عام من الحرب في السودان: تقاطع الأجندات الدولية ساعد في تأجيج النيران وإطالة عمر الأزمة (1)
الخارجية السودانية: المجتمع الدولي لا يبذل جهداً حقيقياً للضغط على القوى الإقليمية التي تغذي الحرب
القاهرة – المحقق: صباح موسى
تكمل الحرب في السودان عامها الأول، ولم تضح الرؤية حتى اللحظة متى ستضع هذه الحرب أوزارها، بعد أن تشابكت عوامل عدة في تأجيج نيرانها وإطالة زمنها، وعلى رأس هذه العوامل يكمن تقاطع الأجندات الخارجية في البلاد كأحد أهم الأسباب في إطالة زمن الأزمة، ومنذ بداية الحرب في الخامس عشر من أبريل من العام الماضي، ظهرت قوى إقليمية ودولية تساند وتدعم التمرد بشكل مباشر وواضح، ولم تدخر هذه الدول أي مسعى للوقوف خلف ميليشيا الدعم السريع، سواء كان ذلك بالدعم المباشر بالأسلحة والعتاد والمرتزقة أو بالتدخل في مفاوضات الحل لصالح الدعم السريع، في مقابل وقوف دول أخرى لمنع انزلاق السودان إلى مربع الحرب الأهلية والتفكيك، إلا أن الأطراف التي ساندت الميليشيا كان تأثيرها أقوى وظاهر للعيان، لدرجة أنها واجهت إدانات دولية مبنية على معلومات تؤكد أن هذه الدول هي من ساعدت في تأجيج الحرب.
دعم الميليشيا
حاولت دول إقليمية بعينها خطف مسارات التفاوض من منبر جدة برعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة إلى منبر الإيغاد لسهولة التحكم فيه، وفرض أجندة ترجح كفة الدعم السريع على حساب القوات المسلحة والدولة السودانية، إلا أن الحكومة السودانية هنا لم تماطل ولم تهادن، وقررت على الفور الإنسحاب من منظمة الإيغاد، لمّت ظهر تحكم دول كينيا وإثيوبيا ويوغندا على وجه التحديد في ملف التفاوض لصالح الميليشيا، وعلى صعيد تشاد المجاورة التي تبين مرور الأسلحة والمرتزقة عبر حدودها مع السودان، احتجت الحكومة أيضاً وقامت بطرد دبلوماسيين تشاديين من السودان رداً على خطوة مماثلة بدأت بها إنجمينا، وتبقت الإمارات التي ساعدت بكل طرق الدعم اللوجستية والإعلامية قوات التمرد – بشهادة تقارير أممية ودولية -، في مسعى ظل الأخطر في تأجيج الحرب منذ بداياتها، إلا أن الحكومة السودانية ظلت على مدى أشهر طويلة من الحرب تغض الطرف عن محاولات الإمارات لفرض الميليشيا إما عسكرياً أو بإعادتها من جديد إلى المعادلة السياسية في البلاد عن طريق المفاوضات، حتى فاجأتنا الخارجية السودانية في نهايات مارس الماضي بتقديم شكوى رسمية ضد الإمارات في مجلس الأمن الدولي، بسبب دعمها قوات الدعم السريع في الحرب.
مساندة للجيش
في المقابل اتهمت جهات داخلية وخارجية مصر بالوقوف بجانب القوات المسلحة السودانية، ونددت بعودة العلاقات السودانية الإيرانية، واتهمت طهران بدعم القوات المسلحة بطائرات مسيرة غيرت مسار الحرب لصالحها في الأشهر الأخيرة، إلا أن هذه الجهات لم تستطع إثبات تأجيج القاهرة لنيران الحرب في السودان، في ظل مساعي مصر الثابتة للحفاظ على المؤسسات السودانية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية من أجل الحفاظ على كيان الدولة، ودحضت القاهرة كل الاتهامات الموجهة إليها بوقوفها على مسافة واحدة من الجميع في السودان من أجل الوصول إلى حل يضمن بقاء الدولة السودانية والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها، كما تبنت القاهرة مبادرة لدول جوار السودان حاولت فيها الحفاظ على هذا المسعى، إلا أن تقاطع أجندات بعض الدول المجاورة للسودان حال دون إتمام ذلك، ولم تيأس القاهرة حتى اللحظة من إيجاد مسعى ينهي الحرب في السودان حفاظاً على أمنه وعلى أمنها القومي بالضرورة. في وقت ظلت فيه دول مثل إريتريا وجنوب السودان والجزائر والحكومة الليبية وتركيا على موقفها من مساندة الدولة السودانية لعدم إنزلاق البلاد إلى مربع الفوضى.
مطامع دولية
وعلى المستوى الدولي ظلت مطامع الدول الغربية حاضرة في السودان بقوة، حيث تركت هذه الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي الأوضاع في السودان إلى أن وصلت هذا المربع الخطير، وتحاول الآن التدخل بعد أن وصلت إلى توازن الضعف – في ظنها – لتمرير أجندتها في البلاد، في حين يرى بعض الخبراء أن التعاون السوداني الإيراني ربما أزعج القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ويساوي البعض هنا بين دعم خارجي للميليشيا، وعلاقات الدولة مع دول أخرى، وحتى وإن كانت هذه العلاقات مع إيران، متناسين إعادة علاقات طهران بشكل مباشر مع دول إقليمية على رأسها المملكة العربية السعودية، فماذا يضير عودة العلاقات السودانية الإيرانية، والتي انقطعت من قبل من أجل خاطر الرياض، ولماذا يزعج ذلك الكثيرين، فمن الطبيعي أن توطد أي دولة علاقاتها مع دول لها مصالح معها، في ظل هذا الاستهداف الواضح من دول غربية بعينها ضد الدولة السودانية، فإلى أي مدى ساهم تقاطع الأجندات الدولية في السودان في تأجيج الحرب، وإلى أي مدى يمكنها نزع فتيل الأزمة بعد أن امتدت النيران في مساحات واسعة من أرض الوطن، شردت الميليشيا من خلالها الشعب السوداني مابين قتيل وجريح ونازح وسلب ممتلكات وإغتصاب حرائر.
غزو أجنبي
الخارجية السودانية من جانبها أكدت أن العامل الخارجي هو أهم عامل منفرد أدى لاستمرار الحرب، وأن الدعم المباشر بالأسلحة والمرتزقة والتمويل والإسناد الإعلامي والعلاقات العامة وشراء الولاء السياسي داخلياً وخارجياً هو العامل الأساسي في استمرار الحرب لمدة عام.
وقال مصدر مسؤول من الخارجية السودانية لـ ” المحقق” إن الحرب كان يمكن أن تنتهي في الأسابيع الأولى، وإنه بالمقاييس العادية الدعم السريع كقوة تتبع للجيش السوداني، ونالت حظاً من التدريب، مضيفاً أن هناك قيادات من الدعم السريع منذ اليوم الأول أعلنوا انحيازهم للقوات المسلحة، وكذلك الضباط المنتدبون من القوات المسلحة للدعم السريع عادوا للجيش منذ إطلاق الطلقة الأولى للحرب، ولم تشارك أجزاء كبيرة من الدعم السريع في الحرب، وهناك أعداد كبيرة منها فقدت في القتال وأسرت، وتابع أن الذي جعل الحرب تستمر هو المدد المتواصل للمرتزقة، وأصبحت قوى الدعم السريع التي تقاتل هي في الأساس مرتزقة، وأتى إليها مقاتلون فيما يسمى بـ “الفزع أو الاستعواض” على أساس قبلي وعلى أساس المال، بالإضافة إلى عدة آلاف من المجرمين الذين أخرجتهم الميليشيا من السجون ودربتهم وصاروا جزءا منها، مؤكدا أن الحرب منذ الأسابيع الأولى تحولت إلى ما يشبه الغزو الأجنبي، وأن قواها التي تقاتل مرتزقة أجانب من دول الجوار القريب – ليس بالضرورة لهم علاقة بحكومات هذه الدول -، وأن السلاح نفسه أجنبي، وقال إن الحرب لو كانت بين القوات المسلحة وما كان يعرف بالدعم السريع بحجمه المعروف وبطريقته المعتادة لانتهت في شهرها الأول، لافتاً إلى إصرار قوى إقليمية “معينة” أصبحت معروفة الآن على استمرار الحرب، وهناك ضدها تقارير في مجلس الأمن وغيره ما أدى إلى استمرار الحرب إلى هذه المدة.
السبيل الوحيد
وتساءل المصدر لماذا تريد هذه القوى الإقليمية تدمير البلاد وتفكيكها وتفكيك الجيش السوداني، ولماذا تريد أن تعم الفوضى في السودان بما له من موقع “جيو استراتيجي” مهم جداً ويؤثر على الأمن الإقليمي بشكل كبير، في منطقة البحر الأحمر ووادي النيل والشرق الأوسط، وقال إن الفوضى تعنى انتشار الإرهاب وأشياء كثيرة، فهذه أسئلة تحتاج إلى إجابة وتحليل، فما هي الأجندة الحقيقية لهذه القوى الإقليمية، مضيفاً أن هذا لا يفهم إلا في إطار ما يُعرف بنظرية “الفوضى الخلاقة” والتي لديها منظرين معروفين، ويبدو أن الغرض منها هو تفكيك السودان وإقامة دويلات، وإن هذا يصب في مصلحة إسرائيل بشكل واضح ، ويهدد الكيانات التي لا تزال صامدة في المنطقة، وتابع نعلم الدول التي تعرضت للتجزئة والتقسيم والإضعاف، وتبقت دول قليلة صامدة، ويبدو أنه الأجندة الحقيقية هي تحول منطقتنا إلى دويلات ضعيفة ومتشاكسة ومتنازعة ومرتع للأنشطة الإرهابية والجريمة المنظمة وتهريب البشر، مؤكداً أن هذا هو التفسير المنطقي الوحيد لدور القوة الإقليمية التي تصر على استمرار الحرب في السودان كل هذه المدة، وأضاف: لقد أصبح دوره هذه الجهة الإقليمية موثقاً على مستوى مجلس الأمن وخبراء الأمم المتحدة والصحافة العالمية ومداولات الكونجرس الأمريكي ومجلس العموم البريطاني، وأن كل العالم أصبح يعرف من هي القوى التي تقف خلف ذلك طيلة هذه الفترة، موضحاً أن المرتزقة أتوا من دول الجوار القريب والبعيد ومن دول الشرق الأوسط الكبير، مؤكداً أن أقصر الطرق لوقف الحرب في السودان هو أن يضغط المجتمع الدولي على القوة الإقليمية التي تصر على استمرار امداد الميليشيا بالمقاتلين والأسلحة والتمويل لكي تتوقف عن ذلك، مبيناً أن السودان بدأ جهوداً على مستويات مختلفة لتحييد هذه القوى، والإقناع بأن هذه معادلة مدمرة ومضرة بكل مصالح المنطقة، ومصالح هذه الدولة نفسها، وقال يبدو أن المسألة تحتاج لتدخل أكبر من المجتمع الدولي والذي يتعامي عن هذه الحقيقة حتى تقرير خبراء مجلس الأمن المستقليين، لمراقبة حظر السلاح على دارفور بموجب قرار 1591، بوضوح كيفية وصول الأسلحة والمقاتلين وحجم ما ارتكب من جرائم، لكن – لأسباب – القوى الدولية الكبرى تتجاهل هذا التقرير، ولا يبذل جهد حقيقي للضغط على القوة الإقليمية التي تغذي الحرب في السودان للتوقف عن ذلك. مضيفا أن هذا هو السبيل الوحيد لايقاف الحرب سلما، مؤكدا أن القوات المسلحة، في نهاية المطاف، قادرة على هزيمة هذا المخطط وفرض إرادتها.