الحراك الدولي والسوداني لإيقاف الحرب… الفرص والمحاذير
الحلقة الثانية: مؤتمر باريس واجتماع مجلس السلم والأمن الافريقي
دكتور عبد الرحمن الغالي
(1)
لا نود في هذا المقال أن نحصي أو نستعرض كل المتغيرات والأحداث التي حدثت داخل كل الفاعلين السودانيين والاقليميين والدوليين، ولكن سنتعرض لبعض الأحداث المهمة والمتغيرات الكبيرة على فرص تحقيق السلام وإنهاء الحرب وتشكيل مستقبل بلادنا.
ونبدأ بالمتغيرات المهمة في المشهد العالمي وتحديداً المشهد الغربي بشقيه الأوربي والأمريكي.
ذكرنا في مقالات سابقة أن الإدارة الأمريكية كانت متهمة بإهمال حرب السودان وتعرضت لهجوم عنيف من الكونغرس ومجموعات الضغط. وذكرنا أن ملف السودان كان محصوراً في إدارة فرعية من إدارات وزارة الخارجية غير المهمة، كما تعرضت السياسة الأمريكية ونهج إدارة الحرب السودانية لنقد. أسفرت تلك الضغوط عن استقالة السفير الأمريكي بالخرطوم ( جون قودفري) في 3/2/2024 وتم تعيين ( توم بيريللو) مبعوثاً للسودان في 26/2/2024 ومعه تبنت الإدارة الأمريكية نهجاً جديداً تمثل في الآتي:
1) تم التخلي عن نهج فصل مسار وقف إطلاق النار والمسار السياسي حيث كانت أمريكا ترفض دخول العسكريين في نقاش القضايا السياسية وحصر ذلك على المدنيين.
2) تمت موافقة السعودية على ضم الإمارات ومصر لمنبر جدة مع فاعلين آخرين بعد تمنّعها السابق عن ضمهما، بل وشاركت السعودية في لقاء المنامة مع تلك الدول.
3) تم التركيز على أهمية إنهاء الدعم الخارجي العسكري لا سيما الإماراتي لطرفي الصراع.
4) تبني التركيز على قاعدة سياسية سودانية أوسع تضم القواعد الشعبية المؤيدة للديمقراطية بدلاً عن النخب السياسية ( وهذا بحسب إفادة مسؤول أمريكي لموقع أفريكا انتلجينس ) وهو ما صدّقته لقاءات المبعوث الأمريكي الذي التقى طيفاً سودانياً خارج القوى السياسية كما التقى بعض الاسلاميين، رغم أن هذا لا يعني مساواة الأمريكيين لتنسيقية ( تقدم) بالقوى الأخرى إذ لا تزال أمريكا ومعها النرويج والمملكة المتحدة ( الترويكا) تفضل إعطاء تقدم النصيب الأكبر في تمثيل السودان ( أو الانفراد بتمثيل الصوت المدني إن أمكن) عكس موقف الاتحاد الأوربي المتغير الذي صار يرى توسيع المشاركة وضم الآخرين وهو ما تجلّى في مؤتمر باريس الدولي الانساني حيث تمت دعوة ممثلين من طيف سياسي ومدني للمشاركة في سمنار المجتمع المدني السوداني شمل التجاني السيسي رئيس قوى الحراك الوطني و جعفر الصادق الميرغني رئيس الكتلة الديمقراطية وسلوى آدم بنية مفوض العون الإنساني حكومة السودان من الحركة الشعبية شمال جناح مالك عقار وياسر فتحي كدودة من تحالف التراضي الوطني برئاسة مبارك الفاضل وشخصيات محسوبة على الإسلاميين إضافة لشخصيات لمكونات قبلية مثل السلطان سعد بحر الدين وشخصيات مجتمع مدني بعيدة عن تقدم.
ويؤشر مؤتمر باريس وندوات هلسنكي وسويسرا لتحول الاتحاد الأوربي من دعم مبادرات الاتحاد الأفريقي للقيام مباشرة بمبادرته الخاصة. وكنا قد نشرنا رأياً للكاتب أليكس دي وال في تشريحه للمبادرات قال فيه إن الإتحاد الأوربي يدعم مبادرة الاتحاد الأفريقي الذي يمتلك بناء وهندسة مفصلة للأمن والسلم مبنية على مبادئ ومؤسسات ولكنه ( أي الاتحاد الأفريقي) لا يحترم تلك المبادئ ولا يستخدم تلك المؤسسات.
(2)
المؤتمر الدولي الإنساني للسودان ودول جواره:
وهو مؤتمر نظمته فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوربي بباريس في 15 أبريل 2024، وبحسب بيان الجهات المنظمة يأتي المؤتمر إمتداداً لمؤتمرات عُقدت في برلين 2020 وباريس 2021 لمساعدة الانتقال ( قبل الحرب)، ومؤتمر المانحين في سويسرا يونيو 2023 والاجتماعات عالية المستوى في نيويورك في سبتمبر وديسمبر 2023 ( بعد الحرب ).
جمع المؤتمر وزراء وممثلي 58 دولة تشمل دول من الجوار ( ليس كل دول الجوار) ومن الإقليم والمانحين إضافة لممثلي المنظمات الاقليمية مثل الاتحاد الأفريقي والايغاد والجامعة العربية والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة ورؤساء وممثلي برامج ووكالات الأمم المتحدة مثل برنامج الغذاء ومنظمة الصحة إلخ.. والصليب الأحمر الدولي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي إلخ… إضافة لحوالي 50 منظمة غير حكومية سودانية ودولية.
أهداف المؤتمر :
– حث الأطراف على إنهاء الحرب والالتزام بالقانون الدولي الإنساني.
– السماح بدخول ومرور المساعدات الإنسانية ووصول المواطنين إليها.
– جمع الأموال اللازمة للأغراض الإنسانية.
وقد أعلن المنظمون أن المانحين قد تعهدوا بدفع 2 مليار دولار يساهم الإتحاد الأوربي فيها بمبلغ 900 مليون يورو وذلك استجابة لنداء الأمم المتحدة في 7/2/2024 (الذي لم يجد حينها استجابة).
(3)
الجانب السياسي: إعلان المبادئ
وقد أصدر وزراء الخارجية وممثلو الدول والمنظمات الدولية والإقليمية إعلان مبادئ من أجل دفع مبادرات السلام في السودان.
أهم الإيجابيات في إعلان المبادئ:
– التأكيد على دعم الحل السلمي للنزاع مع احترام تطلعات الشعب السوداني واحترام سيادة ووحدة وسلامة أراضي السودان.
– حث الأطراف على الالتزام بما تم الاتفاق عليه في جدة خاصة إعلان جدة (في 11 مايو 2023).
– حث كل الأطراف الأجنبية على وقف دعمها بالسلاح والعتاد للأطراف المتحاربة، والامتناع عن أي عمل من شأنه زيادة التوترات وتأجيج الصراع.
– حث جميع الأطراف الإقليمية والدولية على دعم ( مبادرة سلام موحدة) من منابر جدة والاتحاد الأفريقي والايغاد وآلية دول الجوار. أي توحيد المبادرات في مبادرة واحدة.
– الالتزام بدعم التطلعات الديمقراطية للشعب السوداني والالتزام بدعم عملية شاملة وتمثل السودانيين يقودها السودانيون ويمتلكونها تؤدي لاستعادة الحكم المدني.
(4)
سلبيات مؤتمر باريس:
إعلان المبادئ جيد في عمومه ولكن المؤتمر نفسه لم يخلُ من الملاحظات وأهمها:
1) عدم دعوة طرفي القتال خطأ كبير من عدة نواحي فدخول ومرور الإغاثة والتعهد باحترام القانون الدولي الإنساني كلها أمور تتطلب وجود الطرفين وعدم دعوتهما يعطيهما الحجة في عدم الالتزام بالسماح للمساعدات كما أنه يعطي مؤشراً بعدم اعتراف المؤتمر بحكومة الأمر الواقع التي تعترف بها الأمم المتحدة مما يؤدي لتضييق فرص التعاطي الإيجابي مع المؤتمر وقبول الوساطة.
2) دعوة أطراف داعمة للحرب ومتورطة فيها يلقي بظلال على جدية الضغط عليها لوقف دعمها، كما أنه يضعف إعلان المبادئ السياسي بمشاركة أطراف غير محايدة.
3) وكان يمكن تدارك ذلك بمشاركة دول أخرى قريبة للطرف الآخر حيث غابت كل الدول القريبة من الجيش عدا مصر ، والدول هي : اريتريا والصومال من دول الايقاد، وقطر من دول الخليج وتركيا وإيران من الدول المتعاطفة مع الجيش. حضور هذه الدول كان سيوازن وجود دول الإيغاد والإمارات وتشاد الأقرب للدعم السريع.
المحصلة الأخيرة للمؤتمر أنه خطوة جيدة من الناحية السياسية من حيث النقاط الإيجابية المذكورة أعلاه ويجب استدراك سلبيات التمثيل في مرحلة الوساطة لاحقاً.
أما التوقعات بفشل التعهدات المالية فهذا أمر وارد ( على سبيل المثال انظر مقال:
في الأزمة السودانية … ماذا فعل مؤتمر باريس؟ للدكتورة أماني الطويل في موقع عروبة 22)، ولكن لا نود الكلام عنه الآن، فإن تم الوفاء بالتعهدات فخير وبركة. وكذلك لا نود الحديث عن دوافع وأجندات الدول والمنظمات المشاركة بل سنقول ما نريده نحن السودانيين وما لا نريده.
(5)
بيان مجلس السلم والأمن الإفريقي (18/4/2024)
أصدر مجلس السلم والأمن الأفريقي بياناً بعد إحاطته عن الوضع في السودان جاء في مجمله إيجابياً. أهم الإيجابيات والمستجدات في البيان دعوة المجلس وتأكيده على أن حل النزاع يكون عبر (عملية سياسية شاملة وتمثيلية كاملة) والتأكيد على استراتيجية الإتحاد الأفريقي نحو (حوار سياسي شامل لجميع السودانيين) .
هذا مع الايجابيات الأخرى وهي التأكيد على:
1) احترام سيادة جمهورية السودان وسلامة أراضيه ووحدته الوطنية واستقلاله.
2) لا يوجد حل عسكري للأزمة الحالية وأن الحوار الشامل الذي يملكه ويقوده السودانيون هو وحده الذي سيؤدي إلى حل مستدام.
3) ضمان حماية الدولة السودانية ومؤسساتها وشعبها.
4) يجدد المجلس أيضاً نداءاته إلى الأطراف المتحاربة من أجل التنفيذ الكامل للاتفاقات التي تم التوصل إليها في إعلان جدة الصادر في 11 مايو 2023
5) يدين جميع أشكال التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للسودان، ويناشد، في هذا السياق، جميع الجهات الفاعلة التي تقدم حالياً الدعم العسكري للمتحاربين الامتناع عن زيادة تأجيج الصراع، والقيام بدلا من ذلك بدور أكثر إيجابية وبناءة في دعم السلام.
6) يشجع الفريق رفيع المستوى على مواصلة المشاورات مع جميع أصحاب المصلحة السودانيين الرئيسيين، وكذلك مع أصحاب المصلحة الإقليميين والدوليين، من أجل ضمان التنظيم الناجح للحوار الشامل لجميع السودانيين، بهدف إيجاد حل ودي وسلمي ومستدام للصراع في البلاد، وفي هذا الصدد، يحث جميع أصحاب المصلحة السودانيين والإقليميين والدوليين على دعم جهود الفريق رفيع المستوى
7) يشدد على أهمية تعزيز التنسيق والتكامل في جهود السلام من خلال التعاون بين الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية والدول المجاورة، ويؤكد من جديد الدور المركزي للاتحاد الأفريقي، من خلال الفريق رفيع المستوى والمبعوث الخاص للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية، بالتنسيق مع الجهود الإقليمية والدولية لإيجاد حل دائم للأزمة الحالية في السودان، بموجب خارطة طريق الاتحاد الأفريقي لحل الصراع في جمهورية السودان،
ويلاحظ هنا تقليص دور الايغاد ولعب الاتحاد الأفريقي بنفسه الدور الأكبر عبر آليته الجديدة (الفريق رفيع المستوى).
وسنتحدث في الحلقة القادمة إن شاء الله عن سمنار المجتمع المدني المصاحب لمؤتمر باريس وورش هلسنكي وسويسرا ومطلوبات عملية السلام نسأل الله التوفيق وأن يكشف الغمة عن البلاد والعباد ويحفظ السودان من كل شر وسوء بحق حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم.