التدين المغشوش
أ. السر السيد
التدين المغشوش عنوان مقالة للمفكر الإسلامي المعروف الشيخ محمد الغزالي، نشرت ضمن كتاب “رؤى إسلامية معاصرة” الصادر ضمن سلسلة كتاب العربي.
لقيمة المقالة ولموقع الشيخ المتميز في مسيرة الفكر الإسلامي والدعوة الإسلامية المعاصرة رأيت أن أقدمها هنا مع القليل من المعالجة والتصرف تعميماً للفائدة وتحفيزاً للفكر النقدي الذي بتنا نفتقده يومياً.
في مقولتها المركزية تحاول مقالة الشيخ التي يشخص عبرها التطرف والانحراف كمرض يصيب بعض المتدينين، تحاول أن تحرر الدين من الصور الشائهة التي تتكون عنه بفعل التطرف والإنحراف، لذلك جاء تمييزه واضحاً بين الدين والتدين وهو يرصد بعض أمثلة الإنحراف والتطرف ومما جاء في مقالته قوله: إن للتدين المنحرف أسباب نفسية وعملية تظهر في أفكار المرء وأفعاله، وإن طبائع بعض الناس تحول الدين عن وجهته إلى وجهتها هي، فبدلاً أن تهدي تصد وبدلاً أن تسدي تسلب، لذلك نبه القرآن الكريم إلى نفر من الأحبار والرهبان جعلوا الدين كهانة تفسد بها الفطرة وتصطاد بها المنفعة.
وأشار إلى أن هذه العلة النفسية قد تستتر وراء الحماسة للقيم والغيرة على الحق كما في قصة ذلك الرجل الذي صورت له نفسه وصور له تدينه المنحرف انه أحرص على العدالة من النبي “ص” نفسه عندما علق على تقسيم النبي للغنائم، قائلا: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله!!
في رصده لحالات الانحراف هذه أشار الشيخ إلى أن المنحرفين في تدينهم لا يظنون بالناس إلا الشر ويتربصون بهم العقوبات لا المتاب ودائماً ما يسارعون بالحكم عليهم بالفسق أو الكفر كأن المرء عندهم مذنب حتى تثبت براءته، لذلك بدلاً من السعي بالتلطف والموعظة الحسنة لقيادة الناس إلى المسجد يسعون بالتطرف والتشدد إلى قيادتهم إلى حبل المشنقة.
من الأفكار الجديرة بالتأمل في هذا المقال قوله:” إن الفساد السياسي لا يبرر الإنحراف العقائدي ولا العوج الفقهي وليس الدين ستارة لتغطية العيوب وإنما هو طهارة منها وحصانة ضدها”؛ وأيضا إشارته إلى أن الجو الحر هو المكان الوحيد الذي يموت فيه التطرف ويتوارى أهله على بطئ أو عجل، المهم أنهم لا يبقون ولا يستقرون.
أورد الشيخ الغزالي في سياق مقاله الجميل هذا قصة موحية مفادها، أنه في إحدى القرى، أوصى العمدة إمام المسجد بالتنبيه لزيارة المرشد الزراعي للقرية وعندما بدأ الإمام في التنبيه تصدى له أحد المصلين وهو طالب جامعي قائلاً إن النبي “ص” منع نشدان الضالة في المسجد وعندما أصر الإمام على التنبيه انتزع منه الطالب الميكرفون مهدداً بأن هذا التنبيه لن يتم إلا على جثته..!! هنا علق الشيخ إن قياس الإرشاد الزراعي على نشدان جمل تائه لأحد البدو قياس غير صحيح، ولو فرض أنه صحيحاً فالأمر أهون من أن تقدم في سبيله جثة..
رحم الله الشيخ محمد الغزالي المفكر والداعية صاحب الاجتهادات الاستثنائية الجريئة.