تقارير

السودان في قلب نشاط دبلوماسي مكثف بين الأمريكيين والإماراتيين .. ماذا هناك ؟

المحقق – محمد عثمان آدم
تكاثفت لقاءت المسؤولين الإماراتيين مع مسئولي وزارة الخارجية الامريكية خلال الأسابيع المنصرمة، وأعقب كل منها تصريح مقتضب يختتم بعبارة مفادها أن المسؤولين في البلدين “تناولوا الوضع في السودان”، وإن كانت الاجتماعات – وفق التصريحات المقتضبة – مخصصة أصلا لمتابعة نتائج زيارة الرئيس الأمريكي ترمب إلى الشرق الأوسط، مع ملاحظة أنه لم يسبق أن ذُكر أن تلك الزيارة تناولت الوضع في السودان، لكن تبين أن للسودان وجود طاغ فيما بعد.
ومناقشة زيارة ترمب للشرق الأوسط وخاصة للإمارات لا يمكن إلا أن تكون متابعة لتنفيذ ما تم الإعلان عنه والاتفاق عليه إبان الزيارة، وأهم ما فيها من صفقات سلاح بأرقام مليارية خرج ترمب بها مفاخراً وخرجت الإمارات بها وقد أمنت دعم الإدارة الامريكية لها، وهنا يبرز وجود السودان وتداخله في الزيارة ومخرجاتها، فقد أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية حينها عن صفقة بيع محتمل لطائرات هليكوبتر وقطع غيار طائرات F-16 إلى الإمارات العربية المتحدة بقيمة  1.4 مليار دولار، قبل أيام من زيارة الرئيس ترامب للإمارات. وقالت وزارة الخارجية إن البيع المقترح، الذي تمت الموافقة عليه وإخطار الكونغرس به، يشمل 1.32 مليار دولار لطائرات CH-47 F شينوك و130 مليون دولار لقطع الغيار والدعم لطائرات F-16.
لكن أعضاء من الكونغرس أعلنوا أنهم سيضعون تشريعاً مُعطلاً للصفقة الإماراتية – الأمريكية المليارية أمام الكونغرس ما لم تثبت إدارة ترمب بشكل قاطع أن الامارات أوقفت توريد الأسلحة والدعم الحربي للمتمردين في السودان، الذين يرتكبون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأنها تلتزم بعدم الخوض في الأمر مستقبلاً، وهذا مبتدأً يعني إثبات الواقعة – وإن شئت أسميتها اتهاماً – والتعهد بعدم تكراره كأن تقول لرجل “تتعهد بعدم العودة إلى ضرب أم أولادك ؟؟” أي أنك أثبت عليه الجرم أولاً. ذلك أنه لم يخرج ولا مسؤول أمريكي واحد – بمن في ذلك رئيس إدارة أفريقيا بالخارجية الأمريكية – ينفي أن الإمارات تزود المليشيا بالسلاح والذي استخدم في تقتيل المدنيين في العاصمة والولايات السودانية ودارفور وكردفان وأنه يستخدم الآن في محاصرة وتقتيل المدنيين في مدن الفاشر بدارفور وفي النهود في غرب كردفان.
ماهي القضية وماهي الأسلحة وما موقف ترمب والكونغرس؟
واقع الأمر أن موقع “جست سكيورتي- لأجل الأمن فقط” وهو موقع مرموق تقوم عليه جامعة نيو يورك – مركز  رايس القانوني ، نشر مقالاً ضافياً حول ما أسميه “عضمة الحوت في الحلق” الذي يمثله السودان للإمارات في هذه الصفقة !!
وتلخيص المقال الجامعي أنه في شهر مايو المنصرم سعى الرئيس دونالد ترامب، رغم معارضة الكونغرس، لتمرير مبيعات أسلحة كبيرة إلى الإمارات العربية المتحدة قبل زيارته هناك. وقد اعترض بعض المشرعين على مبيعات الأسلحة إلى الإمارات “بسبب الأدلة الواسعة التي تشير إلى أنها قدمت أسلحة لقوات الدعم السريع السودانية، التي تم اتهامها بارتكاب جرائم فظيعة”.
لذلك تقول المجلة “قدم المشرعون في الغرفتين – الشيوخ والنواب – مشاريع قرارات مشتركة بالرفض ولمنع المبيعات، تمهيداً للتصويت في الأسابيع المقبلة.”
ويوكد الموقع الجامعي أن في إمكان المشرعين استخدام النفوذ الأمريكي للضغط على الإمارات لوقف إلحاق الضرر المدمر بالمدنيين السودانيين وأنه وجب عليهم استغلاله. لكن تسليح الإمارات لقوات الدعم السريع ، ظل مستمراً، على الرغم من حظر نقل الأسلحة إلى الجهات غير الحكومية في دارفور، وقد وسع مجلس الأمن نطاق الحظر في عام 2005 وعززه مجددًا في عام 2010.
 ويُنفذ هذا الحظر بموجب السلطات الممنوحة للمجلس بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ملزم قانونيًا للدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وقد قام مجلس الأمن مؤخرًا بتمديد الحظر في سبتمبر 2024، ومن المقرر أن تنتهي صلاحيته في سبتمبر 2025.
توثيق الخروقات الممهدة لموقف الكونجرس
وثقت منظمات حقوق الإنسان والصحفيون انتهاكات واسعة النطاق للقانون الإنساني الدولي التي قامت بها قوات الدعم السريع. ففي يناير 2024، وجدت لجنة خبراء تابعة للأمم المتحدة أن الهجوم الذي شنته قوات الدعم السريع في غرب دارفور شمل “انتهاكات منهجية للقانون الإنساني الدولي” واستهدف قبيلة المساليت، مما يعكس الفظائع التي ارتكبتها الجنجويد ضد هذه المجموعة العرقية غير العربية من 2003 إلى 2005.
كما خلصت “هيومن رايتس ووتش” في مايو 2024 إلى أن هجمات قوات الدعم السريع على مدنيي المساليت ترقى إلى مستوى التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية.
وفي يناير 2025، خلصت وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن أعضاء قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها قد “ارتكبوا إبادة جماعية في السودان”. وجدت تقارير هيومن رايتس ووتش أن قوات الدعم السريع “قتلت وجرحت واحتجزت بشكل غير قانوني عشرات المدنيين واغتصبت النساء والفتيات” أثناء الهجمات وارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية واسعة النطاق.
و أفادت منظمة العفو الدولية بأن قوات الدعم السريع “ألحقت عنفاً جنسياُ واسع النطاق بالنساء والفتيات طوال الحرب الأهلية في السودان المستمرة منذ عامين.
قرع الطبول  
يشير قرع الطبول المستمر من التحقيقات المستقلة إلى أن الإمارات زودت قوات الدعم السريع بالأسلحة. ابتداءً من يناير 2024، كتب الفريق الأممي المكلف بمراقبة الامتثال لحظر الأسلحة في دارفور أنه حدد طريق إمداد لقوات الدعم السريع يمتد من مطار أبو ظبي الدولي إلى شرق تشاد قبل أن يدخل غرب السودان.
وتوصلت تحقيقات أجرتها صحيفة نيويورك تايمز في سبتمبر 2024 إلى أن الإمارات كانت سرًا “توسع حملتها السرية لدعم الدعم السريع في السودان، وترسل الأموال والأسلحة سرا، والآن، الطائرات المسيرة القوية.”
وفي نوفمبر 2024، حدد تحقيق أجرته منظمة العفو الدولية أن قوات الدعم السريع استخدمت مركبات مدرعة مصنعة في الإمارات تحتوي على تكنولوجيا فرنسية. وفي يناير 2025، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على سبع شركات إماراتية متورطة في تقديم الأسلحة والدعم المالي لقوات الدعم السريع. وفي أبريل، أفادت قناة فرانس 24 أن قذائف هاون بلغارية تم تصديرها إلى الإمارات وجدت طريقها إلى قافلة إمدادات لقوات الدعم السريع.
وفي مايو، نشرت منظمة العفو الدولية تقريرًا خلص إلى أن القنابل الموجهة الصينية GB50A ومدافع هاوتزر عيار 155 ملم AH-4 التي تستخدمها قوات الدعم السريع كانت “على الأرجح قد أعيد تصديرها إلى السودان من قبل الإمارات العربية المتحدة”. وطبعا انكرت الحكومة الإماراتية باستمرار هذه الاتهامات.
 ماذا كان رد الكونغرس ؟
 في رد الكونغرس على الحرب في السودان، وبالتحديد بخصوص سلوك قوات الدعم السريع، تعاون أعضاء الكونغرس لإيقاف مبيعات الأسلحة الكبرى إلى الإمارات العربية المتحدة. كانت الإمارات المشترى الاكبر للأسلحة الأمريكية في السنوات الأخيرة.
 تغطي آخر صفقة أسلحة كبرى إلى الإمارات، التي تم تقديمها في عام 2024، 1.2 مليار دولار من أنظمة إطلاق الصواريخ متعددة الإطلاق الموجهة وأنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش. وشملت مبيعات أخرى في السنوات الأخيرة معدات المراقبة الجوية، والطائرات المسيّرة، وصواريخ جو-جو، وذخائر جو-أرض.
 اعتبارًا من يناير 2025، تمتلك الولايات المتحدة “29.3 مليار دولار من حالات مبيعات الحكومة النشطة مع الإمارات تحت نظام مبيعات الأسلحة الخارجية (FMS).”
وبموجب قانون الرقابة على صادرات الأسلحة، يجب إبلاغ لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بالمبيعات الرئيسية المقترحة قبل أن يمكن المضي قدمًا فيها.
 ما المدخل الذي سيستغله الكونجرس للتدخل؟
خارج قانون الرقابة على صادرات الأسلحة، طور الكونجرس والسلطة التنفيذية عملية غير رسمية تتيح لرئيس أو عضو بارز في أي من اللجنتين وضع تعليق على بيع مقترح قبل الإخطار غير الرسمي، مما يتيح الوقت لمعالجة المخاوف.
  استخدم الممثل غريغوري ميكس سلطته كعضو بارز في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب لوضع تعليق مستمر على أي مبيعات أسلحة رئيسية اقترحتها إدارة ترامب لدولة الإمارات. ومع ذلك، قامت إدارة ترامب بتجاوز قرار ميكس، في انحراف عن معايير الإشراف الراسخة، مما دفعها للموافقة على بيع طائرات شينوك المروحية ومعدات ذات صلة بقيمة 1.3 مليار دولار، وأشكال مختلفة من الدعم لأسطول الإمارات من طائرات AH-64 أباتشي، UH-60 بلاك هوك، وطائرات CH-47 شينوك بقيمة 150 مليون دولار، بالإضافة إلى حزمة دعم لطائرات F-16 بقيمة 130 مليون دولار.
حينها قال ميكس: “هذا القرار ينتهك سنوات من الممارسات الراسخة ويمس بالدور الدستوري للكونغرس في الإشراف على نقل الأسلحة.” ويعد هذا تجاوزًا ثانيًا للإدارة هذا العام، بعد أن تجاهل وزير الخارجية روبيو قرار الحجز الذي فرضه ميكس لبيع قنابل تزن 1000 رطل وجرافات لإسرائيل في فبراير.
والآن من المتوقع أن يدخل الطرفان الأمريكيان التشريعي والتنفيذي في مواجهة مالم يصلا إلى اتفاق أو أن تقر الإمارات بالخطأ وتعد بعدم تكراره وتجنب إدارة ترمب الحرج، وهذا ما  قد يكون السبب الرئيسي وراء هذه الاجتماعات المتلاحقة
وآخرها ما أعلنته (الثلاثاء) الخارجية الأمريكية التي قالت إن وزير الخارجية ماركو ربيو استقبل أمس نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وناقش معه القضايا الإقليمية بما في ذلك “الوضع في سوريا والسودان”
وأشارت الناطقة باسم الخارجية الأمريكية تامي بروس أن ربيو والشيخ عبد الله ناقشا أيضاً زيارة الرئيس ترامب التاريخية وأهمية الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والإمارات لتعزيز الأمن والازدهار في المنطقة !!
وقالت بروس إن روبيو شكر الوزير الإماراتي على تقديم الإمارات للمساعدات الإنسانية وأنه تم في الاجتماع “مناقشة قضايا إقليمية أخرى، بما في ذلك سوريا والسودان.”
وأتى هذا الاجتماع بعد يومين فقط من استقبال الخارجية الأمريكية مسؤولة إماراتية قبيل تهديد الكونغرس بتعطيل صفقة سلاح بسبب السودان ، فقد قالت الخارجية الأمريكية إن نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو استقبل مساعدة وزير الخارجية الإماراتي لانا نسيبة في وزارة الخارجية (الأثنين) حيث ناقش الطرفان الأمن، والاستقرار، والازدهار في الشرق الأوسط، “بالإضافة إلى سبل إنهاء النزاع في السودان”.
وأضافت الخارجية الأمريكية في بيان مقتضب أن الجانبين أشادا بزيارة الرئيس الأمريكي ترامب التاريخية للشرق الأوسط كمحطة مهمة في العلاقة الثنائية بشأن التجارة، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا، والطاقة.
هل يكون حفتر هو البديل؟
 الذي لا شك فيه أن الاستثمار الإماراتي في مليشيا الدعم السريع ضخم جداً وقد أضحى مكلف سياسياً وأخلاقياً لذلك لا يتوقع المرء أن تقدم الإمارات تنازلاً مباشراً أو أن ترفع يدها عنه، ما لم تجد بديلاً وطريقة أخرى تدخل بها – بالساحق والماحق على المدنيين في السودان – فإذا ذهب حميدتي خرج علينا حفتر . ومن غير المستبعد في ضوء ذلك أن يكون الهجوم على المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا، والذي تزامن مع اقتراب المواجهة بين الإدارة والكونغرس هو أحد البدائل التي أعدتها الإمارات لرفع الحرج عنها، والقول أن الطرف الذي تأتي عن طريقه الأسلحة للدعم السريع ليس هو الإمارات  !!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى