التكامل الإقليمي كآلية لفض النزاعات في منطقة الساحل والصحراء
د.خالد شوكات
عرفت آلية “التكامل الإقليمي” تطوراُ كبيراً في تفعيلها على مستوى العلاقات الدولية، حتى صارت منذ مطلع القرن الحالي، الآلية الرئيسية للدول والتجمعات والمناطق في مختلف أنحاء العالم، في مواجهة التحديات الإستراتيجية المطروحة عليها، منذ قيام الاتحاد الأوربي بعد توقيع أعضائه على إتفاقية ماستريخت سنة 1993، إلى غاية نشوء منظمة “البريكس” وتوسيعها إثر إتفاقية جوهانسبورغ أواخر سنة 2023.
وبين الحدثين شهد المنتظم الدولي عشرات التجارب الناجحة والفاشلة على السواء، في بحث دائم عن حلول أكثر فاعلية واستدامة للقضايا الدولية والإقليمية المطروحة.
وتعتبر منطقة “الساحل والصحراء” الأفريقية، حالة دراسية مهمة لاختبار هذه الآلية، سواء من حيث الموارد البشرية والطبيعية أو الروابط الحضارية والثقافية والدينية، أو من حيث خطورة التحديات الاستراتيجية الجماعية التي تواجهها دول المنطقة، والتي تجعل منها منفردة غير قادرة على معالجة القضايا الكبرى المطروحة عليها، من قبيل التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتصحر وندرة المياه وعصابات الجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية والهجرة غير الشرعية والاتجار بالبشر وانهيار المنظومات الأمنية والدفاعية وعدم الاستقرار السياسي وسوء الحوكمة والفساد، ناهيك عن الأطماع الخارجية والتهديدات الإمبريالية ورواسب الحقبة الاستعمارية.
ويقتضي تنزيل آلية “التكامل الإقليمي” وعياً سياسياً ونخباً قيادية جديدة شابة وإصلاحات هيكلية عميقة على مستوى كل دولة من دول المنطقة، فضلاً عن تبني خطط عمل جماعية على مستوى منظمة دول الساحل والصحراء من شأنها إدراك الغايات في أفق زمني معقول، بالنظر إلى اعتبار التكامل الإقليمي ضرورة استراتيجية، لا مجرد خيار تكتيكي، فبقاء المنطقة خارج هذا التفكير الاستراتيجي سيُبقى عليها رقماً هامشياً في المعادلة الدولية التي لا تعترف إلا بالأقوياء، وسيواصل ارتهان مقدراتها للقوى الخارجية، سواء الكبرى المعروفة منها، خصوصا ذات الماضي الاستعماري، أو الناشئة تلك التي ترى في القارة الأفريقية قارة المستقبل، لكنها تنظر إلى منطقة الساحل والصحراء أيضاً باعتبارها الحلقة الأضعف في السلسلة الإفريقية، والتي سيتيح قطعها النفاذ إليها والاستحواذ على ثرواتها وأسواقها.
إن الجيل الجديد من القادة الشباب للمنطقة، مؤهل إن تسلح بالوعي الضروري والإرادة اللازمة في إحياء مجال الصحراء الكبرى، من بناء جسور الوحدة والتكامل الممكنة بين دول المنطقة وإزالة العقبات التي خلفها الاستعمار وتفكيك آليات التناحر البيني والتخلف الحضاري القائمة، وفتح آفاق واعدة ليعود للواحات بريقها ودورها التنموي والحضاري، وليُستعاض عن قوافل المهاجرين غير الشرعيين المضطهدين بقوافل البناة والعلماء والمبدعين، يشيدون معاً المستقبل المضيء اللائق بأبناء المنطقة، وغالبيتها الغالبة من الشباب الذين تقل أعمارهم عن الثلاثين، فليس قدر الصحراء الكبرى أن تكون مجالاً لحركة الإرهاب والإجرام، بل عليها أن تكون مجالاً للتعاون المشترك بين الأفارقة جنوباً وشمالاً، ومن أطراف المحيط الأطلسي إلى شواطئ المحيط الهندي.
*كاتب تونسي، وزير سابق