رأي

الراحل عبد الكريم قباني صانع الرؤية بالأذن

د. نجلاء المكابرابي

خيم اليوم الحزن الدفين على مدينة الجمال والشعر،أم درمان، وهي تواري الثري على ابنها البار عبد الكريم محمد أحمد عثمان قباني، وتكتب تاريخ رحيله (الأحد 25 مايو 2025)، بدموع ووجع الفقد الكبير ، وترثيه وترثي معه إبداعاً وصوتاً فخيماً ورصيناً تستفيق به الأرواح المتعبة وتتجدد به الطاقات الإيجابية، لاسيما عندما تسمع صوته وهو يصف النبي الأمين محمد صلى الله عليه وسلم ويصدح بالأذكار والتسبيح.

 

وعبد الكريم قباني رجل ذو نهج صوفي، عمل بالإذاعة السودانية منذ سبعينيات القرن الماضي.. تلك الإذاعة التي قربت المسافات ووحدت الوجدان، وخلال عمله فيها زامل كلاً من الإعلامي القدير محمد خوجلي صالحين وعمر الجزلي وليلى المغربي ونجاة كبيدة ومحاسن سيف الدين، وصلاح الدين الفاضل وعلم الدين حامد، ومحمد الكبير الكتبي والطيب قسم السيد وغيرهم من النجوم الساطعة الذين حققوا الرؤية عبر الأذن والعشق والمحبة للسامعين من خلال الاثير والاستماع، فكانت الإذاعة هي إحدى المؤسسات التربوية والقيمية التي تدخل دون استئذان البيوت والغرف وقبلها الأفئدة والقلوب.

 

وبرحيل عبد الكريم قباني نفتقد الأنس والاستمتاع بالبرامج ونتوق لآسر الحديث والحكايات الجميلة وللتقارير القوية من قناة أمدرمان التي تفضلت عليَّ بلقاء القامات من مبدعي بلادي من خلال عملي مع الأستاذ حسين خوجلي متعه الله بالصحة والعافية، فهو صاحب الفضل عليّ بالولوج الإعلامي ومعه المرحوم الأستاذ عصام الصائغ والأستاذ عمر سعيد والأستاذ منير عبد الوهاب والصوت الذي لايتخطاه الزمان والمكان وصوت الأمة السودانية الراحل عبد الكريم محمد أحمد قباني وغيرهم ممن صنعوا الإبداع عبر القنوات الفضائية والاذاعات العربية والسودانية.

 

واليوم نعزي أنفسنا وقبيلة الاعلام وكل السودان بفقد الإبداع والصوت الملائكي والمدهش، حينما تسمعه في تقدمة (أمة عريقة تختال بالأشعار والموسيقى) ، ويقول فيها : خرجوا كالحجارة الكريمة من أصداف الاستعمار العنيد شعوباً وزعامات، وفتح حقُ تقرير المصير الدرب الموشى بعواصم جديدة ومناضلين جدد وقيادات حدقوا صوب معركة الشعوب الحقيقة في أمل الانعتاق والحرية والتنمية فتأبوا علي مشاريع المحاور والأحلاف رفضاُ رصيناً للمعسكرين الشرقي والغربي ، وقامت آمال كتلة عدم الانحياز الآملة والحالمة بقيادة ناصر وتيتو وكنياتا والأزهري ونهرو، وبقية العقد الفريد..

ويأتي بعده صوت كابلي ليكمل لوحة الإبداع السوداني فينشد:

 

عندما أعزف يا قلبي الأناشيد القديمة

ويطل الفجر علي أجنحة غيمة

سأغني آخر المقطع للأرض الحميمة

لظلال الزرق في غابات كينيا والملايو

 

وكنا نسترق السمع في استديوهات قناة الحرية والجمال الفضائية (أم درمان) لتصابحنا الدهشة والانسياق إلى البعيد حتى اليوم ونحن نبكيه دمعاً سخياً.

رحماك ياربي بعبدك عبد الكريم قباني، الكريم خصلة ومقاماً، ونسألك أن تجعله في أعلى جنات الخلد مقاماً ياااارب

وشكراً أستاذي حسين خوجلي وأنت تعرفنا بالإبداع عملاً وقامات لا يتخطاها التاريخ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى