حدثان في نهاية 2024 سيشكلان نقطة تحول في العالم

رمضان أحمد
شهدت نهاية عام 2024 حدثان بارزان سيلقيان بظلالهما على عام 2025 والسنوات التالية، وقد يؤديا إلى تغيير جذري في العالم، وهما: فوز ترمب ونجاح الثورة السورية في الإطاحة بنظام الأسد.
يكمن أهمية فوز ترمب في أنه هز أهم ركن من أركان نظام الحداثة وهو الحرية المطلقة وما يتمخض عنها من انحلال أخلاقي كالمثلية الجنسية وغيرها بمناصرة النيوليبرالية. وعلى الرغم من أن المجتمع الغربي أصبح يتضجر من هذا الانفلات الأخلاقي الناجم عن الحريات المطلقة، لا يجرؤ أحد أن يطعن في ذلك مخافة أن يتعرض للتنمر من جمعيات المثليين التي أصبحت شرسة في نشر هذه الرذيلة. فكون رئيس دولة كالولايات المتحدة يناهض هذا التفسخ الأخلاقي ويتعهد بأن يكافح أي توجه نحو إيجاد جنس ثالث بخلاف الرجل والمرأة ومحاسبة الأطباء الذين يجرون عمليات التحول الجنسي فضلاً حرمان المتحولين جنسياً من الرعاية الصحية، ليس أمراً سهلاً وإنما هو انقلاب بالكامل للنظام الغربي.
ترمب يناهض أيضاً فرض الثقافة الغربية على الشعوب الأخرى، علماً بأن فرض الثقافة الغربية من أهم أدوات النيوليبرالية لفرض الهيمنة الثقافية على الشعوب. وهذا يعني ضمنياً تقليص الهيمنة الأمريكية على الشعوب الأخرى مما سيتيح مجالاً واسعاً للتغيير الذي يمثل الإرادة الشعبية في المنطقة العربية. يذكر ترمب مثلاً أن النقاب في أفغانستان ظلت المرأة الأفغانية ترتديه على مدى مئات السنين “فمن نحن حتى نفرض عليها أن تغير النقاب؟”. ويشرح ترمب مقولته هذه بأن النقاب أفضل للمرأة من أن تقضي وقتاً طويلاً على المكياج وقال أنه لو كان هو امرأة سيفضل أن يرتدي النقاب.
ومع أن دولاً من بلاد الشرق أبدت تحفظها على الحملات التي تقودها جمعيات المثليين لفرض المثلية على العالم، إلا أن فوز ترمب سيعزز من مكانة هذه الدول وسيكون الصوت المناهض للمثلية عالياً بدعم أمريكا ترمب. هذه ليست مسألة بسيطة كما ينظر إليها بعض الناس. فأنا شخصياً بحكم طبيعة عملي في المؤتمرات الدولية رأيت حجم التنمر الذي تمارسه جمعيات المثليين على الدول لتغيير المناهج التربوية من أجل استيعاب المتحولين جنسياً وقبول زواج المثليين وما إلى ذلك، وقد تصل الضغوط إلى مستوى الأمم المتحدة. وبالتالي فإن فوز ترمب يعتبر ضربة قاضية للثورة الجنسية التي اجتاحت المجتمعات الغربية بدعم وتشجيع النيوليبرالية.
وأما نجاح الثورة السورية فتكمن أهميتها في أنها تغيير مملوك للشعب، يماثل التغيير الذي حصل في تركيا. ربما الفرق بين التغييرين هو أن التغيير التركي حصل بالتدريج إذ انتهى أردوغان من الدولة العميقة شيئاً فشياً حتى قضى عليها قضاءً نهائياً إثر المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو 2016 التي مكنته من اقتلاع الدولة العميقة من جذورها بتأييد شعبي كاسح، فأصبح التغيير ملكاً للشعب بعد أن أدرك الشعب التركي أثره البالغ على حياتهم. أما التغيير السوري فحصل بعد أن فقد النظام كل عناصر قوته فانهار انهياراً كاملاً لم يتوقعه أفضل المتفائلين. فالعامل المشترك بين التغييرين هو ملكية الشعب، بما يجعل عودة الدولة العميقة صعبة إن لم تكن مستحيلة لأن التغيير يحرسه الشعب.
هذا التغيير الذي حدث في سوريا، إن قدر له أن ينجح في تأسيس دولة المؤسسات والقانون على غرار ما حصل في تركيا، فإن المنطقة العربية برمتها موعودة بعودة الربيع العربي مجدداً. غير أن الربيع العربي الجديد المدعوم سورياً وتركياً، مع تضاؤل النفوذ الأمريكي المرتقب في المنطقة، لن يكون رحيماً بأنظمة الاستبداد.
الحدثان، فوز ترمب ونجاح الثورة السورية، نقطتان فارقتان في المشهد العالمي في الفترة القادمة.