العلاقات السودانية الأمريكية قبل إنقلاب عبود: “المحقق” تنشر محضر أول إجتماع لرئيس الوزراء عبد الله خليل مع نائب الرئيس الأمريكي
الحلقة (1)
ترجمة وتعليق:
عبدالرحمن عبدالله سيد أحمد
مدخل:
نبدأ إستعراض المحضر الرسمي لأول إجتماع على مستوى القمة بين القيادتين السودانية والأمريكية. ترأس الجانب السوداني رئيس الوزراء عبدالله خليل، بينما ترأس الجانب الأمريكي نائب الرئيس ريتشارد نيكسون.
ملاحظات المترجم:
١. الخلفية القانونية لوزير الخارجية محمد أحمد المحجوب كانت حاضرة في الحوار، فالرجل حاول أن يلتزم الحياد الإيجابي في الحرب الباردة، لكن الخلفية العسكرية لرئيس الوزراء عبدالله خليل حسمت الأمر و رفضت المنطقة الوسطى.
٢. يعتبر مؤشر الصرف على التسليح والأمن من المؤشرات الحديثة التي اعتمدتها الأمم المتحدة و المؤسسات الدولية لقياس الدول الناجحة. فكلما قلت نسبة الصرف كلما نظر للدولة على أنها دولة رشيدة. من المدهش كيف أن السودان تنبه لهذا الأمر في وقت مبكر، متجاوزاً الكثير من دول العالم.
٣. يبدو أن محاولات تسويق الصمغ العربي في أمريكا بدأت مبكراً جداً، ومن المؤسف أننا بعد مضي أكثر من ستة عقود على الإستقلال مازلنا في نفس المربع الأول.
٤. من الواضح أن الآباء المؤسسين للاستقلال كانوا على درجة عالية من الوعي والإدراك والجرأة. ففي سعيهم نحو فتح و تنويع أسواق للقطن السوداني، فكروا في غزو السوق الأمريكي، وهذا نضج مبكر لم يكن متوفراً لرصفائهم من قادة دول المنطقة.
٥. أكثر ما أدهشني هو التحول الكبير في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه أصدقائها العرب. فبعد أن كانت حريصة على التنمية المستدامة في هذه الدول إبان الحرب الباردة (لمنع التغلغل السوفيتي)، تغير الأمر تماماً بعد مجيء ريغان ودعمه لسياسات ال Neoliberalism أو ما يعرف ب “مدرسة شيكاغو”. حيث دمرت هذه السياسات اقتصادات الدول النامية ابتداء من شيلي والعراق.
ترجمة النص:
المكان: الخرطوم، السودان
الزمان: ١٧ مارس ١٩٥٧
الحضور
من الجانب السوداني:
السيد عبدالله خليل رئيس الوزراء
السيد محمد أحمد المحجوب وزير الخارجية
من الجانب الأمريكي
ريتشارد نيكسون نائب الرئيس الأمريكي
السفير الأمريكي في الخرطوم
نائب مساعد وزير الخارجيه الأمريكي لشؤون أفريقيا
١. موقف حكومة السودان من برنامج آيزنهاور
أوضح وزير الخارجية السوداني أن حكومته تدرس بعناية برنامج آيزنهاور ، وأنها تتطلع إلى المزيد من التوضيح و الشرح. هنا تدخل رئيس الوزراء مشيراً إلى تفهم الحكومة السودانية للخط العام للبرنامج وأنها لا تعارضه. لكن وزير الخارجية تدخل مجدداً ليؤكد أن الحكومة السودانية لم تتخذ قراراً نهائياً بعد بخصوص قبول العرض الأمريكي.
أضاف وزير الخارجية أنه يرى (وبصورة شخصية) أن البرنامج كان يمكن أن يكون مفهوماً ومقبولاً بشكل أفضل في الشرق الأوسط إذا تم تخصيصه لدفع العدوان و الظلم الناشيء بين الأمم بدلاً من توجيهه ليكون أداة لمكافحة المد الشيوعي. هنا تدخل رئيس الوزراء مجدداً ليؤكد على اختلافه مع وزير خارجيته. وأشار إلى أنه هو وحكومته اتخذوا قراراً حازماً بضرورة مكافحة الشيوعية “من الأفضل أن نكون صريحين بشأن هذه الأمور وأن نحدد الطبيعة الحقيقية للتهديد الشيوعي”. لكن وزير الخارجية تدخل مرة أخرى مشيراً إلى أنه كان يتحدث من وجهة نظر شخصية، وأنه حاول تقديم تصوره حول كيفية إنجاح و زيادة فاعلية المشروع وإعطائه زخماً أكبر.
أوضح نائب الرئيس الأمريكي أن هناك جانبين رئيسيين لبرنامج آيزنهاور. الأول هو تقديم ضمانات الحماية لدول الشرق الأوسط ضد أي عدوان شيوعي قد يطال المنطقة (غالباً يقصد دول الخليج). والثاني هو دعم هذه الدول من خلال المساعدات الإقتصادية والتنموية من أجل تقليل إعتمادها و تواصلها مع المنظومة الشيوعيه. فالهدف النهائي هو تمكين دول المنطقة من الحفاظ على استقلالها. بطبيعة الحال ، نحن لسنا جمعية خيرية، ولا ننفي وجود بعض الفوائد التي سنجنيها. الولايات المتحدة تعتقد أن أفضل طريقة للتفوق على الكتلة الشيوعية هي مساعدة البلدان النامية في الحفاظ على استقلالها.
٢. المساعدات العسكرية
ذكر نيكسون أنه في زياراته لدول المنطقة تلقى طلبات مستعجلة وعاجلة للدعم والمساعدات العسكرية. لكنه لاحظ أن المسؤولين السودانيين لم يتطرقوا للمساعدات العسكرية، وسأل عما إذا كان هذا يعكس قناعة من جانب حكومة الخرطوم بأن التنمية الإقتصادية يجب أن تكون لها الأولوية على بناء القدرات العسكرية. أكد رئيس الوزراء على صحة تحليل نائب الرئيس، وأضاف إن بلاده تحتفظ بعلاقات متميزة مع كافة الجيران، لذا فهي لا تشعر بأي نوع من التهديد. “لكننا في الوقت المناسب ، قد نرغب في توسيع وتحسين قواتنا المسلحة. وحينئذ سنقوم بذلك اعتماداً على مواردنا الخاصة. أما في الوقت الراهن فنحن حريصون على تطوير البلاد اقتصادياً وتنموياً، لاشك أن هذا سينعكس إيجاباً على المؤسسة العسكرية مستقبلا”.
هنا أبدى نكسون سعادته بهذا الفهم المتقدم لأهمية التنمية و أن هذه الرؤية تعكس مقدار الوعي الذي تتمتع به حكومة السودان.
٣. التجارة الخارجية.
ذكر وزير الخارجية بأن السودان أكثر حرصاً على توسيع تجارته مع الولايات المتحدة. وأضاف قائلا “في الوقت الحالي، لا يتجاوز التبادل التجاري بيننا بضعة آلاف من الدولارات هي حصيلة تصدير الصمغ العربي والجلود الكبيرة والصغيرة؛ إضافة لعمليات البعثة الدبلوماسية الأمريكية في الخرطوم”. وأعرب عن أمله في توسيع مبيعات القطن السوداني في الولايات المتحدة “قطننا هو من النوع طويل التيلة، وبالتالي فهو لا يعد منافساً بشكل كامل للقطن الأمريكي قصير التيلة. لقد خسرنا في الفترة الماضية جزءاً من السوق الهندي نتيجة لبيع فائض القطن الأمريكي. وقد أخطرنا الحكومة الهندية أنها ما لم تستأنف عمليات الإستيراد للقطن السوداني، فإننا سوف نضطر إلى خفض وارداتنا من الأغطية الرمادية الهندية”.
مضى وزير الخارجية بالقول إن أسواق القطن الخارجية في السودان مطمئنة بشكل عام بسبب الوضع السياسي في الشرق الأوسط. من المرجح أن كلا من فرنسا وبريطانيا ستأخذ القليل من القطن المصري مقارنة بالماضي وأن السودان سيكون قادراً على بيع المزيد لهذين البلدين. غير أن هذا حل مؤقت، وأن السودان حريص على فتح مزيد من الأسواق.
رحب نائب الرئيس الأمريكي بالفكرة واقترح أن تنظر الحكومة السودانية في إمكانية الولوج إلى السوق الأمريكي عبر البيع المباشر للشركات الأمريكية. وأشار إلى أن لدينا اقتصاد حر ومفتوح، وأن السودان سيتعين عليه المضي قدما عبر القنوات التجارية العادية وليس عبر البوابة الحكومية.
فيما يتعلق ببرامج التخلص من الفائض والذي أثر على سوق القطن في الهند، فإن رغبتنا الأكيدة هي تجنب اضطراب الأسواق، وهذا ما سنسعى لتحقيقه لضمان عدم الإضرار بمصالح أصدقائنا المنتجين (مثل السودان).
نواصل