عام على الحرب في السودان: خبراء لـ(المحقق).. الأجندات الدولية تعمل على إعادة إنتاج الأزمة (2)
القاهرة – المحقق: صباح موسى
تكمل الحرب في السودان عامها الأول، ولم تضح الرؤية حتى اللحظة متى ستضع هذه الحرب أوزارها، بعد أن تشابكت عوامل عدة في تأجيج نيرانها وإطالة زمنها، وعلى رأس هذه العوامل يكمن تقاطع الأجندات الخارجية في البلاد كأحد أهم الأسباب في إطالة زمن الأزمة.
وقد ناقشنا في الجزء الأول من هذا التقرير كيف ساعد تقاطع الأجندات الدولية على تأجيج الحرب في السودان، ومدى مساهمة الدور الإماراتي في مساندة الدعم السريع في إطالة زمن الحرب حتى اللحظة، وكيفية تعامل الحكومة السودانية مع هذه التقاطعات، إضافة إلى نقاط إخفاق الخارجية السودانية في التعامل مع هذا الملف، ودافعت الخارجية بدورها عن سياستها في مقاومة هذا العامل المنفرد في تأجيج الأزمة، وأكدت الخارجية على لسان مصدر مسؤول بها لـ ” المحقق” أن الحرب كان يمكن أن تنتهي منذ الشهر الأول لولا الإمداد الخارجي من قوى إقليمية بعينها عن طريق الإمارات عبر تشاد وأفريقيا الوسطى، وأكد المصدر المسؤول أن المجتمع الدولي يتعامى عما تفعله هذه القوى الإقليمية وأن السبيل الوحيد لإنهاء الحرب هو الضغط على هذه القوة الإقليمية، مبيناً أن التفسير الحقيقي لهذا الاستهداف هو تفكيك السودان وقواته المسلحة وتفتيته، وإثارة (فوضى خلاقة) ليعم الإرهاب وتهريب البشر والجريمة المنظمة، مشدداً على أن القوات المسلحة السودانية قادرة على هزيمة هذا المخطط وفرض إرادتها، محذراً من الضرر الكبير على المنطقة وعلى الدولة التي تعمل على فرض هذا المخطط.
وفي هذا الجزء تناقش “المحقق” مع عدد من الخبراء مدى تأثير تقاطع الأجندات الدولية على تأجيج نيران الحرب في السودان وإطالة زمنها
تقاطع الأجندات
يرى الدكتور “التيجاني سيسي” رئيس قوى الحراك الوطني السوداني أن هناك أجندات دولية متقاطعة بشأن الحرب في السودان. وقال إن ذلك كان واضحاً في تعامل بعض هذه الدول مع السلطة القائمة والتي يقودها الفريق أول البرهان، مضيفا (لاحظنا أن جزءاً كبيراُ من دول الجوارتتقاطع أجنداتها مع الأجندة الوطنية السودانية، مثل تشاد وهي دولة جارة ولنا معها علاقات راسخة وقديمة، وقبائل مشتركة، وإنها بدأت تستعدي السودان، وفتحت أبوابها ومطاراتها لدولة الإمارات التي أصبحت الجهة الأكبر التي تمد الميليشيا بالتمويل والسلاح).
وأشار كذلك لمجموعة الإيغاد التي قال إنها لعبت دوراً سالباً تمثل في استقبال رؤساء دول الإيغاد لحميدتي على مستوى اثيوبيا وكينيا ويوغندا وجيبوتي استقبالاً لرئيس دولة، لافتاً إلى أن هذه الدول لها أجندات مختلفة ومتقاطعة مع المصلحة الوطنية، إلى جانب الاستعداء الواضح من دولة الإمارات، مشدداً على ضرورة أن تبدأ الخارجية السودانية في عمل دبلوماسي خارجي كبير، سواء كان إقليمياً أو على مستوى أوروبا التي لها أجندات ربما لا تكون في مصلحة الوطن، وقال إنها تدعم مجموعة “تقدم” التي تقف مع الدعم السريع والتي تعمل لإعادة إنتاج الإتفاق الإطاري في ثوب جديد، وأن ذلك يعني إعادة إنتاج الأزمة.
ضرورة التواصل
كما رأى سيسي أنه من الضروري الآن أن تبدأ الدبلوماسية العمل في إطار هذه الدول، خصوصاً أن هناك بعض التغيير قد طرأ على سياسة الولايات المتحدة متمثلاً في أقوال المبعوث الأمريكي الجديد، والذي أكد لمن قابلوه أنه غير سعيد بما تقوم به “تقدم”، مضيفاً: (قابلنا أيضاً عدداً من مبعوثي الدول والذين أصبحوا أكثر قناعة بأهمية أن يكون هنالك مؤتمر سوداني سوداني جامع بلا إقصاء، لأنهم شعروا أن الإقصاء هو أحد الأسباب التي أدت إلى الكارثة التي يعيشها السودان الآن)، مؤكداً أن هنالك ضرورة في أن تتواصل الخارجية السودانية مع دول الجوار التي تتقاطع أجندتها مع الأجندة الوطنية، وإعطاء هذا الأمر أهمية قصوى.
كما أكد سيسي أن هذه الأجندات الخارجية ساهمت في تأجيج نيران الفتنة، وقال ندرك تماماً أن الجهة الوحيدة التي عبرها تتحصن قوات الدعم السريع بدعمها وعتادها هي تشاد، وأن هذه الدعومات تأتي للدعم السريع من الإمارات عبر تشاد، مشيراً كذلك لما تقوم به إثيوبيا التي قال إنها أصبحت مركزاً لـ “تقدم” وأن هذا يدل على أن لديها أجندات وسياسات تصاغ ضد إرادة الشعب السوداني، مضيفاً أن الخارج ساهم بشكل أساسي في تأجيج الحرب، كما شاهدنا الثلاثية والرباعية من قبل وكان بإمكانهم أن يوقفوا الاستقطاب السياسي الذي ساهم في الحرب، بل شجعوا (قحت) والإتفاق الإطاري في عملية الإقصاء، ما أدى إلى أن يكون هنالك استقطاباً في داخل المكون العسكري، والذي أدى بدوره إلى التصعيد الذي حدث.
وتابع: من الضروري أن يفهم السودانيون أن هذه القضية سودانية، وأن حلها ينبغي أن يكون داخل البيت السوداني، وأن الأجندة الوطنية ينبغي أن تكون هي الأجندة الطاغية، وأن نأخذ مصلحة السودان في الاعتبار فوق كل شئ، وألا نسمح بهذه التدخلات الخارجية المريبة، وأن هذه الأجندات متقاطعة ومتنافسة، وأن هذا يمكن أن يكون له تداعيات على أمننا القومي وعلى قرارنا الوطني وسيادتنا.
غير ثابتة
بدوره أكد “عثمان ميرغني” رئيس تحرير صحيفة التيار أن العلاقات الخارجية تمثل أحد أوجه ضعف الدولة السودانية في مختلف العهود السياسية التي مرت على السودان. وقال ميرغني لـ ” المحقق” إن هذه العلاقات لا تقوم على المصالح القومية للبلاد، وإنها لا تقوم على دراسة دعم صنع القرار المتعلق بالسياسية الخارجية، وأن كثيراً من القرارات التي تتخذ في هذا الصدد تأتي وليدة اللحظة أو كرد فعل يأتي من إجراء تتخذه الدولة الأخرى، مضيفاً أنه نتيجة لذلك لا يُعرف للسودان في الفترة الأخيرة وحتى اللحظة سياسة خارجية ثابتة أو أي مؤسسة قادرة على صناعة هذه السياسة، وتابع أن وزارة الخارجية هي الممثل في هذه الحالة، ولكنها ليست الجهة التي تصنع السياسة الخارجية، وأن هناك عدة مؤسسات على رأسها المخابرات والاستخبارات العسكرية ووزارة الداخلية والتعاون الدولي، والتي يجب أن تكون شريكة في صناعة السياسة الخارجية.
وتابع عموماً أن هذه القرارات التي تتخذ في هذا الشأن مؤخراً على مستوى فوقي لرئيس مجلس السيادة ، وربما في كثير من الأحيان لاتكون قد تم إتخاذ مزيد من الدراسة في صناعة القرار، لافتاً إلى أن ذلك يجعل هذه السياسة مضطربة بصورة مستمرة تؤدي إلى تحديات ومعضلات تواجه السودان، وقال إن هناك بعض الجهات الخارجية التي لها علاقة أو تأثير على الأزمة السياسية التي تواجه البلاد الآن، مضيفاً أن الملف يدار أحياناً بصورة تفاقم الدور الخارجي السالب أكثر من التخلص منه أو تطويعه، كما يحدث الآن مع بعض الدول، نتيجة للسياسة الخارجية التي تتخذها الحكومة السودانية، والتي لا تساعد في التعاطي الإيجابي الذي يمكن بعد ذلك أن يطوع السياسات الخارجية لصالح الدولة السودانية.
أكثر تعقيداً
أما الدكتور “محمد تورشين” الباحث السوداني والمحلل السياسي فيرى من جهته أن العوامل الخارجية والأجندة المتواطئة مع كثير من المواقف المرتبطة بالحرب أثرت بشكل كبير في تأجيج هذا الصراع وإطالة أمده.
وقال تورشين لـ ” المحقق” إذا نظرنا للأطراف الفاعلة الآن في الصراع نجد داخلياً هناك بعض الأطراف اصطفت بجانب القوات المسلحة، وهنالك بعض القوى الأخرى تدعم الدعم السريع، مضيفاً أن الموقف على المستوى الخارجي أكثر تعقيداً، فالموقف الإماراتي المعلوم المساند لمتمردي السريع بجانب الموقف التشادي وأفريقيا الوسطى، في ظل تأثير الإمارات الكبير على هذه الدول، في مقابل مساندة الدولة المصرية للجيش السوداني، موضحاً أن كل هذه العوامل لها تأثيرها المباشر على مستقبل الصراع، وأن هذا سيكون له ما بعده من فعالية الصراع واستمراره، وأن هذا سوف ينعكس بشكل سلبي على الحرب، وقال أتوقع أن الصراع نتيجة لهذا الاصطفاف سيكون أكثر تعقيدا، وسوف يستمر لفترات أطول نتيجة لتقاطعات المصالح بين الدول الداعمة لطرفي الصراع في السودان.