
المحقق – عثمان صديق
فاز وزير المالية الموريتاني السابق، سيدي ولد التاه (الخميس) برئاسة البنك الأفريقي للتنمية بعد ثلاث جولات تصويت أجراها مجلس محافظي البنك في اجتماعه بأبيدجان، و أصبح الموريتاني الرئيس التاسع لبنك التنمية الأفريقي منذ تأسيسه عام 1964. وكان يتنافس مع أربعة مرشحين: أمادو هوت من السنغال، وصامويل مايمبو من زامبيا، ومحمد عباس تولي من تشاد، والمرشحة الوحيدة، باجابوليلي سوازي تشابالالا من جنوب أفريقيا.
وحصد ولد التاه أكثر من 76% من الأصوات في النهاية، وفقًا للتقارير. وجاء فوزه الكبير والاستراتيجي تتويجاً لصعوده في السلطة الذي بدأ في الجولة الثانية، حيث حشد ائتلافًا واسعًا حول ترشيحه.
ففي هذه الجولة الثانية، حصل الدكتور سيدي ولد التاه على 48.42% من الأصوات، متقدماً بشكل واضح على الزامبي صامويل منزيلي مايمبو الذي حصل على 36%، فيما حصل السنغالي أمادو هوت على 9%. وتم إقصاء الجنوب أفريقية سوازيلاند تشابالالا، التي جاءت في المركز الأخير.
ويعد انتخاب ولد التاه الذي يحل محل النيجيري أكينوومي أديسينا (الذي أكمل فترتين من 2015 – 2025)، الحدث الأبرز في الاجتماعات السنوية الستين التي تختتم (الجمعة) في أبيدجان. وقد برز ولد التاه كمرشح الدول الأفريقية. وحصل على 47% من الأصوات الإقليمية في الجولة الأولى، مما يعكس رغبة واضحة في القارة لاستعادة السيطرة على إدارة المؤسسة الأفريقية. على خلاف صامويل مايمبو الذي استند بشكل رئيسي على دعم البلدان غير الأفريقية والمساهمين غير الإقليميين في البنك . ومن المقرر أن يتقلد سيدي ولد التاه منصبه فعليا في سبتمبر المقبل.
في الأسابيع التي سبقت تصويت الخميس، وعد التاه بإجراء إصلاحات داخلية في حال فوزه فحدد بوضوح خارطة الطريق التي يسميها “النقاط الأربع الأساسية”. تتعلق الأولى بتعبئة رأس المال على نطاق واسع. ومن خلال القيام بذلك، فإنه يعتزم زيادة حجم التمويل عشرة أضعاف. والنقطة الثانية هي إصلاح البنية المالية الأفريقية. ويرى الدكتور التاه أن القارة يجب أن تتحد وتتحدث بصوت مالي واحد على الساحة العالمية. ومن ثم فهو يدعو إلى تعزيز المؤسسات على المستوى القاري وإصلاح المالية العامة من أجل تطوير هيكل مالي إفريقي شامل.
أما النقطة الثالثة فهي تتعلق بتحويل العائد الديموغرافي إلى قوة اقتصادية. ولتحقيق هذه الغاية، يعتزم الدكتور تاه الاستفادة من القوة الديموغرافية للقارة، والتي يهيمن عليها الشباب، من أجل إضفاء الطابع الرسمي على الاقتصاد غير الرسمي، وتعزيز نمو الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتنفيذ برامج ريادة الأعمال المستهدفة.
وأخيراً، فإن النقطة الأخيرة التي طرحها هي ضرورة التصنيع في أفريقيا مع تنمية مواردها الطبيعية. وفي هذا الصدد، يقترح الدكتور سيدي ولد التاه النظر إلى أفريقيا ليس فقط كقارة غنية بالموارد الطبيعية، بل كقوة صناعية قادرة على توليد قيمة مضافة كبيرة.
وتفيد متابعات “المحقق” أن المصرف العربي للتنمية الاقتصادية في أفريقيا (باديا-BADEA) والذي تأسس في عام 1974، ويتخذ من الخرطوم مقراً له، كان قد حصل تحت رئاسة ولد التاه – حتى أبريل الماضي – على تصنيفات ائتمانية رفيعة المستوى، مثل AA+/AAAA، مما أدى إلى زيادة أصوله بمقدار 4 مليارات دولار، لتصل إلى ما يقرب من 7 مليارات دولار، وبالتالي ترسيخ نفسه كمثال للتميز في العمليات والاستراتيجية. وقد نفذ أول استراتيجية عشرية للبنك “باديا- 2030″، وصاغ رؤية طويلة الأجل مع “باديا – 2074″، والتي تهدف إلى مواءمة المؤسسة مع أجندة أفريقيا 2063. علاوة على ذلك، خلال فترة عمله في المصرف العربي كان لاعباً ملتزماً من أجل أفريقيا الخضراء، من خلال تمويل مشاريع مستدامة داخل المنطقة الفرعية.
ودخل مصرف (باديا) العام الماضي بنجاح سوق رأس المال لأول مرة بإصدار سندات بقيمة 500 مليون يورو مصنفة وفقًا لمعايير ESG لتمويل مستقبل مستدام للأجيال القادمة في أفريقيا. وفي خضم الأزمة السياسية في السودان، أشرف الدكتور ولد التاه على نقل مقر المصرف من الخرطوم إلى القاهرة بسلاسة فبل أن تصل إليه مجموعات مليشيا آل دقلو المتمردة، وهذا إنجاز في إدارة الأزمات واستمرارية المؤسسات.
وقد جرت هذه الانتخابات في سياق جيوسياسي معقد، حيث تشكل قضايا السيادة المالية والتنمية المستدامة والإصلاح المؤسسي جوهر الأولويات الأفريقية وبعد حملة انتخابية شاقة، ستركز الأيام المقبلة على “العمل الجاد” لاتباع خريطة الطريق التي وضعها سلفه أديسينا.