رأي

الحكومة الانتقالية والمنظومة الوطنية

د. حسن عيسى الطالب

تناولت الأسافير خلال الأسابيع المنصرمة مقترحات متفاوتة، دفع بعضها بأسماء رشحتها لقيادة حكومة المهام الانتقالية المرتقبة، ومنهم والي ولاية الخرطوم أحمد عثمان حمزة، الذي يتمتع برصيد عملي جيد، ومشهود له بالعمل الجاد والمسئولية المهنية، وآخرون غيره من الكفاءات الوطنية التي يجري تداولها.

وحال التوافق على الإسم الأوفر حظاً، يمكن تعيينه بقرار من مجلس السيادة، لتشكيل حكومة مهام من وزراء من الخبراء والمختصين التكنوقراط، لإدارة مرحلة إعادة الإعمار والانتقال، ثم الإعداد للترتيبات الخاصة بالانتخابات.

بالطبع تحتاج الحكومة الانتقالية لتشكيل مجلس تشريعي، بالتوافق العام، لتعزيز المشاركة الشعبية العامة وعلى مستوى القواعد.

وكذلك يتعين تشكيل لجان إدارية قاعدية على مستوى كافة المحليات والولايات، للقيام بمهام التشريع والرقابة والشراكة الشعبية، وبسط الأمن الاجتماعي، ومهام الدفاع والاستنفار، للحفاظ على المكتسبات المتحققة، والوقوف ضد أية اختراقات أو مغامرات محتملة أو متوقعة من العملاء المتربصين وفلول مرتزقة الميليشيا المدحورين.

إن العالم كله يتجه حالياً لتعزيز القدرات الدفاعية للدول، أما في حالة السودان فيمكن تجنيد احتياطي قومي مستدام ومستنفرين شعبيين وتدريبهم وإدارتهم تحت إشراف القوات المسلحة، لحماية كل منطقة ومحلية وولاية، بالمقاومة الشعبية والاستنفار العام. إذ يتعين فهم الدروس المستفادة التي فرضتها الأحداث الدامية، والفوضى الإدارية، والتخريب المنهجي لمؤسسات الدولة ومرافقها الحيوية ومنذ 15 أبريل 2023 م.

كذلك يتعين أن تتشكل منظومة قومية شعبية للوحدة القومية والديمقراطية. ويمكن أن تضم كافة المجموعات ذات التوجهات الوطنية والإسلامية الرافضة لتشكيل الحكومة الموازية، ولمجابهة مخططات سلطة الهدم والضرار، التي دعت لها الميليشيا والدول التي تسيرها في نيروبي.

وينبغي أن تقوم المنظومة القومية المقترحة بالحشد الشعبي العام، داخليا وخارجيا، لدعم حكومة التكنوقراط المعينة، وإسناد القوات المسلحة، وحماية ظهرها، والدفاع عن كيان الدولة والمرافق العامة، ودعم جهود التأمين الشامل ريثما يتم التطهير الكامل للبلاد.

فضلا عن ذلك يتعين أن يتم تشكيل مجالس استشارية من الخبراء المختصين لدى مجلس السيادة، وعلى مستوى كافة الولايات، وفي كل وزارة إتحادية، لدعم القرار، وتوسيع نطاق التشاور الفني والسياسي، وذلك بالنظرا لغياب برلمان للرقابة والتشريع في ظل الظروف الماثلة.

فبحلول أبريل القادم تمضي على السودان ست سنوات بدون برلمان، ولا مجالس تشريعية ولائية، ولا رقابة ولا تمثيل شعبي على أي مستوى.

وهذا أمر شاذ وغريب، ويكرس للفساد والإقصاء والفوضى الإدارية والتخبط في اتخاذ القرار، وهو من مظاهر وأعراض الدولة الفاشلة، ويستحق شعب السودان أفضل من هذا.

لذا يتعين التعامل مع هذا الواقع المفروض بموضوعية وجدِّية لتحقيق أكبر قدر من التشاور والرضى الشعبي العام.

فلا مجال للتردد ولا التقاعس في قيادة الدولة، والإدارة الراشدة، والعزم الواثق، واتخاذ القرار المناسب والصائب، وفي الوقت المناسب.

فالدول لا تعمل ولا تعيش ولا تنتعش في فراغ. وفي حال استشعار أو حدوث ذلك فإن من يتربص بها يتحين أوانه للإنقضاض عليها وزوالها.

يتعين الآن على كل السودانيين تناسي الأحقاد والمطاعنات والملاسنات الشخصية والحزبية التليدة والطارفة.

ويتوجب عليهم تشكيل منظومة جامعة للوحدة والديمقراطية وتعزيز السيادة الوطنية بحيث تشمل كافة المكونات الاجتماعية والسياسية والأهلية المؤيدة لوحدة الدولة وإسناد الجيش الوطني الدستوري، للوقوف ضد مخططات الضرار الناشزة، الرامية لإرصاد أعداء السودان وإلغاء حكم الشريعة والإسلام، وتفريق المواطنين بدعاوى العرقية والعصبية القبلية البغيضة، والتماهي الماكر المتآمر مع الإستعمار الجديد.

يجب أن يتشكل هذا التيار الوطني العريض بأعجل ما يتيسر وليضم كل المجاميع الإسلامية، وحزب الأمة القومي، والإتحادي الديمقراطي الأصل، والكتلة الديمقراطية، وكافة أهل الشرق والشمال والغرب والجنوب والوسط، للوقوف مع ومساندة الجيش الوطني الدستوري، ودعم الحكومة الانتقالية، التي ينبغي أن تشكل فورا و دونما تقاعس ولا تردد ولا جرجرة.

السودان مهدد في كيانه وبقائه كدولة واحدة اليوم أكثر من أي وقت مضى، فلا يجوز الانتظار ولا التفرج.

هذه مسئولية الرئيس البرهان الحصرية أمام الله والوطن والشعب والتاريخ، ولا مناص من تحملها مهما ثقلت، وعليه أن يكون أهلًا لها وهو من أحق الناس بها إن أراد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى