رأي

دوافع السودان للانتقال للطاقة المتجددة

دكتور مهندس جعفر أحمد خليفة

الانتقال للطاقة المتجددة أصبح مصطلحاً شائعاً ذا بعد عالمي كبير (Global energy Transition)، ومادة في طليعة اهتمامات معظم الحكومات. ولئن كانت دوافع العالم للانتقال للطاقة المتجددة هي دوافع مناخية بحتة في طابعها العام، فإن للسودان دوافع وطنية للانتقال للطاقة المتجددة تختلف، من حيث المنطلقات والمفاهيم، لاسيما وأن بصمتنا المناخية صفرية، إذْ لا تتعدى 0.05% حسب تصنيف وكالة الطاقة الدولية. إذاً، ما هي دوافعنا الوطنية للانتقال للطاقة المتجددة؟

بعد تحليل لمصادر امدادنا واستهلاكنا للطاقة التقليدية (وقود أحفوري، مياه، غابات، ..الخ)، فإن دوافعنا الوطنية للانتقال، من وجهة نظري، ينبغي أن تتمثل في الآتي:

أولاً، دافع الامن القومي.

ثانياً، الدافع الاقتصادي.

ثالثاً، دافع التنمية الريفية.

رابعاً، دافع الحفاظ على الثروة الغابية؛ وهنا يبرز الاختلاف في مفهومنا الوطني للانتقال للطاقة المتجددة مقارنة بالمفهوم السائد عالمياً، مع العلم بأن الغابة تعتبر مصدر طاقة متجدد.

أما الواقع الذي فرضته الحرب فهو، رغم فداحته، ظرف عارض ومرحلي. ينبغي أن يكون التوجه للطاقة المتجددة انطلاقاً من تلك الدوافع الاستراتيجية المذكورة.

دافع الأمن القومي:

في السودان، الوقود الأحفوري (نفط، غاز، فحم) هو مصدر الطاقة الرئيس لمجمل قطاعات الاستهلاك الحديثة (النقل، توليد الكهرباء، الزراعة، القطاع السكني تحديداً الغاز…الخ)، حيث يلبي ما نسبته 88% (IEA 2022) من جملة الوقود المستهلك بتلك القطاعات. قبل أن تدمر الحرب كثيراً من البنية التحتية المتعلقة بصناعة النفط المحلية، وحسب تقرير رسمي، فإن 39% من وقود النقل قد تم توفيره عن طريق الاستيراد في 2020، وكذلك 50% من غاز الطبخ، بينما معظم استهلاك قطاع الكهرباء يتم توفيره عن طريق الاستيراد.

تؤكد المؤشرات أن تلك النسبة في زيادة مطردة قبل الحرب (مقارنة تقارير بنك السودان 2020-2021) ومن المؤكد بعد الحرب.

إذن قطاعات استهلاك الطاقة المختلفة ستكون عالية الحساسية تجاه أي مهددات لاستمرار انسياب الوقود الأحفوري من الخارج، أو ارتفاع أسعاره، وكلها قطاعات في غاية الأهمية.

لنتخيل، ماذا سيكون موقف القطاعات المستهلكة للوقود الأحفوري بالبلاد إذا توقف الاستيراد بسبب توترات أمنية إقليمية أو عالمية حيدت السفن عن المرور عبر البحر الأحمر لبضعة أسابيع أو أشهر؟ أو ارتفعت أسعاره عالمياً ارتفاعاً كبيراً؟

ليس مستبعداً أن تتدخل قوى ومنظمات دولية لرفع أسعار الوقود الأحفوري عالمياً كسياسة لحمل الدول والشعوب على استهلاك الطاقة المتجددة بدلاً عن الطاقة المنتجة من الوقود الأحفوري. ولقد بدأت بالفعل بعض الدول الأوروبية فرض رسوم جمركية إضافية على الوقود الأحفوري كسياسة داخلية بهدف أن تكون الطاقة المنتجة منه أعلى سعراً من الطاقة المنتجة من مصادر متجددة، حتى تدفع قطاعات استهلاك الطاقة وشركات التوليد على الإقبال على الطاقة المتجددة. إذن اعتمادنا على الوقود الأحفوري بالدرجة الحالية يعتبر نقطة ضعف مهددة لأمننا القومي، وفي المقابل، انتقالنا إلى مصادر الطاقة المتجددة، يحقق لبلدنا درجة من الاستقلالية في موارد الطاقة، مما يعزز أمننا القومي.

الدافع الاقتصادي:

بما أن المصادر الأولية للطاقة المتجددة متوفرة محلياً، إذن لا حاجة للصرف على استيراد نسبة مقدرة من الوقود حال توظيف تلك المصادر. بالتالي، يعتبر الانتقال إلى الطاقة المتجددة (بمفهوم عريض لم يتم تناوله بعد) هو دعم للاقتصاد الوطني عن طريق توفير مبالغ بالعملة الصعبة كانت تصرف لسد جزء من الفجوة في الوقود الاحفوري، خاصة ما كان يستهلك في قطاعي النقل والكهرباء. كما أن مصادرها الأولية لا تحتاج لبنية تحتية للنقل والتخزين. لذلك، ما كان يصرف في استيراد الوقود الأحفوري وتوزيعه، وفي الاستثمارات الرأسمالية لتأمين المزيد من التوليد الحراري، يمكن أن يعاد توجيهه لتأمين مزيد من الطاقة من المصادر المتجددة (الشمسية والرياح)، ولتوطين صناعة وسائط تحويلها من صورتها الأولية.

من زاوية ثانية، سعر الكيلواط ساعة كهرباء مولدة من الطاقة الشمسية على مستوى المرافق أضحى أرخص من سعر الكهرباء المولدة من أي نوع من أنواع الوقود الأحفوري، خاصة في بلادنا السودان بسبب وفرة الإشعاع الشمسي بالمنطقة.

من زاوية ثالثة، تتوفر بالسودان كل مقومات انتاج وتصدير ما يسمى في أسواق الطاقة بالهيدروجين الأخضر، والذي تعتبره كثير من الدراسات نفط الفترة القريبة القادمة بما يتيحه من موارد مالية ضخمة للدول التي تتمتع بوفرة مقومات إنتاجه. المقومات الأساسية لإنتاج الهيدروجين الأخضر هي الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة، بالإضافة إلى الماء. انتاج الهيدروجين الأخضر محلياً يُمكِّن من انتاج الأمونيا الخضراء محلياً والتي تعتبر مكون سماد أساسي يدعم الإنتاج الزراعي، بالإضافة لكونها وسيط ناقل وخازن للهيدروجين نفسه، كما أن إنتاجها محلياً يوفر نقد أجنبي كان يصرف على استيراد السماد، فضلاً عن أنها ستسهم بفاعلية في صادرات البلاد. الحديث عن الهيدروجين الأخضر ومكاسبنا الاقتصادية منه يحتاج لحلقات منفصلة.

نواصل بإذن الله في مقالات قادمة مناقشة بقية دوافع السودان للانتقال للطاقة المتجددة، ومفهوم الانتقال للطاقة المتجددة، وغير ذلك من المواضيع ذات الصلة، بغية نشر الثقافة العامة لهذا الملف الخطير، وتنبيه صانعي السياسات إليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى