الدبلوماسية الشعبية المُقاوِمة (1-2)

د. أحمد عبد الباقي
المقاومة في المفهوم الإنساني يُقصد بها المعارضة ورفض الخضوع لإرادة الغير، وهي ردة فعل مجتمعية واعية، ضد واقع مرفوض، أو غير مشروع، أو لمواجهة استبداد، أو استعباد أو ظلم أو تمييز أو احتلال أو عدوان… الخ وبهذا المعني هي حق مشروع كفلته الديانات السماوية، والقوانين الدولية والأعراف الإنسانية، وللمقاومة في المفهوم الإنساني ضوابطها وروابطها الإنسانية وثقافتها وأخلاقها، ويذخر التاريخ الإنساني بضروب شتى من المقاومة التي يتفاعل معها المجتمع، وترتبط مقدرة المقاومة على تحقيق أهدافها بدرجة احتضان ودعم المجتمع لها وإدراكه للتحديات التي تواجهها ورؤيته المتماسكة حولها مع وجود بنية تنظيمية راسخة تحت قيادة واعية مؤمنة بقوة الفِكرة المُقاوِمة وعدالتها.
تمشيا مع مفهومها الإنساني، فإن أدوات وآليات المقاومة ضد الاستبداد، أو الاستعباد أو الظلم أو التمييز أو العدوان أو الاحتلال إلخ… تفاوتت ما بين الوسائل السلمية وغير السلمية، وتنتهج المقاومة غير السلمية -حسب أهدافها- الأساليب العنيفة التي تصل ذروتها إلى القتال والعمل العسكري بضروبه المختلفة، بينما تنتهج المقاومة السلمية مناحيٍ مشتى غير الأعمال المسلحة أو العنيفة مثل الدبلوماسية الشعبية والدبلوماسية الرسمية، العمل الإعلامي والسياسي إلخ…..
نفرد هذه المشاركة للحديث عن دور الدبلوماسية الشعبية في المقاومة (الدبلوماسية الشعبية المُقاومة) مع إمكانية استفادة السودان من ذلك بتبصير الرأي العام العالمي بجرائم التمرد وفضحها.
*الدبلوماسية الشعبية ودورها في المقاومة*
الدبلوماسيّة الشعبيّة-كما عرفتها الموسوعة السياسية، بأنها: “دور الصحافة ووسائل الإعلام الأخرى في العلاقات الدوليّة وهي زراعة لبذور الرأي العام، وتفاعل المجاميع الخاصة والمنظمات غير الحكوميّة واهتماماتها في بلد ما مع نظيرتها في بلد آخر، وتأثير تلك العمليات على تشكيل السياسة وإدارة العلاقات الخارجيّة “. يُقصد بهذا التعريف أنّ الغرض الأساسي للدبلوماسية الشعبية هو التأثير على الرأي العام العالمي انطلاقًا من مختلف الفواعل مثل الفعاليات الثقافية، المهرجانات الرياضية، النشاطات الأكاديمية وأهم تلك الفواعل على الإطلاق هي وسائل الإعلام بشقيها التقليدي والحديث لتحقيق الأهداف المرجوة. يتبيّن من هذا التعريف بأن هدف الدبلوماسيّة الشعبيّة هو التأثير على الرأى العام للشعوب الأجنبيّة المُستهدَفة وخلق قنوات للتواصل معها لخدمة مصالح البلد المُستهدِف.
تتميز الدبلوماسية الشعبية بالمرونة وسهولة التواصل مقارنة بالدبلوماسية الرسمية أو التقليدية التي تحدها قوانين بلد التمثيل واتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، ألأمر الذي يوفر سانحة للأولي للاضطلاع بدور فاعل في التأثير على الرأي العام في دول المهجر وما جاورها لتوضيح القضايا التي توثر سالبا على بلدان الجاليات المهاجرة أو دعم السياسة الخارجية لدول تلك الجاليات على نحو يحقق مصالحها القومية.
لتصبح الدبلوماسية الشعبية أكثرا تأثيرا حسب الأهداف المطلوبة أياً كانت أشكالها بما في ذلك استخدامها في المقاومة السلمية لابد لها من تطويع آليات مرنة وغير مكلفة ماليا وفاعلة في ذات الوقت، وأري من أنجع هذه الآليات هو تطويع أدوات “القوة الناعمة” لتخدم أغراض المقاومة السلمية. فما هي “القوة الناعمة”؟ عرف المفكر والأكاديمي الأمريكي Nye Joseph -في كتابة حتمية القيادة: الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية
(Bound to Lead: Changing Nature of American Power)-
القوة الناعمة بأنها قدرة التأثير وجذب الآخرين بالإقناع وليس الإكراه إلى المسار الذي يخدم مصالح الدولة وكيانها للحصول على النتائج المرجوة من السياسة الخارجية لتلك الدولة/الدول (الدولة/الدول المُستهدِفة)، والقوّة الناعمة هنا نقيض للقوّة الصلبة التي يُستخدم فيها الإكراه والتهديد بالقوّة العسكريّة واستخدامها أو فرض العقوبات الاقتصادية أو السياسية، وعلى ذات نهج القوة الناعمة فإن بعض الأدبيات في السياسية الدولية بدأت تتحدث عما أسمته “المُقاوَمة الناعمة” التي تتخذ وسائل مؤثرة جاذبة للآخرين بالإقناع وليس بالإكراه على نحو يخدم أهداف المقاومة في التصدي للاستبداد والاعتداء والظلم وبل حتى الحرب وذلك بالتركيز على التأثير على الرأي العام العالمي.
يتواصل….