ سوداني، فروا من الجنينة وولاية غرب دارفور ، إثر حملات التطهير العرقي، ومجازر الإبادة المروعة في تلك المنطقة، وفي مدن دارفور الأخرى.
بيد أنه يتعين على الفريق أول البرهان مكاشفة رئيس الحكومة الانتقالية التشادية في هذا الموضوع بكل شفافية وشجاعة أخلاقية وأدبية، وعدم الاكتفاء بالتراشق الإعلامي، وتبادل السباب والتنابز بالألقاب.
إذ يتعين التوضيح والمكاشفة. وهذا من أدب الإسلام وهدي القرآن، الذي يؤمن به الفريقان، وجاء تأكيده وسابقته التشريعية في معالجة حادثة الإفك وكيفية الرد والمعاملة.
كذلك يتعين التوضيح للجانب التشادي بأن أي تحرك مضاد أو مساند للتمرد والإرتزاق المسلح لإنتهاك الأمن القومي للسودان، لا يمكن السكوت عليه، مهما كانت التضحيات، ولن يكون في مصلحة أي من البلدين. ولكن من المؤكد يقينا وقطعا بأنه سيضر بأمن ومصالح تشاد.
فمنذ ديسمبر 1990م ومجئ الرئيس الراحل إدريس دبي للسلطة، بعد هزيمة حكومة حسين هبري، لم يحدث أن ساءت العلاقات مع تشاد بالمستوى الذي وصلت إليه بعد الفوضى الإدارية والأمنية التي استشرت قبيل وبعد أبريل 2023م.
لا بل أنه تم إنشاء القوة العسكرية المشتركة بين البلدين لمراقبة التفلتات الأمنية وتمشيط الحدود بين البلدين، منذ عام 1993م وكان على قيادتها آنذاك بالجنينة اللواء الشهيد بكري عمر الخليفة. وظلت تمارس مسئولياتها حتى عام 2019م.
وعموماً فإن علاقات السودان مع كافة دول الجوار ظلت لها خصوصيتها المميزة، ويتعين أن يوليها مجلس السيادة ما تستحقه من إهتمام لا سيما خلال هذه المرحلة الحاسمة.
فهناك إدارة متخصصة بالخارجية يؤمها سفراء ودبلوماسيون من ذوي الدراية والاختصاص، ويتعين تعزيز قدراتها ودعمها، لكي ترفد السياسة الخارجية بما يتعين اجراؤه خلال هذه المرحلة الحساسة، ويمكن الاستعانة بالخبرة الوطنية الثرة المتوفرة بالبلاد لرسم خارطة طريق استراتيجية لتأمين المصالح العليا للبلاد وتجاوز هذه العقبة.
وللأسف فإن السياسة الخارجية للسودان ظلت خلال الفترة الماضية رهنا لأجندة خارجية، تسيرها وتخطط لها، ولم تراع المصلحة العليا للبلاد، لا سيما بعد تشريد الكوادر الاحترافية والمهنية من أبناء البلاد، وإساءة التعامل مع دول الجوار ومن جيرانه الأقربين، والأخوة في الدين، وتهميش العلاقات التاريخية مع أصدقاء السودان، وإضاعة الوقت في البحث عن أصدقاء متوهمين والاكتفاء برؤى تخيلية لبناء قصور في الرمال، تغذوها السذاجة المهنية والعمالة والارتزاق، مما أورد البلاد للمهالك التي تعيشها اليوم.