سياسية

باحث أمريكي: حرب مايزال في وسعنا إيقافها

 

المحقق – محمد عثمان آدم

كتب السيد كاميرون هدسون مقالاً نشرته (أمس) صحيفة نيويورك تايمز ، حذر فيه من خطورة تداعيات الحرب الدائرة الآن بالسودان وآثارها السالبة، ليس على الشعب السوداني فقط بل وتأثيراتها الشاخصة على جيرانه، وعلى الملاحة و التجارة الدولية، وعلى الوضع الأمني والأمن – الاجتماعي لأوروبا الغربية و أمريكا والشرق الأوسط، وفوق ذلك إمكانية أن تمهد الحربُ الأرضية لتفريخ بؤر ارهابية تنداح في المنطقة وما وراءها، في حين أنه يمكن للولايات المتحدة العمل على وضع حد لها مثلما تدل تجارب لها سابقات في الإقليم.

 

وأشار السيد هدسون، وهو زميل أول في برنامج أفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إلى احتدام الصراعات والمجاعات وتنافس القوى العظمى في منطقة القرن الأفريقي، مما يُسبب حالةً من عدم الاستقرار الهائلة، ويثير القلق، وحذر من تزايد فرص تداخل الحروب الأهلية والصراعات بين دول المنطقة، التي تضم أكثر من 200 مليون نسمة وتُمثل مليارات الدولارات من التجارة العالمية.

 

كما أن هذه الصراعات – والرأي لهدسون – قد تُطلق العنان لموجات إرهابية وزيادة في الهجرة قد تُحيط بالدول الأوروبية ودول الخليج، مما يُهدد المصالح الأمريكية بعيدة المدى. ونبه إلى أنه، وحتى وقت ليس ببعيد، كان التزام أمريكا بالمساعدة في استقرار القرن الأفريقي أمراً مُسلّماً به. لكن هذا الأمر لم يعد كذلك الآن.

 

وقال إن الأسئلة التي ما فتئت تُطرح اليوم هي ما إذا كان لدى إدارة ترامب أي اهتمام بمحاولة معالجة مصادر عدم الاستقرار، وإن لم يكن الأمر كذلك، فماذا سيحدث بعد ذلك؟

 

ولشرح عدم الفعل الأمريكي الآن وتقاعس إدارة ترمب في اتخاذ فعل ملموس، أشار هدسون إلى أنه وخلال الشهر الماضي، طرح وزير الخارجية الأمريكي الجديد، ماركو روبيو، خطةً لترشيد عمل وزارة الخارجية، تضمنت إلغاء “مكتب عمليات الصراع والاستقرار”، و هو المكتب المسؤول عن درء الصراعات الناشئة وتوفير الخبرة الفنية في الوساطة وبناء السلام.

 

وتقترح ميزانية وزارة الخارجية التي كشف عنها الرئيس ترامب مؤخراً إلغاء التمويل الأمريكي لعمليات حفظ السلام الدولية. وبحسب ما ورد، فلن تُدرج وزارة الخارجية الأمريكية بعد الآن أعمالًا مثل “اعتقال سجناء سياسيين” و”غياب انتخابات حرة ونزيهة”، ضمن التقارير السنوية لحقوق الإنسان التي يُلزم بها الكونغرس وهما عاملان يُمهدان لصراع أوسع نطاقًا وعدم استقرار،. ويُضاف إلى هذه التغييرات قرار تقليص دور الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومعهد السلام الأمريكي، اللذين دعما مقاربات منع الصراعات التي تُحسّن مصالح الأمن القومي الأمريكي و “مكانة الولايات المتحدة الأخلاقية”.

 

وأكد هدسون بأنه لا مجال للشك بأن الحروب في منطقة القرن الأفريقي ستُعرّض للخطر حتى مصالح الإدارة الأضيق نطاقًا، والمتمثلة في مكافحة الإرهاب واستخراج المعادن في جميع أنحاء المنطقة. و أضاف بإمكانية أن تتسبب في إغلاق البحر الأحمر أمام حركة الشحن، ومن المُرجّح أن تتكاثر الجماعات الإرهابية.

 

وحذر بأن ذلك قد يعني أن “تواجه جميع دول هذه المنطقة الحيوية تقريباً خطر الانهيار”.

 

*ما هي أهمية ما يجري في السودان وجيرانه؟*

يقول هدسون إن السودان، الذي يبلغ عدد سكانه نحو 50 مليون نسمة، ويمتد على ساحل البحر الأحمر لمسافة 800 كيلومتر تقريبًا، يمرّ بعامه الثالث من الحرب الأهلية، التي شرّدت ما يقرب من 13 مليون شخص، وتركت ضعف هذا العدد في حاجة إلى دعم منقذ للحياة.

إنها – برأيه – أكبر أزمة إنسانية في العالم، و واحدة من أكثر الأزمات التي لم تتلق إلا دعماً شحيحاً للغاية مقارنة بما هو مطلوب “إذ خُصص ما يزيد قليلًا عن 10% من التمويل اللازم هذا العام”.

 

ويضيف، ربما تجتهد إدارة ترامب للحفاظ على المساعدات الإنسانية الطارئة التي تدّعي التزامها بها. كما أنها لا تبدو ميالة لتعيين مبعوث خاص، وهو ما فعله كل رئيس سابق منذ بيل كلينتون، بما في ذلك السيد ترامب في ولايته الأولى. إن تخفيضات واشنطن للمساعدات الإنسانية تُودي بحياة الكثيرين، مما يزيد الوضع المستعصي أصلا، سوءاً.

 

من ناحية أخرى فإن جنوب السودان المحادد للسودان على شفا حرب أهلية أخرى، هي الثانية خلال ما يزيد قليلًا عن عقد من الزمان، حيث يتم تحشيد الميليشيات القبلية وبالفعل اندلعت المناوشات هنالك و أدى هجوم على مروحية تابعة للأمم المتحدة في مارس إلى مقتل أحد أفراد طاقمها وعشرات الجنود الحكوميين، ووضع الجميع في حالة تأهب قصوى، مما أدى إلى انسحاب الموظفين الدبلوماسيين من العاصمة جوبا. وقد أودى الصراع الأخير هناك بحياة ما يقرب من 400 ألف شخص ولم يتوقف إلا باستجابة دبلوماسية عالمية بقيادة الولايات المتحدة. ويبدو من غير المرجح أن يأتي رد فعل مماثل.

 

وفي إثيوبيا، التي يزيد عدد سكانها عن 130 مليون نسمة، ساعد الدبلوماسيون الأمريكيون في التوسط في اتفاق سلام عام 2022، منهين بذلك حربًا وحشية في منطقة تيقراي الشمالية أودت بحياة ما يصل إلى 600 ألف شخص، وفقًا لبعض التقديرات. وتستمر العلاقات في تيقراي في التدهور، وتؤججها إريتريا المجاورة، التي تبحث عن سبل لتقليم طموحات رئيس الوزراء آبي أحمد في الحصول على منفذ بحري لدولته غير المشاطئة لأي ساحل بحري.

 

وبدأت إريتريا تعبئة عامة للقوات، مما وضع البلاد على أهبة الاستعداد للحرب. ونذكر أن إثيوبيا وإريتريا خاضتا حربًا حدودية قبل 25 عامًا، وتم التفاوض على نهايتها من قبل دبلوماسيين أمريكيين وأشرفت عليها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

 

ويلفت هدسون النظر إلى أنه ومنذ العام الماضي، لم تهتم واشنطن باتفاقية السلام التي ساعدت في انجازها بين الإثيوبيين و الإرتريين وتركت منصب المبعوث الخاص لمنطقة القرن الأفريقي شاغرًا وهو من ساعد إدارة بايدن على اجتياز هذه الرمال المتحركة.

 

ويضيف هدسون بأن الولايات المتحدة ما تزال تلعب دورًا نشطًا فقط في الصومال، موطن الفرع الرئيس لتنظيم الدولة الإسلامية في أفريقيا، ولكن هذا الدور يقتصر على ضربات الطائرات بدون طيار ضد أهداف إرهابية.

فمنذ توليه منصبه، كثف السيد ترامب نشاطه، حيث ضرب الجيش الأمريكي أكثر من 20 مرة في أول 100 يوم له – مما أدى إلى مضاعفة الهجمات عمّا كانت عليه في ظل إدارة بايدن في عامها الأخير في السلطة. في حين أن هذه الضربات تمكنت من إرسال رسائل للإرهابيين، إلا أنها لم تفعل الكثير لمعالجة المكاسب البرية الكبيرة التي حققتها جماعة الشباب الإرهابية.

 

وقد شعرت اشنطن بالإحباط لأن مليارات الدولارات التي أنفقتها على مدى عقدين من الزمن لبناء قدرات الدولة في مقديشو لم تُحقق سوى عوائد ضئيلة. ويبدو من غير المرجح أن تُضاعف إدارة ترامب الدعم السياسي والأمني الذي لا يزال مطلوبًا.

 

وفي مؤشر آخر على توفير التكاليف، تُخطط واشنطن لتقليص أو إغلاق عدد من البعثات الدبلوماسية في المنطقة بشكل كبير، بما في ذلك في الصومال، وفقًا لمذكرة داخلية لوزارة الخارجية، مما يُضعف الأمل في القدرة على إدارة أزمة إقليمية.

يُدرك فريق الأمن القومي للسيد ترامب أن الجيش الأمريكي يلعب دورًا لا غنى عنه في المنطقة. في رسائل نصية من بوابة الإشارة، جادل مايك والتز، مستشار الأمن القومي آنذاك، بأن “القوات البحرية الأوروبية لا تملك القدرة على الدفاع ضد أنواع الصواريخ المضادة للسفن وصواريخ كروز والطائرات المُسيّرة المتطورة التي يستخدمها الحوثيون الآن”. وأضاف: “سيتعين على الولايات المتحدة أن تُعيد فتح ممرات الشحن هذه”، في إشارة إلى طرق البحر الأحمر. وافق وزير الدفاع بيت هيجسيث على ذلك، وكتب: “نحن الوحيدون على هذا الكوكب (في جانبنا من الدفتر) القادرون على القيام بذلك. لا أحد غيرنا حتى قريب من ذلك”.

لقد أُثير الكثير مؤخرًا حول تركيز الإدارة شبه المنفرد على استعادة روح المحارب وعلى نقاط قوة أمريكا في القوة الصلبة، كما يتضح من طلب السيد ترامب لميزانية الدفاع البالغة تريليون دولار. لكن التحديات التي نواجهها في القرن الأفريقي لا يمكن حلها بالطائرات المسيرة المسلحة وحدها. وقد أوضح الجنرال جيمس ماتيس هذه القضية عندما حذر قبل عشر سنوات قائلاً: “إذا لم تمولوا وزارة الخارجية بالكامل، فسنحتاج إلى شراء المزيد من الذخائر”. و أضاف: لم تعد قدرتنا التي تعتمد على التمويل الكامل لصنع السلام قائمة؛ بل إنها تُسحق في الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إليها”.

ويحذر هدسون بقوله إذا لم نستعد صنع السلام ونحافظ على ما تبقى من قدرتنا على استخدام التنمية والدبلوماسية لإنهاء الحروب، أو الأفضل من ذلك، لتجنبها، فإن الصراعات القادمة في القرن الأفريقي ستُعلمنا بالتأكيد دروساً مؤلمة وستكون عالية التكلفة علينا دون شك.

 

و اختتم هدسون ومقاله بالتحذير من أنه “قد تفشل دول، وقد يعاني ملايين اللاجئين ويضطرون إلى الفرار، وقد تسعى قوى خبيثة مثل روسيا وإيران إلى الاستفادة من الفوضى” الناجمة عن ذلك، حسب قوله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى