حول رسالة اليوم العالمى للمسرح
السر السيد
يوم 27 مارس من كل عام هو اليوم العالمى للمسرح. فى هذا العام 2024، كتب رسالة اليوم العالمى للمسرح الكاتب النرويجى والحائز على جائزة نوبل للآداب في العام الماضى (جون فوس) وترجمها للعربية الفنان المسرحي التونسي (أنور الشعافي).
جاءت الرسالة – وأنا هنا بالطبع أقصد نسختها المترجمة إلى العربية والتى اتخذت “الفن هو السلام” عنواناً لها – جاءت فى لغة شاعرية مشحونة بالعاطفة وقد يعود هذا إلى الأفكار التي عبّرت عنها وهي أفكار بشكل عام لا تخلو من القرب من تخوم الفلسفة أو حتى التصوف بما أنه منجز معرفي عرفته كل الشعوب.
فالرسالة فى متنها الكلى تتحدث عن الإنسان ككائن اجتماعي وفى نفس الوقت على تماس بما هو كوني، ثم تقذف به فى التاريخ لنراه مع بقية البشر ..مع الناس.. والرسالة ومن ضمن بلاغتها وتفلسفها تستخدم مفردة “شخص” للتعبير عن الإنسان وهى مفردة كما نعلم تجد حضورها حمال العديد من الدلالات المعرفية عبر تجلياته فى الفلسفة والتصوف والاجتماع والاقتصاد والثقافة.
جاء فى الرسالة: “كل شخص هو متفرد وفى نفس الوقت يشبه أي شخص آخر …”
تكمن المفارقة هنا فى الجمع بين التفرد والتشابه فالشخص بقدر ما أنه متفرد نجده يشبه شخصاً آخر .. هذا على مستوى الطبيعة أو الجينات والخبرة الشخصية ولكن عندما نموضع هذا التفرد والتشابه داخل التاريخ ببناه المجتمعية المتشابكة سيكون الناس أو البشر بقدر ما أنهم مختلفون “لهم تفردهم” فهم متشابهون كذلك “لهم مشتركاتهم و لهم ما يجمعهم”.
جاء فى الرسالة:” الناس من كل أنحاء العالم هم متشابهون بشكل أساس مهما كانت اللغة التى يتحدثون بها أو لون بشرتهم أو شعرهم. قد يكون هذا بمثابة مفارقة، أننا متشابهون تماماً ومختلفون تماماً فى نفس الوقت”.
تكمن قيمة هذه الفرضية والتى جاءت فى رسالة تتوسل أسلوباٌ شاعرياً محملاً بالعاطفة يحوم حول حمى الفلسفة والتصوف، فى أنها وعلى غير ما هو سائد،
بقدر ما تمضى فى مديح (الاختلاف)، تمضى أيضاً في مديح التشابه والمشترك فهي بقدر ما تعلى من قيمة التفرد، تعلى من قيمة التشابه والمشترك، وحيث هنا تكمن فرادتها فى سعيها لتوطين ما أسميه ب ( التعايش) والذي هنا لا يعنى إدارة الإختلاف فقط كما هو رائج الآن وإنما أيضاً النظر إلى حضور التشابه وتفعيله بدلاً من قمعه بسلطة الاختلاف، ولعل هذا ما يقوم به (الفن) أو في استطاعته أن يقوم به، فقد جاء فى الرسالة: ( لكن الفن؛الفن الجيد،ينجح بطريقته المعجزة فى الجمع بين الفريد تماما وما هو كوني …إلى أن يقول: يمكن للفن أن يفهم بشكل كوني فيخترق بذلك الحدود وكل مناطق العالم والدول، وهكذا فهو لا يجمع بين الصفات الخاصة بكل فرد فحسب، بل أيضاُ وبمعنى آخر الخصائص الفردية التى تشترك فيها مجموعة من الناس، الأمم مثلاُ. والفن لا يجعلها كلها متماثلة،بل بالعكس فهو يبرز اختلافها…”
هذه الرسالة برمتها مكرسة للكشف عن أنه وبقدر تشابهنا كبشر لكن دائماً ما يزعجنا ويرعبنا التفرد والاختلاف خاصة وعلى حد قوله : “عندما يتحول إلى هوية جمعية يعتبر فيها المختلف تهديداً يجب التحكم فيه…”
لذلك فهو يرى الحرب ما هى إلا صراع ضد ما يكمن في أعماقنا، ضد ما هو متفرد، ويرى الفن الجيد يسعى دوما “بضمان أن يصبح ما هو متفرد تماما، ومتميز تماما ببعد كوني” ولعل هذا ما دعاه إلى أن يختم رسالته بقوله:
” تتعارض الحرب والفن كما تتعارض الحرب والسلام..الفن هو السلام”.
فى ختام هذا التعليق المختصر، أقول:
(إننا كسودانيين و كمسرحيين سودانيين ومنذ 15 أبريل 2023 نعيش فى حرب أهلكت الحرث والنسل، يكمن سببها الأساس فى عدم مقدرة مشعليها أو تغاضيهم عن إدراك قيمة التفرد والاختلاف فى حضوره مع المتشابه والمشترك أو قيمة المتشابه والمشترك فى حضوره مع التفرد والاختلاف..لذلك كان قول غالبية فنانينا وبالصوت الجهير: ( لا للحرب )..أوقفوا الحرب وعودوا للسلام.
إنها رسالة تعبر عن حالنا تماماً.
شكراً الكاتب الكبير (جون فوس) ..
شكرا الفنان (أنور الشعافي)
وكل عام وأنتم بخير.