تغيير العملة… استراتيجية إعادة الكتلة النقدية إلى الجهاز المصرفي

المحقق – نازك شمام
ترقبٌ حذِر تشهده الأوساط الاقتصادية بالسودان خلال هذه الأيام وهي تستعد لتنفيذ قرار تغيير فئتي 1000-500 جنيه بعد أن أعلن بنك السودان المركزي الشهر الماضي عن الخطوة التي قال عنها إنها تأتي في إطار حماية العملة الوطنية وتحقيق استقرار في سعر صرفها، ومواجهة الآثار السلبية للحرب الدائرة لا سيما عمليات النهب الواسعة التي قامت بها المليشيا المتمردة لمقار بنك السودان وشركة مطابع السودان للعملة في الخرطوم”، فضلاً عن انتشار كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر وغير المطابقة للمواصفات الفنية من فئتي 500 و1000 جنيه، الأمر الذي أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح وكان له الأثر السلبي على استقرار المستوى العام للأسعار.
ومنذ الأسبوع الماضي والمصارف السودانية في حالة استنفار للبدء في إنزال القرار على أرض الواقع لا سيما وأن هذه المرة سيكون الاستبدال عبر الحسابات المصرفية؛ و وفقاً لتوجيهات بنك السودان المركزي بإعتماد الرقم الوطني لأغراض فتح الحساب المصرفي.
وتأتي الخطوة في إطار تبسيط وتسهيل إجراءات فتح الحسابات المصرفية للجمهور، على أن تلتزم المصارف بمراجعة نظام الإدارة العامة للسجل المدني للتأكد من صحة الرقم الوطني الذي يقدمه العميل.
ويجتهد بنك السودان في إعادة الكتلة النقدية إلى قطاع المصارف وإعادة الثقة في القطاع المصرفي عبر هذه الخطوات لاسيما وان شكاوي القطاع المصرفي منذ سنوات تتلخص في أن أكثر من 85% من الكتلة النقدية خارج القطاع المصرفي.
ووصف رئيس نقابة عمال المصارف والأعمال المالية، يوسف عبد الرحمن العبيد قرار تغيير العملة بالقرار السليم.
وأشار في حديثه مع موقع “المحقق” الإخباري إلى أن الهدف من القرار هدف اقتصادي قيّم وذو أثر كبير في الاقتصاد مبيناً أن في طيات القرار أكثر من هدف يشمل إعادة الكتلة النقدية إلى الجهاز المصرفي لضخها في شرايين الاقتصاد الوطني حتى تسهل وتساعد بصورة أكبر في عملية إعادة الإعمار بعد الحرب فضلاً على تحقيق معدلات نمو اقتصادية كبيرة بتمويل المشاريع في كافة القطاعات.
وأكد على أن إعادة الكتلة النقدية إلى الجهاز المصرفي أحد التحديات الكبرى التي تواجه الجهاز المصرفي، وقال العبيد إن “الاجراءات التي اتخذها البنك المركزي بتوجيه المصارف لتسهيل فتح الحسابات المصرفية وفتح الحسابات عن طريق الأون لاين هو إجراء سليم”.
وأضاف إن “خطوة تسهيل فتح الحسابات المصرفية هي محاولة لإصلاح القصور القديم”.
إلا أن العبيد استدرك بأن هذه الخطوة لابد أن يصاحبها عمل متوازي كبير جداً وإلا فإنها لن تحقق غاياتها على المدى الطويل وستتعرض للانتكاس.
وأشار إلى أن السودان قد قام سابقاً بتغيير العملة بهدف إعادة الكتلة النقدية إلى المصارف إلا أنه وبعد سنوات اشتكى من أن ما يقدر بنحو 85% من الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي.
وشدد على أن هنالك خطوات متوازية لابد أن تصاحب عملية التغيير من أهمها إعادة انتشار وتموضع أفرع الجهاز المصرفي في البلاد لافتاً إلى وجود ولايات كبيرة تشمل سبعة محليات يوجد بها فرع واحد للمصارف مما يتسبب في هزيمة الفكرة.
وأبان أنه إذا كان قيام المصارف بإنشاء فروع في مختلف أنحاء البلاد أمر مكلف مادياً يمكن تفعيل وسائل الدفع الالكتروني مع مصاحبة هذه الخطوة بعملية إعلامية واسعة وعرض فوائد وسائل الدفع الالكتروني.
بينما يرى الخبير الاقتصادي، عبد الوهاب جمعة أن قرار تغيير العملة صدر في وقت عصيب في وفي وضع يعيش السودان حرباً منذ تسعة عشر شهراً.
وأكد على أن إشكالية قرار تغيير العملة تكمن في كونه خرج في شكل قرارات مجتزأةً بما يجعل الأمور عير واضحة، مشيراً في حديثه مع “المحقق” أنه حتى الآن لا يعرف المواطن هل يقصد بالقرار الاستبدال أم تغيير عملة كامل، ولفت إلى أن القرار الآن لاستبدال فئتين من العملة وهي 1000 و500 جنيه.
ونوه إلى أن الأمر المهم في تغيير العملة هذه المرة أنه مرهون بفتح حسابات مصرفية.
ووصف توجيهات البنك المركزي لتبسيط عملية فتح الحسابات المصرفية بالجيدة جداً نسبة لإعطائها نتيجة كلية شاملة وتساهم بشكل كبير في عملية الشمول المالي وتسمح لشريحة كبيرة بالانضمام للجهاز المصرفي
وكشف أن جذب الكتلة النقدية للجهاز المصرفي لم تكن من الأهداف المعلنة عند إقرار عملية تغيير العملة لافتاً إلى أن الأهداف تمحورت في حماية الاقتصاد الوطني ومواجهة التحديات التي خلفها عدوان مليشيا الدعم السريع على المصارف واستيلائها على مطابع السودان للعملة.
وقلل جمعة من أهمية أن يكون تغيير العملة بهدف إعادة العملة للجهاز المصرفي نسبة لأنها سرعان ما تعود إلى خزائن المواطنين
وأشار إلى أهمية معالجة الاختلال الهيكلي للاقتصاد ومعالجة هبوط العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية، ومعالجة معدلات التضخم المرتفعة وهما أساس حل مشكلة خروج الكتلة النقدية من المصارف.
وأكد أن هذه الخطوات لن تكتمل دون إعادة الثقة في الجهاز المصرفي ، ورهن نجاح إعادة الكتلة النقدية إلى المصارف بسياسات واضحة من خلال تعزيز الوسائل المصرفية الرقمية من خلال سياسات مدعومة لتساعد في تنفيذ مصفوفة المصرفية الرقمية.
وكشف جمعة عن تحديات ستجابه عملية تغيير العملة من بينها حالة السيولة الأمنية التي تعيشها البلاد في بعض أجزائها.
وأشار إلى أن أحد المعوقات التي تواجه عملية التغيير هي اتساع رقعة البلاد مما يصعب العمليات اللوجستية والإمداد بجانب وجود تحدٍ آخر في إجراء عملية تبديل العملة في المناطق التي يسيطر عليها مليشيا الدعم السريع والتعامل مع ذلك بجانب التعامل مع الجمهور المتواجد في تلك المناطق.