رأي

القائم بالأعمال الأمريكي ومسار العلاقات الثنائية

د. حسن عيسى الطالب

الخبرات التراكمية التي تتصدر الصحيفة الذاتية والمهنية للدبلوماسي الأمريكي المرشح للسودان هي مكافحة الإرهاب والبحوث ذات العلاقة وملف الاستخبارات، وخاصة في ملف القدس (إسرائيل). هذه هي الفصول الهادية في سفر المهام التي يتعين أن يطلع بها هذا الدبلوماسي الأمريكي الجديد لدى السودان – السفير دانيال روبنشتاين- لفترة ما بعد حمدوك، التي رعتها أمريكا وخططت لها منذ بدايات تشكيل الحكومة الانتقالية في أغسطس ٢٠١٩م وحتى استقالة د حمدوك في يناير ٢٠٢٢م.
وقد عمل السفير دانيال في القاهرة وتونس والأردن والقدس، وترأس الوفد الأمريكي في محادثات جدة الأخيرة بين الجيش الوطني ووفد التمرد.
وقد تعاملت أمريكا مع السودان إبان فترة حكومة حمدوك الانتقالية باهتمام ملحوظ، عبر وكلائها وعملائها المحليين والإقليميين، فأرسلت مديرة وكالة المعونة الأمريكية USAID سمانتا باور، التي أعلنت منح حكومة حمدوك ٥٣ مليون دولار للتحول الديمقراطي ولتشكيل لجنة الانتخابات والعون الإنساني.
بيد أنه بعد تداعيات أكتوبر ٢٠٢١م التي فرضتها نذر تلاشي الدولة السودانية، والفشل الإداري والاقتصادي، وتهديد وانفلات الأمن والسلم الإجتماعي، فحتم على قيادة الجيش فض الشراكة التشاكسية مع ما يسمى ‘بالمدنيين’ والتي بنيت على قسمة ضيزى، بين العسكر والناشطين السياسيين من حاضنة حمدوك فلم يستفت فيها شعب السودان، ولم يكن لها مجلس استشاري ولا برلمان، ولم تنل رضى معظم أهل السودان. فردت الحكومة الأمريكية، وبعد ثبوت فشل مخطط التمرد لاستلام السلطة بالقوة المسلحة، عبر الفصيل المتمرد على الجيش بقيادة الفريق حميدتي، في ١٥ أبريل ٢٠٢٣م وبعد زهاء عام من الاحتراب، ردت إدارة بايدن بسحب سفيرها السابق قودفري من المشهد، وإعلان سدل الستار على الفصل الأول من سيناريو السودان، واتاحة فرصة للمختصين للتفاكر بشأن ابتدار مسار جديد لمرحلة ما بعد التمرد المسلح وواقع المقاومةالشعبيةالمسلحة التي فرضت نفسها في الساحة والتأييد الشعبي لدور الجيشالوطني في حسم التمرد.
فاعتماد رئيس البعثة الجديد، السفير دانيال روبنشتاين، بدرجة ‘قائم بالأعمال’ يثبت تدني مستوى التمثيل الثنائي بين البلدين، ويرسل إشارات سالبة، بعدم الرضا أو حتى الامتعاض وفق قاموس الدبلوماسية الثنائية.
للأسف ظلت إدارة بايدن تتعامل مع السودان، ومنذ أكتوبر ٢٠٢١م كدولة فاشلة، وذات قابلية للإرهاب والفوضى، وذلك استهداء بمواعظ أوليائها المحليين من السودانيين الذين يمدونها بهذه العظات النابية ولا يقصرون.
فتعريف الإرهاب، وفق السياسة الخارجية الأمريكية، هو كل تصرف لا يعجب أو لا ترضى عنه أمريكا، بغض النظر إن كان من يوصف به مسلحا أو غير مسلح، عسكريا أو مدنيا. وتعتبر أمريكا أي سلوك غير مريح، من أية دولة أو مجموعة، لا تمد لها حبال الود والولاء، ولا تسترحم هباتها وتمتدح مكرماتها، هو ‘إرهاب’ وتهديد للأمن القومي الأمريكي. فالإرهاب عند الإمريكان ‘خشم بيوت’.
ودرجت العادة أن أمريكا لا تقبل أن يستفسر أحد أو يعقب على قراراتها في ذلك الأمر، ولا تقبل أن تسئل عما تفعل، عندما تصنف أي شخص أو مجموعة أو دولة بأنها ‘إرهابية’ وتوضع عندها في قائمتين، إحداها للدول، وتسمى: ‘داعمة للإرهاب’ وأخرى للأفراد تسمى OFAC وهو مكتب بوزارة الخزانة Dept of Treasury للسيطرة على أموال الأجانب المصنفين كمهددين للأمن الأمريكي أو بالإرهاب أو بالإثنين معا.
ففي حالة السودان، ترى إدارة بايدن أن علاج حالته هو تمكين مجموعات الشتات، من فصيلة الجنسية المزدوجة، والطوائف المؤدلجة بالفكر الغربي، والمجموعات المحلية المتماهية معهم، ومن السياسيين الباحثين عن فرص للتسلط، وبأي ثمن، وخاصة عبر الإمتثال والتبشير بأجندة المثليين والعلمانيين واللادينيين، وعبر مجموعات المنظمات الطوعية المصنوعة والممولة أمريكيا.
بيد أنه يتعين على الشعب السوداني وحده، كأصل للسيادة الوطنية، أن يحدد خياراته وخارطة طريقه في مستقبل حكم بلاده، واختيار من يحكمه، وكيف يحكمه، وبأي قانون. فليس هناك من يرسم له طريقا لسيادته ومجده وتحقيق تطلعاته سواه.
فأمريكا دولة واقعية تقودها سياسات براغماتية، وتعتمد قراراتها وتتبدل وفق الواقع على الأرض، إذ هو المعيار الذي يحدد مسار سياستها الخارجية.
الفترة الزمنية الحالية للإدارة الأمريكية هي فترة التسكع الإداري ويطلق عليها مصطلح lame duck أي ‘البطة العرجاء’. وسيتحدد التعامل الأمريكي ثنائيا مع السودان بصورة قاطعة بعد انتخابات نوفمبر ٢٠٢٤م والتي لا يزال عنوانها هو التأرجح في الرأي العام الداخلي، وما إذا كانت المحكمة العليا ستسمح للرئيس السابق ترمب بالترشح، إذ يعتبره معظم قادة الرأي بأنه مهدد حقيقي للرئيس بايدن للحصول على ولاية رئاسية ثانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى