دكتور عبد الرحمن الغالي
(1)
الحديث الذي ألقاه موسى هلال يلقي بأضواء مهمة على الحراك الحادث بدارفور وعلى المستقبل السياسي ومن النقاط المفرحة فيه هو الحراك الحميد من زعماء الادارات الأهلية الذين أدركوا فداحة الزج بالقبائل في الصراع السياسي وخطر ذلك على النسيج الاجتماعي.
كنت قد دعوت أحد مثقفي الرزيقات من أصحاب الأفكار النيرة والحس الوطني العالي للتفاكر في كيفية رتق النسيج الاجتماعي والخروج من خطاب الكراهية والتنميط وابتعاد المكونات القبلية من الدخول في أتون هذه الحرب وكنت أرى أن يتم التوصل لميثاق اجتماعي وطني تقوم به كل القبائل السودانية يبدأ بقبائل دارفور العربية ويلتئم مع كل زعماء القبائل السودانية للخروج بميثاق أو عهد يئد الفتنة ويحافظ على اللحمة الوطنية وأرى في الخطوة التي قام بها زعماء القبائل مع الشيخ موسى هلال خطوة مهمة وجيدة ولها ما بعدها في رتق النسيج الاجتماعي بعيداً عن دلالاتها السياسية والعسكرية.
في الماضي قام على هذه القبائل زعماء حكماء ساسوا القبائل بالحكمة وتعايشوا وتصاهروا وربطو القبائل المختلفة برباط الدم والرحم والمصالح المشتركة فنعمت دارفور زماناً بالأمن والأمان.
فعلى سبيل المثال تزوج الناظر محمود موسى مادبو السيدة زكية سر الختم صالح جبريل من الكنوز كما تزوج من الشايقية السيدة عائشة صالح حسين والدة الناظر سعيد محمود موسى مادبو
وتزوج السلطان عبد الرحمن بحر الدين سلطان المساليت ابنة الناظر محمود مادبو السيدة حرم بنت السيدة زكية.
اما الناظر الكبير ابراهيم موسى مادبو فمعظم زوجاته خارج قبيلة الرزيقات (ما عدا زوجتين من القبيلة)، فقد تزوج من التعايشة السيدة زينب احمد الامير يعقوب (والدتها نور الشام خليفة المهدي) كما تزوج جنوبية من الفرتيت من ال فرتاك من سلاطين الفرتيت وتزوج من الجعليين وتزوج من المعاليا وتزوج من المسبعات من حفيدات السلطان هاشم سلطان المسبعات وتزوج من ال سنار من الفاشر
أما والدة الناظرين ابراهيم ومحمود موسى مادبو فقد تزوجها والدهما الناظر موسى مادبو من قبيلة الكروبات. ( هذه إفادة أحد أبناء أسرة الناظر مادبو النابهين) وهناك إفادات مماثلة من أسرة سلطنة الزغاوة وسلطنة المساليت ونظارات القبائل المختلفة كالهبانية وغيرها إذ كان التصاهر من أقوى ممسكات النسيج الاجتماعي مع العقيدة والوطنية وربما نتناوله في كتابات لاحقة.
(2)
أهم نقاط ذكرها موسى هلال في لقائه بأهله المحاميد في مستريحة والذين جاءوا في فزع بعد تعرضه لمحاولة اغتيال.
على الصعيد السياسي:
أعلن موسى هلال انحيازه للدولة السودانية ومؤسساتها المدنية والعسكرية في وجه حرب يرى أنها تستهدف الدولة حيث يشارك فيها مرتزقة من دول عدّدها وهي ليبيا وتشاد والنيجر ونيجيريا وأفريقيا الوسطى واريتريا واثيوبيا.
وأعلن أن انتماءهم للسودان وذكر أنه ليس لهم عدو من المكونات السودانية وأن الجلابة ليسوا أعداء لنا ولا دولة 56 عدوة لنا. وأشاد بدولة 56 قائلاً إن دولة 56 هي استقلال السودان وهي مؤتمر الخريجين وهي جمعية اللواء الأبيض وهي الزعيم الأزهري وهي الأستاذ محمد أحمد المحجوب الوزير العربي الوحيد ( حسب قوله) الذي يلقي خطبة باللغة الانجليزية في ذلك العهد وأضاف ( هذا السودان بلد العراقة بلد الثقافة بلد العلم ) ودولة 56 هي مبارك زروق وهي الإمام عبد الرحمن المهدي وهي الإمام علي الميرغني. والذين يقولون أنهم يحاربون دولة 56 هؤلاء جهلة لا يفقهون شيئاً عن السودان جهلة ومغرورون. نحن مع السودان ومع استقلال السودان ومع دولة السودان ومع الوطن السوداني.
وأنه شرع في التجنيد العسكري لقوات ستتبع نظامياً في النهاية للجيش السوداني وبتدريب ونمر عسكرية ومرتبات.
على الصعيد الاجتماعي: ذكر أن نظار القبائل حضروا إليه وكلفوه بمعالجة مشكلة السودان وهم ناظر البني هلبة والرزيقات والفلاتة والتعايشة والهبانية و السلامات والترجم والمسيرية والماهرية والعطيفات وبني حسين وأمراء زالنجي وأكد أنه مؤهل بمقدراته الفكرية وعلاقاته الحقيقية مع كل القيادات السودانية للقيام بذلك.
كما أكد على فتحه الباب لعودة الذين انخرطوا في هذه الحرب ( مع الدعم السريع) للعودة لحضن القبيلة وضمن لهم حمايتهم .
وعن محاولة اغتياله فهم من حديثه أن هناك لجنة أجاويد احتوت الموضوع ولكنه حذّر بأن أية محاولة استهداف له او لأي شيء يتبع لقبيلته سيتم الرد عليه بحسم.
وفي السياق الاجتماعي استنكر تحويل منطقة ( غرّا زاوية) الدينية لوكر لكل الممارسات المنافية للدين والسوق الذي قام فيها وذكر حادثة اختطاف ثلاث بنات من البحر ودخولهن في اضراب عن الطعام انتهى بموتهن وتم دفنهن وأكد على عزمه على إبعاد هذا السوق وايقاف تلك الممارسات.
التعليق على الحديث:
· سعي زعماء القبائل العربية لرتق النسيج الاجتماعي بينهم وبين بقية المكونات أمر حميد.
· الاختلاف السياسي بين موسى هلال والدعم السريع أمر حميد من حيث أن الاصطفاف هنا ذو طبيعة سياسية وليست إثنية مثلما أن القوى السياسية القريبة من الدعم السريع تضم طيفاً إثنياً مختلفاً عن معظم مكوناته مما يعني أيضاً أن الاصطاف سياسي فهو يضم مكونات من الوسط ومن القبائل غير اعربية.
· الوعي بالبعد الأجنبي للصراع يسهم في إجهاض السيناريوهات الأجنبية الخبيثة ويعزز من فرص الوحدة الوطنية ويبعد شبح النموذج الليبي.
· التوجه القومي في حديث موسى هلال وهو زعيم قبلي هو توجه حميد كذلك التركيز على تبرئة دولة 56 من الشيطنة والحديث عن مزاياها حديث مطلوب. فمهما كانت من اختلالات ومعيوب فإنها لا ترقى للسعي لتحطيم الدولة ومؤسساتها. الصحيح الحديث عن دولة 89 دولة الانقاذ الظالمة دولة الإقصاء للآخر والتمكين والأحادية السياسية والثقافية. ولا يغيب عن بالنا أن الثلاثة يشتركون في تلك المظالم : موسى هلال والدعم السريع حكومة المؤتمر الوطني قبل وبعد الانقسام ( الجبهة الاسلامية من 1989- 2019).
· كذلك رفضه للتدخل الأجنبي واشراك الأجانب في القتال.
غدا بإذن الله نواصل في التعليق على المؤتمرات الدولية والاقليمية واللقاءات السودانية.