النائب العام السوداني لـ “المحقق”: بلاغات الداعمين للمليشيا ستقدم للمحكمة خلال أيام وهناك أسماء أخرى ستضاف للقوائم

مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث، تزداد الجرائم والانتهاكات بشكل ملحوظ، كما تأكد ارتكاب مليشيا الدعم السريع لجرائم ترتقي للإبادة الجماعية، وانتهاكات بالغة السوء في حقوق الإنسان، مايستوجب وجود عدالة ناجزة تقتص للمواطن وتقدم المجرمين للقضاء العادل…
وللوقوف على سير العدالة وعدم الإفلات من العقاب، إلتقينا بالنائب العام السوداني مولانا الفاتح محمد عيسى طيفور، والذي انتهى من مشاركته في الدورة التاسعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان في جنيف قبل أيام، ووقفنا معه على البلاغات والمحاكمات والاتهامات والمقابر الجماعية وغيرها من الجرائم البشعة التي نالت من الشعب السوداني، وتحدث إلينا باستفاضة عن الجرائم ضد الإنسانية والإغتصاب، وعن مشاركته في دورة المجلس وتوصيات لجنته باستمرار رفض السودان لعمل لجنة تقصي الحقائق ورفضه لعدم دخولها البلاد… وفيما يلي نص الحوار.
حاورته بالقاهرة: صباح موسى
بداية نود أن تطلعنا على ماحدث في إجتماع مجلس حقوق الإنسان بجنيف مؤخرا؟
كانت هذه هي المشاركة الرابعة للجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات القانون الوطني والقانون الدولي الإنساني في إجتماعات مجلس حقوق الإنسان، والسودان أحد الدول الـ 47 المكونة للمجلس، هذه الدورة كان بها إحاطة شفهية من لجنة تقصي الحقائق الأممية إضافة لأعمال أخرى، وتقدمنا ببيان وضحنا فيه مدى التقدم الذي تم في مجال العدالة والمحاسبة ومنع الافلات من العقاب في السودان، واحتوى البيان على عدد من الأرقام المهمة، وتقدمنا بتقرير تفصيلي تم توزيعه على الدول الأعضاء إضافة إلى رئيس المجلس، وكانت الاحصائيات التي قدمناها، في الدورة السابقة في شهر سبتمبر الماضي، كانت عدد البلاغات بها أكثر من 68 ألف بلاغ، أما الآن حتى 15 مايو الماضي عدد البلاغات وصلت أكثر من 120 ألف بلاغ، وعدد البلاغات التي تم شطبها في مرحلة التحري 570 بلاغ، وعدد البلاغات التي تمت إحالتها إلى المحاكمة مايقارب 4 آلاف بلاغ، والأحكام صدرت في 1093 بلاغ، بينما تبقت 2904 بلاغ، وعدد جلسات المحاكم التي مثلت فيها النيابة الاتهام 6168 بلاغ، ولو قارنا هذه الأرقام بالعام الماضي سنجد الفارق كبير جدا، مايعني أن هناك تقدم كبير في مجال المحاسبة والعدالة وعدم الإفلات من العقاب.
فارق كبير في عدد البلاغات والمحاكمات وتقدم كبير في المحاسبة
هل كل هذه البلاغات والأحكام كانت ضد المليشيا ومنسوبيها أم كانت هناك بلاغات وأحكام ضد القوات النظامية وماذا يوحي كثرة البلاغات؟
كثرة البلاغات تعطي مؤشرات، بانتشار النيابة العامة في ولايات كانت تنتشر بها المليشيا المتمردة، فبعد استرداد الخرطوم والجزيرة وطرد المليشيا من أطراف سنار والنيل الأبيض، حدث هذا التقدم، واستطاع المواطنون العودة إلى مناطقهم والتبليغات وهذا سبب زيادة البلاغات، وأخذت النيابة العامة تسهيل وصول المواطنين إلى أماكن الشرطة والنيابة وإلغاء الاختصاص المكاني، بحيث يستطيع المتضرر أن يقدم في أي مكان، بالإضافة إلى وجود منصة الكترونية في تقديم البلاغات.
اكتشفنا 965 مقبرة جماعية في الخرطوم وأم درمان والجزيرة
هل صدرت أحكام في هذه البلاغات؟
استطعنا أن نقدم 3997 بلاغاً أمام المحكمة وصدرت الأحكام في 1093، ومازالت البلاغات مستمرة، والتي صدر فيها أحكام تم القبض على المتهمين، ويتم تنفيذ العقوبات فيها الآن، والمتهمون عندهم حق الاستئناف، والأحكام تتراوح من إعدام ومؤبد وغيرها من الأحكام، والذين تمت محاكمتهم هم أعضاء من مليشيا الدعم السريع ومتعاونين معهم، فاللجنة الوطنية لا يهمها من ارتكب الجريمة بقدر صفة مرتكب الجريمة سواء مواطن عادي أو منتمي للدعم السريع أو من القوات النظامية، وهنالك 270 بلاغ في مواجهة منسوبين للقوات النظامية، وتم تسليمهم لنا وقمنا بمحاكمتهم واتهاماتهم مابين الأذى والقتل أثناء العمليات، والأحكام الغيابية لم تصدر بعد، ولدينا بلاغ في جريمة الوالي خميس أبكر، والمحكمة استمعت للجلسة الخامسة، وهذا البلاغ ستصدر فيه أحكام غيابية، أما الأحكام السابقة كلها تم القبض على المتهمين فيها.
لجنة تقصي الحقائق الأممية لم تزر سوى تشاد وكينيا وبعض دول الجوار رفضت دخولها
وماذا عن المتعاونين مع الدعم السريع، وكيف تم التعامل مع تصفيات بعض من هؤلاء المتعاونين دون محاكمات كما ظهر في فيديوهات؟
مسألة القتل خارج نطاق القضاء والقانون هو نوع من السلوك الذي مارسته المليشيا على وجه واسع جدا، وكل ذلك مرفوض وممنوع ويتم التحقق من هذه الفيديوهات والتعرف على الأشخاص الذين قاموا بهذه الأفعال وتتم محاكمتهم، وتم ضبط بعضهم بالفعل والبعض الآخر لم يتم ضبطه حتى الآن، الحرب مازالت مستمرة وأعمال النيابة والقضاء مازالت مستمرة، لم ننتهي من أعمالنا بعد.
نكتشف البلاغات الكيدية أثناء التحريات بسهولة، وجزء كبير من فيديوهات الذبح وبقر البطون ليست بالسودان
بالعودة إلى اجتماعات مجلس حقوق الإنسان بماذا أوصيتم المجلس؟
توصياتنا كانت إدانة سلوك المليشيا المتمردة واعتبارها جماعة إرهابية وحظر أنشطتها وتحركاتها، وتصنيف قادتها عناصر إرهابية، وإدانة سلوك دولة الإمارات لتورطها في الانتهاكات الممنهجة والإبادة الجماعية في السودان والضغط عليها لوقف دعمها للمليشيا وإلزامها بدفع الخسائر التي لحقت بالسودان والسودانيين، وحث دول الإقليم على التعاون مع اللجنة الوطنية في الوصول إلى الضحايا والشهود واسترداد المنهوبات، استبعاد أي آلية خارجية بديلة، تعزيز التكاملية بين مجلس حقوق الإنسان واللجنة الوطنية، إنهاء تفويض بعثة تقصي الحقائق ودعم اللجنة الوطنية لإكمال مهامها.
بلاغات الإغتصاب لم تتعد 2% وقدمنا تسهيلات لكسر حاجز الصمت
وماذا عن الجرائم الأخرى؟
من ضمن جرائم الدعم السريع أيضا الخطف والإختفاء القسري، فهناك عدد كبير جدا من المواطنين تم اخفاؤهم قسريا بواسطة المليشيا، وبلغت عدد الحالات 14506 حالة، وتم اكتشاف 965 مقبرة جماعية في مناطق شمال الخرطوم وجنوبها وشرقها وأم درمان والجزيرة، وفي الفترة القادمة سيتم نبش هذه المقابر وعمل الـ (DNA)، وهي عملية صعبة وتحتاج إلى دعم وامكانات كبيرة ، ففي مقبرة شمال الخرطوم كانت تضم أكثر من 500 جثة، ووقفنا أيضا على مواقع احتجاز غير إنسانية بالمرة، لمعرفة من هم قبروا في هذه المقابر الجماعية وظروف قتلهم، هناك عدد من الذين تم اطلاقهم بواسطة القوات النظامية، تحدثوا إلى وكلاء النيابة في البلاغات المفتوحة، وتم أخذ إفادتهم وتحدثوا عن ظروف الإعتقال وعن أعداد المعتقلين والأشخاص الذين توفوا نتيجة لعدم العلاج أو الجوع، والذين ماتوا تحت التعذيب، والذين قتلوا بالرصاص المباشر في ظروف إعتقال بالغة السوء وغير إنسانية، وهناك عدد من المحتجزين قسريا تم نقلهم إلى ولايات دارفور في الضعين ونيالا وبعض القرى، تحرياتنا مستمرة في ذلك، وتم اكتشاف مصنع كامل لتصنيع حبوب مخدرة في شمال بحري، وتم أخذ عينات واتضح أن هذه المواد مخدرة، وهذا دليل على أن المليشيا كانت متورطة أيضا في توزيع وتجارة هذه المواد، ووجدت أوراق وبطاقات لعدد من أفراد المليشيا ولمرتزقة من سوريا في هذا المصنع في منطقة شمال منطقة المصفاة والتي كانت تنتشر بها مليشيا الدعم السريع.
في الحرب قد تحدث بلاغات كيدية ضد أشخاص كيف تفصلون في هذه الإتهامات؟
هذه الإتهامات تخضع لتحريات وتحقيقات دقيقة جدا، ومتى ماتوفرت بيانات مناسبة يمكن أن تنهض دليلا أمام المحكمة، نقوم باحالتها للمحاكمة ويتم تمثيلهم بعون قانوني للدفاع عن أنفسم واستئناف المحاكمات، ونكتشف المكايدات أثناء التحريات ومن السهولة تحقيق ذلك، وهنالك بلاغات تم شطبها أمام المحكمة وقبلها وفي مرحلة الاستئناف.
هناك أيضا اتهامات لبعض منسوبي القوات النظامية بنهب وسرقة المنازل في بعض الأماكن الخرطوم، هل تحققتم من هذه الجرائم وهل تم الحكم فيها؟
ليس كل ماينتشر في الميديا صحيح، ومع ذلك لدينا 258 بلاغ كانت في مواجهة قوات نظامية وتم الفصل فيها، وأي مواطن يدعي أن هناك من قام بسلب أو نهب عليه أن يتقدم إلى أقرب نيابة أو قسم شرطة، ويبلغ ويقدم بينته والتحريات هي التي تكشف صحة ماتقدم، ونحن نخضع أي فيديو به انتهاكات للتدقيق الفني للتأكد من صحة الفيديو.
هل تحققتم من فيديوهات بقر البطون والذبح التي كانت منتشرة على وسائل التواصل الإجتماعي؟
جزء كبير من هذه الفيديوهات ليست أصلا في السودان، وهنالك دعاية كبيرة مضادة ضد القوات التي تساند الجيش على أنها دواعش، ولا يوجد دواعش في السودان، هذه مقاومة شعبية تدافع عن أنفسها وفقا للطرق المشروعة، وكل مايخالف القانون يتم التبليغ عنه والتحقيق فيه.
وهل تم التحقيق في قتل عدد من منسوبي دولة جنوب السودان في الكنابي؟
لم يتم قتل أي مواطن جنوبي في التحقيقات التي تمت في الكنابي، أحداث الكنابي هنالك بلاغ مفتوح ويتم التحقيق فيه، والمتهمون معروفين، وتم القبض على البعض ويجري البحث عن الباقين.
من أي الجهات ينتمي هؤلاء المتهمون هل هم إسلاميين فعلا؟
في هذه المرحلة لا أريد أن أتحدث عن ذلك ولا لأي جهة ينتمون، لكن هؤلاء الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الجرائم هنالك شهود يعرفونهم لأنهم من ذات المناطق، وهم معروفون وتم القبض على بعضهم، وجاري البحث عن الآخرين، ليس من ضمن الذين قتلوا في هذه الأحداث أي مواطن من جنوب السودان، بالعكس هنالك أشخاص كثيرين من جنوب السودان هم عملوا كمرتزقة في الحرب، وكثيرين من القتلى في مسارح العمليات ويرتدون زي الدعم السريع ويحملون الأسلحة هم من جنوب السودان، خاصة من قبائل النوير.
هل لجنة تقصي الحقائق الدولية واصلت عملها العام الماضي أم توقفت؟
اللجنة حسب بينانها الشفهي، وموقفنا لم يتغير بشأنها ولم يسمح للجنة بدخول السودان، قدمت إحاطة للمجلس كانت ضعيفة، زارت بعض الدول المجاورة للسودان، وقالت أن بعض الدول المجاورة أيضا رفضت استقبالها، وهي ذهبت إلى تشاد وكينيا فقط، وذكرت أن الشكاوى التي قدمت إليها حوالي 240 شكوى، وأنها قابلت عدداً من الناس، ومازلنا نصر على عدم دخول هذه اللجنة، وتحدثت مع رئيس المجلس وسلمته تقرير من 66 صفحة باللغة الانجليزية به تفاصيل كثيرة عن انتهاكات المليشيا، والتقيت أيضا بالمقرر الخاص بمكافحة العنف الجنسي، وقدمت لها إحاطة عما يحدث في السودان، ووضع الانتهاكات الجنسية التي وقعت، وأن المليشيا ارتكبت كل أنواع الانتهاكات الجنسية، كالاستعباد الجنسي والعنف الانجابي والحمل القسري بقصد التغيير الديمغرافي والإغتصاب بقصد الإذلال وكسر الإرادة، وبيع الفتيات.
وبالرغم من أن هذا الانتهاكات أرتكبت على نطاق واسع إلا أن عدد البلاغات المقيدة هي للأسف 98 بلاغاً فقط، ومنهم لم يعودوا لمتابعة بلاغاتهم، أما الانتهاكات الموثقة في وحدة مكافحة العنف ضد المرأة فهي 1392 حالة إغتصاب من بينها قاصرات وهي تمثل أقل من 2% مما حدث، بسبب الخوف من الوصمة الإجتماعية.
وعندنا شراكات مع منظمات المجتمع المدني المهتمة بالعنف ضد المرأة ، لأن هذه المسألة تحتاج إلى توعية وتثقيف وتشجيع المجتمع لكسر حاجز الصمت فيها، وهنالك تسهيلات كثيرة قدمت، ولا نطلب مايعرف بأورنيك 8، فهو ليس شرطاً للعلاج في المستشفيات التي تستقبل الضحايا للدعم الصحي ويُعتمد التقرير الطبي نظرا لظروف الحرب، وكذلك التحريات في مثل هذه القضايا تتم بأعضاء نيابة من العنصر النسائي، ونعرف نظام المحاكمة المغلقة، محافظة على السرية ويمكن الترميز عن الإسم بأحرف أو رموز، كلها محاولات لإقناع المجتمع بكسر حاجز الصمت واللجوء إلى العدالة وأخذ الحقوق، والقانون يسمح باجهاض آمن قبل أن يصل الحمل إلى 90 يوما، وهنالك دعم نفسي وصحي يقدم للوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً.
نطمئن السوادنيين بأنه لا يوجد أي مجرم سيفلت من العقاب
هناك بلاغات ضد عدد من منسوبي القوى السياسية التي تدعم المليشيا لديكم، كيف يتم الحكم على سياسي في المحاكم الجنائية؟
نعم هؤلاء المتهمون من المشتغليين بالسياسة، لكن العمل بالسياسة ليس مبرراً لإرتكاب الجرائم، ونرى في اللجنة الوطنية والنيابة أن هنالك مواطنين سودانيين هم جزء من مشروع إجرامي بدأ تنفيذه ابتداء من أيام 12 و13 أبريل وبلغ الذروة في 15 أبريل من عام 2023، ومستمر حتى الآن، هؤلاء شركاء للمليشيا المتمردة في كل الجرائم التي ارتكبوها، وبالتالي مسألة أنهم من تنظيمات سياسية لا تبرر لهم ارتكاب الجرائم، فهم لا يمارسون سياسة نظيفة، وارتكاب الجريمة يختلف عن ممارسة السياسة، وهم مشتركون في الجرائم، وسنقدمهم للمحاكمة الجنائية وهنالك أدلة وبينات كافية تدينهم بالاشتراك المباشر في هذه الجرائم والانتهاكات التي وقعت بحق السودانيين.
لم تصدر أي أحكام بعد بحق هؤلاء السياسيين؟
لا لم تحول البلاغات إلى المحاكم، وسوف تحول خلال أيام، البلاغ الوحيد الذي تم تقديمه للمحكمة غيابياً هو مقتل الوالي خميس أبكر، وتم إعلان المتهمين ونشرهم لتسليم أنفسهم، وهنالك أشخاص مطلوبون عبر الإنتربول وهناك قوائم أخرى ستذهب للإنتربول وبها أسماء معروفة ولا أريد أن أفصح، وسوف نطاردهم ونلاحقهم ونقدمهم للمحاكمة، وعلى كل من ارتكب جريمة بحق السودانيين أن يتوقع أن اسمه سيضاف لهذه القوائم.
هنالك اتهامات بأنكم تتعاونون مع لجنة تقصي الحقائق وأن هذا ضد قرارات الدولة؟
ليس هنالك أي نوع من أنواع التعاون مع لجنة تقصي الحقائق الأممية، و مشاركتنا في دورات مجلس حقوق الإنسان، تأتي باعتبار أن السودان عضو في المجلس ويجب عليه أن لا يتغيب عن اجتماعاته، خاصة إذا كانت هنالك مسائل تخص أوضاعه.
كلمة أخيرة؟
أريد أن أطمئن المواطنين السودانيين أن اللجنة الوطنية والنيابة العامة ماضية قدما في أداء واجباتها من المحاسبة ومنع الإفلات من العقاب وإنه لايوجد مجرم ارتكب جريمة بحق السودانيين سيفلت من العقاب.