خير جليس: الكتاب فى حياة السودانيين
السر السيد
يصادف يوم 21 أبريل من كل عام، اليوم العالمى للكتاب وحقوق المؤلف، وهو اليوم الذى أقرته اليونسكو فى العام 1995. ومنذ ذلك التاريخ صار يوماً للاحتفاء بالكتاب وبالمؤلف.
يأخذ الكتاب موقعه المتميز فى تاريخ الإنسانية من أنه كان صلة الوصل المباشرة بين الله سبحانه وتعالى والإنسان وذلك عبر النبوة و الوحي وضمنا (الكتاب)، حيث لا وحى بلا كتاب، فكانت الكتب المقدسة هى أول الكتب التي عرفها الإنسان والتي منها “التوراة والإنجيل والقرآن”.
لإضاءة الجذر الدينى لميلاد الكتاب والكتابة ومن ثم القراءة، تكفينا نظر عامة للقرآن الكريم – آخر الكتب المقدسة – لنقف على كلمات كثيرة على صلة بالكتاب والكتابة، منها مثلاً – (كتاب/كتب/مسطور/سجل/رق “بفتح الراء”/مداد/قلم/قراطيس/أسفار/ألواح/صحف،الخ).
هذا الحضور للكتاب والكتابة وأدواتهما فى القرآن الكريم هو ما منح الكتاب وضعيته المميزة فيما عرف بالحضارة الإسلامية خاصة فى أيامها الزاهرات بحسبانها حضارة عالمية متنوعة الألسن و متعددة مجالات التعبير الإبداعي إذ أن العربية لم تكن وحدها لغة الحضارة الإسلامية وإنما كانت هناك لغات معها خاصة فى المراكز الكبرى فى جغرافيا الإسلام، ولعل هذا ما ساهم فى أن يكون “للترجمة” ذلك الحضور البارز والتى هى دليل آخر على رسوخ موقع الكتاب والكتابة فى الحضارة الإسلامية،لذلك كان من الطبيعى أن تختزن هذه الحضارة فى أرشيفها قولاً يمجد الكتاب ويحتفي به وليس من أي شخص وإنما من أميز شعرائها الذى لا يزال صوته يملأ الافاق وأعني هنا أبو الطيب المتنبي أما القول فهو:
وخير جليس فى الزمان كتاب.
*السودانيون/ات والكتاب:*
ولأننا فى السودان كغيرنا من شعوب العالم هبت علينا رياح تلك الحضارة، فقد احتفينا بالكتابة والقراءة ومجدنا الكاتب، فمنذ العشرينيات من القرن الماضى انشأنا مجموعات للقراءة ومن تلك التجربة وعبر السنوات واصلنا تمجيدنا للكتاب فظهرت “أندية الكتاب” فى الكثير من مدن السودان وأخيراً توجنا تلك الذاكرة بما عرف ب “مشروع القراءة من أجل التغيير” الذى يغطي مدناً وحَلَّالاً كثيرة.. أيضاً عرفت مدننا الكبيرة بل وحتى الكثير من قرانا المكتبة العامة، حتى بشرتنا مؤخراً الروائية استيلا قايتانو بمبادرة “احدث فرقاً بكتاب” وهى المبادرة التي تعمل على أن تكون المكتبة العامة جزءاُ من جماليات المكان فى المدينة أو فى القرية.
في السودان يغدو الكتاب كائناً حياً يقاسمنا (الغرفة ونصف الرغيف) – ليست الغرفة فى البيوت الفخمة فقط وإنما أيضاً فى البيوت (المثقوبة التى لا تمنع المطر).
ولا يكتمل هذا السرد العجول لموقع الكتاب فى حياة السودانيين دون التطرق لمعارض الكتاب الرسمية ك”معرض الخرطوم الدولي للكتاب” الذى يقام فى أكتوبر من كل عام، والمعارض الأهلية كتلك التى تقيمها دور النشر السودانية وغير السودانية، وعلى ذكر معارض الكتاب لابد من الإشارة إلى “مفروش” وهو معرض للكتاب كانت تقيمه (جماعة عمل) تعرض فيه كتباً لأشخاص ولأصحاب كتب يفترشون العراء اصطلح على تسميتهم ب”الوراقين” وغالباً ما توجد لديهم الكتب النادرة والكتب الممنوعة وأيضاً الكتب المزورة.
في السياق نفسه تجدر الإشارة إلى احتفاء أجهزتنا الإعلامية، الحكومية والمستقلة، بالكتاب ففي الإذاعة السودانية ومنذ زمن بعيد وفى سنوات مختلفة قُدمت برامج :(من المكتبة السودانية/كتاب ومؤلف/خارج المكان)، وفى التلفزيون القومى وفى فترات متفرقة قدم برنامج خير جليس وفى قناة سودانية 24 قدم برنامج الوراق.
ولأنه ليس بالضرورة دائماً أن يكون (ختامه مسك)، فلزاماُ عليّ أن أشير إلى منع بعض الكتب من النشر وإلى مصادرة بعضها والى منع بعضها من المشاركة فى معارض الكتاب داخلياً وخارجياً وأن أشير كذلك إلى اعتقال بعض الكتاب أو إخفائهم قسرياً أو اغتيالهم بسبب ما يكتبون، وأن أشير أخيراً وبالكثير من الأسى إلى المكتبات التى دُمرت وخربت بسبب الحرب الدائرة الآن كمكتبة “مركز عبد الكريم ميرغنى الثقافى”، وإلى مكتبات يمكن عدها من ضمن آثارنا الثقافية بحكم عمرها الطويل، وقد أغلقت أبوابها لسبب أو لآخر دون أن تجد من يناصرها من الجهات الرسمية كمكتبي “مروي” و”سودان بوكشوب” أما مكتبة (بلدية عطبرة) فقد أحالها احد البنوك ركاما على وعد بتشييدها من جديد، فهى الآن نسياً منسياً.
وإن كان من تحية هنا في هذا اليوم فهى واصلة إلى جميع دور النشر السودانية وفى مقدمتها بالطبع (الدار السودانية للكتب).
سيبقى الكتاب وستبقى القراءة ما بقى الإنسان حياً.