رائحة الأحاسيس
السر السيد
الكاتبة القطرية الدكتورة “موزة المالكي” التي صدر لها من قبل كتاب “الأزمات النفسية العاطفية” وكتاب “أطفال بلا مشاكل، زهور بلا أشواك” كما ترجمت كتاب “عدوانية أقل” للباحثين النفسيين “أرنولد جولد اشتاين” و “ألن روزنبم”، تبدو في كتابها “رائحة الأحاسيس” الصادر في طبعته الثانية في العام 2006 عن ( قراءة للنشر والترجمة) بالقاهرة.. تبدو وكأنها تريد أن تثبت إمكانية التصالح بين الإنسان وذاته من جهة وبين الإنسان ومحيطه الاجتماعي من جهة أخرى فهي بقدر ما تعلى من شأن الإنسان الفرد روحاُ وجسداً وتمنحه أجنحة قوية للتحليق عالياً تطالبه بالحوار والتعاون مع الفضاء الذي يريد أن يحلق فيه بل تطالبه بالعمل على إعادة ترتيبه وتغييره، فالمقولة المركزية التي يمكن أن يخرج بها القارئ من بين صفحات هذا الكتاب وسطوره هي أن الحياة السعيدة و الجميلة ممكنة في هذا الوجود فقط إذا استطعنا أن نحب أنفسنا والشروط التي تحيط بنا حباً مبدعاً ومنتجاً وخلاقاً.
فالكتاب والذي ينهض بالأساس على خبرة تتأسس على معرفة علمية بالنفس الإنسانية وعوالمها المتناقضة بحكم تخصص الكاتبة في “علم النفس والإرشاد النفسي” نجده – أي الكتاب – يتوسل أسلوباً شاعرياً شفيفاً وينهل من خبرة ذات أمشاج تشير في ما تشير إلى ثقافة الكاتبة وإلى احتفالها بالحياة بل وتذوقها إن صح التعبير، ولعل نظرة سريعة إلى عناوين موضوعات الكتاب تشئ بالكثير مما ذهبنا إليه خاصة في ما يتصل بالأسلوب الشاعري وبالقضايا التي تناولتها الكاتبة فمن العناوين مثلا “رائحة الأحاسيس, عنوان الكتاب نفسه” و”اقتصاد الكراهية” و”عندما تجف الآبار النفسية” ومن القضايا على سبيل المثال ” اليأس وما يمكن أن يفعله في الإنسان” أو ” الحاجة إلى الأمان” أو “الاغتراب” أو “الانتحار” أو “التربص بالنجاح” أو “النقد ليس حالة حرب” فكما قال المفكر المعروف “د.محمد جابر الانصارى” في هذا السياق في ثنايا مقدمته لهذا الكتاب: ( وعلى تنوع مضامين الكتاب، فإنها تلتقي في مواجهة “هذا الزمن الملئ بالتقصير والتمثيل والضمائر البلاستيكية” باعتباره مصدراً هائلاً لما يصاب به الكثيرين من إحباط)..
كتاب “رائحة الأحاسيس” كتاب في ظاهره يحتفي بالفردية المشتبكة بعلاقاتها وبالخاص وباليومي والوجودي في حياة الإنسان الفرد ولكنه في آباره العميقة أو خزانة خصوصياته ينضح برائحتها التي تفوح من تلك الأحاسيس.. تلك الرائحة التي تعنى كل ما هو سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي فبقدر ما يلمس القارئ الأحاسيس يشم رائحتها تلك، لذلك ولأنه كتاب بهذا التعقيد والتداخل والجمال لم أقدمه أو أعرضه وإنما فقط حرضت على قراءته رغبة مني في أن يشاركني الآخرون المتعة والمعرفة وكثيراً من الحزن النبيل والعطر أيضاً.