تقارير

الملء الخامس لسد النهضة: أمر واقع أثيوبي وترقب رد فعل مصري سوداني

القاهرة- المحقق – صباح موسى

مع انشغال السودان بحربه الداخلية، تواصل أثيوبيا ملء سد النهضة للمرة الخامسة، وسط حالة من الترقب والسكون من الجانب المصري، وكأنه قبول بأمر واقع فرضته أديس أبابا على القاهرة والخرطوم.

بداية التخزين

ويبدأ التخزين لسد النهضة مع بدايات الفيضان في النيل الأزرق، والذي يبدأ في الغالب بعد منتصف يوليو من كل عام، وينتهي مع بدايات أكتوبر، وبحسب الخبراء، فإن أثيوبيا بدأت الأربعاء الماضي عملية الملء الخامس، ويستمر التخزين حتى الأسبوع الثاني من سبتمبر المقبل، ويتوقع الخبراء، أن تخزّن أديس أبابا خلال الملء الحالي (23 مليار متر مكعب إضافي، ليرتفع منسوب المياه المخزنة خلف السد من 41 مليار متر مكعب (المنسوب الحالي) إلى 64 مليار متر مكعب.

غير كاف

وفي أول رد فعل مصري، حذّرت القاهرة من المساس بحصتها في مياه النيل، وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في مؤتمر صحافي مساء الأربعاء، إن مصر ليست ضد أي مشروع تنموي تتم إقامته في أي دولة، وهذه ثوابت الدولة المصرية، لكن لا بد أن يتم ذلك بما لا يؤثر، ولا يضرّ بحصة مصر التاريخية من مياه نهر النيل، وهذا هو الشيء الأهم، في وقت يرى فيه الخبراء بأن هذا الرد لا يعتبر ردا كافيا على الملء الخامس، وأنه رد ثابت تطلقه مصر مع بداية أي ملء لسد النهضة، ليتجدد السؤال المتزامن مع كل ملء للسد حول ماهي الأضرار المتوقعة على مصر والسودان جراء هذا الملء، وماهي سيناريوهات الرد المتوقعة من الدولتين.

عدم التنسيق

من جانبه أوضح الدكتور أحمد المفتي خبير القانون الدولي وعضو اللجنة الفنية السودانية لسد النهضة السابق أن تأثير السد غير معروف، وأنه لم يحدث تنسيق طوال مرات الملء الأربع السابقة. وقال المفتي لـ(المحقق) إن عدم التنسيق يضر بالسودان أكثر من مصر، لأن السد العالي يمكنه من التحكم في المياه لأن تخزينه يفوق 160متر مكعب، في حين أن أكبر سدود السودان وهو سد مروي في شمال السودان وسعته فقط 12 متراً مكعباً، وسد الروصيرص المواجه لسد النهصة سعته فقط 7.5 متر مكعب مما يجعل السودان في حاجة ماسة للتنسيق، مضيفا لكن أثيوبيا لا تفعل ذلك مما يضطر السودان للاعتماد على التخمين في هذا الامر الفني الدقيق، لافتا إلى أنه اعتمادا على رد فعل السودان ومصر على مرات الملء الأربع السابقة، فإنه لا يتوقع أي رد فعل مؤثر من السودان أو مصر.

أمر واقع

من جهته أكد الدكتور عباس شراقي خبير الموارد المائية المصري أن الملء الخامس يظل أمراً واقعاً، وأن قرار التخزين بيد أثيوبيا الآن. وأوضح شراقي في حديثه لـ ” المحقق” أن كمية التخزين هذا العام ستعادل كمية التخزين في العام الماضي وهي 23 متر مكعب من المياه، وقال إن الملء الخامس يختلف كثيراً عن التخزينات السابقة، ففي الأعوام الماضية لم يكن يمكن لأثيوبيا أن تفتح بوابات التصريف خلال موسم التخزين بسبب عدم اكتمال بناء السد، وفي الوقت الحالي اكتمل البناء الخرساني، ويمكن لها (أثيوبيا) أن تفتح بوابات التصريف خلال الملء لتسمح بمرور جزء من المياه إلى السودان ومصر، ولذلك القرار بيد أثيوبيا الآن، مضيفا أن أضرار التخزين مستمرة وخصوصا على السودان، لانخفاص منسوب النيل الأزرق، وتابع أن السودان سيعتمد على سد الروصيرص لتعويض سكان الخرطوم، مستدركا في الوقت نفسه أن جميع المزارعين السودانيين الذين يعتمدون على فيضان النيل الأزرق سيواجهون مشاكل في الزراعة، لافتا إلى انشغال الحكومة السودانية بالحرب، وإلى أنها ليس لديها وقت لمواجهة هذه المشاكل، وقال أما مصر ستعتمد على محزون السد العالي حتى نهاية التخزين في نهاية سبتمبر أو منتصف أكتوبر القادم، مبينا أن مستوى الفيضان سيظهر في الشهر القادم، وسيوضح إن كان عاليا أو متوسطا أو سيكون هناك جفاف هذا العام، مشيرا إلى أن الأمطار جيدة حتى الآن.

الملء الأخير

وحذر الخبير المصري السودانيين من الأمطار الغزيرة هذا العام على أنحاء السودان، مع فيضان النيل الأبيض والذي يؤثر على مناطق الدندر والرهد وعطبرة، وقال يجب على السودانيين أخذ الاحتياط من ذلك، ملمحا أن الأمور ستسير بهدوء مع الملء الخامس، وقال أتوقع أن يكون هذا هو الملء الأخير والذي سيبلغ فيه التخزين 64 مليار متر مكعب، وأن أثيوبيا لن تكمل السعة النهائية البالغة 74 مليار متر مكعب في السد، مشيرا إلى حديث رئيس الوزراء الأثيوبي أبي أحمد بأن ملء سد النهضة أصبح خارج المفاوضات، وأنه ليس هناك مجال للنقاش حوله الآن، وقال إن النقاش الآن سيكون حول التنسيق في الملء والتشغيل وخصوصا مع السودان، مضيفا أما الآن بعد اكتمال بناء البوابات تتحكم في الملء وفي كمية التخزين وفي السابق لم يكن بإمكانها ذلك، وأنه يمكنها ملء أكبر كمية ممكنة، متوقعا أن تفعل أديس أبابا ذلك هذه المرة، وقال لأسباب سياسية ستفعل ذلك حتى وإن كانت غير محتاجة لهذا الملء الكبير، ولكنها سترغب في الاحتفال مع شعبها بأنه تم الانتهاء من انجاز السد، مشددا على ضرورة إعلان رد فعل مصري لإظهار عدم الرضا على الخطوة، مضيفا أن ذلك لم يحدث حتى اللحظة أيضاً على توقيع جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي، لكنه عاد وبرر بأن الخارجية المصرية دائما تتأنى في الرد لحساسية هذه القضايا، والتي تحسب كل كلمة فيها، وتابع ينبغي أن يرفع خطاباً للأمم المتحدة حول ماتفعله أثيوبيا ولكن هذا لم يحدث حتى الآن.

ستكون كارثة

بدوره أكد الدكتور محمد نصر الدين علام وزير الري والموارد المائية المصري الأسبق أن سد النهضة أصبح أمرا واقعا. وقال علام لـ ” المحقق” أما تأثير الملء الخامس لم يظهر حتى الآن، مضيفا بلاشك سيكون له أضرار على مصر إذا كان هناك جفاف، موضحا أن رصد فيضان النيل الأزرق لن يظهر إلا في الأيام القادمة، وأنه ليست هناك بشاير في أثيوبيا والسودان حتى الآن عن معدلات الفيضان هذا العام، وقال من المتوقع أنه بعد 7 سنوات من فيضان النيل الأزرق أن يكون هناك جفاف أو جفاف منخفض، مبينا أنه لو كان هذا العام جفاف ستكون كارثة مع أي كمية كبيرة ستخزنها أثيوبيا، وأن الجفاف سيكون سنة كبيسة على أثيوبيا نفسها لأنها ستشغل التوربينات في أقل الحدود، موضحا إن الإتفاق كان على قواعد الملء والتشغيل، بمعنى أن يكون هناك تنسيق على كميات التخزين في سنوات الجفاف والجفاف الممتد، وقال لم نر أي نوع من التصعيد مع ماتفعله أثيوبيا، ولا أعتقد أنه سيكون هناك أي نوع خاصة مع وجود الحرب في السودان، مضيفا أما الجانب المصري لم يأخذ أي خطوة بديلة أو أي تواصل مع الجانب الأثيوبي، منوها إلى أنه ليس هناك أي رد فعل واضح حتى الآن من جانب مصر، وقال إن هذا حدث أيضا مع توقيع جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي، في وقت أكد فيها أن توقيع جوبا على الاتفاقية ليس له قيمة، موضحا أن الخطورة في توقيع دولة أريتريا، معربا عن اطمئنانه لعدم توقيع الكونغو الديمقراطية، معتبرا أنها دولة ذات مصداقية.

موقف موحد

أما اللواء دكتور أمين مجذوب اسماعيل الخبير الأمني والاستراتيجي السوداني فقد أوضح أنه مع بدء الملء الخامس للسد ستكون هنالك خطوات من مصر والسودان لحفظ الحقوق. وقال اسماعيل لـ ” المحقق” إنه من المتوقع أن يكون هناك قلة في الأمطار هذا العام، وعليه يجب مخاطبة الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، نتيجة للتأثيرات التي سيحدثها هذا الملء مع وجود جفاف، متوقعا اتخاذ مصر والسودان خطوات مشتركة لمجابهة هذا الأمر، معلنا عن وصول وفد فني سوداني إلى القاهرة الأسبوع الماضي للتنسيق مع مصر في اتخاذ موقف موحد تجاه ذلك، مؤكدا أن هنالك اصرار على بذل الجهود للوصول إلى إتفاق ملزم للحفاظ على الحقوق التاريخية لمصر والسودان، وقال إن السودان يعطي هذا الأمر أهمية كبيرة، لعدم حدوث فجوة غذائية في البلاد، مضيفا أن عدم انسياب المياه سيؤثر على الموسم الزراعي في السودان، وكان لابد من التنسيق بين الجانبين السوداني والإثيوبي لمجابهة ذلك، مؤكدا أن السودان رغم انشغاله بالحرب لم ينس هذا الملف المهم، وأنه يعتمد على الجانب المصري، وقال إن حدوث جفاف مع تخزين 23 مليار متر مكعب المتوقعة سيكون هنالك تأثير على البيئة والري في السودان، موضحا أن هناك توقعات بحدوث مجاعة هذا العام، مضيفا ولذلك لابد من وجود مخزون استراتيجي من الغذاء، وأنه مع انخفاض منسوب المياه من النيل الأزرق سيؤثر ذلك على الموسم الزراعي بالسودان، وتابع إضافة إلى التحذيرات من حدوث أي شيء لسد النهضة، سيكون ذلك خطيرا جدا على كل المدن المطلة على النيل والتي سيعرضها للغرق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى