عبدالله حمدنا الله في الراديو والتلفزيون
السر السيد
يمثل البروفسير الراحل عبد الله حمدنا الله حالة جديرة بالتأمل عند النظر إليه من حيث موقعه فى الحركة الأكاديمية والثقافية في السودان، فبرغم حضوره فى الأوساط الأكاديمية والوسائط الإعلامية إلا أنه ظل عصياً على “التحديد” بمعنى “التخصص” فهو يتبدى عبر مجالات شتى، فهو الناقد الأدبي وهو المؤرخ وهو الخبير فى الدراسات السودانية..
هذه التعددية فى المجالات فى حالته تكشف عن فعلين مهمين على صلة ببعضهما البعض، الأول: فعل القراءة والتي هنا هى قراءة ناقدة بامتياز ، فبالنظر إلى ما قدم يمكن وصفه بالقارئ العليم والثاني فعل الكتابة والتي تكاد تكون فى حالته قليلة جداً بالنظر إلى ما قاله شفاهة، فهو مثلاً وبرغم حراكه الثقافي الكبير لم ينشر ولا حتى كتاباً واحداً، وهو أمر جدير بالتأمل، صحيح انه كتب ونشر عدداً مقدراً من الدراسات والبحوث والمقالات ولكنه بالمقابل تكلم أكثر مما كتب، فنظرة سريعة إلى ما أثاره من قضايا وموضوعات نجد رهانه الأكبر كان على المشافهة، فقضايا وموضوعات الأدب السوداني خاصة النثر والشعر والسرد والنقد وقضايا جذور القومية السودانية وأبعاد العلاقات بين مصر والسودان وفن الغناء في السودان، ومراجعاته حول الحركة الوطنية فى السودان كثورة 1924 ومؤتمر الخريجين ورموزهما والصحافة السودانية، والتى مجتمعة – أى هذه القضايا والموضوعات – مثلت مشروعه الثقافي أو فلنقل النقدي كما أرى، كل هذه القضايا والموضوعات حكى معظمها عبر الراديو والتلفزيون..
هذه “المشافهة” التى تميز بها هي التي حفظت إنتاجه النقدي، فبمراجعة سريعة إلى الإذاعة القومية، نجد أن البروف حمدنا الله قدم عبرها مشروعه الأساس فى النقد الأدبى وذلك عبر برنامج “أمسيات أدبية” الذى قاربت حلقاته المأتين حلقة، وهو برنامج رصد فيه نشأة وتطور النثر والشعر السودانيين منذ دولة الفونج وإلى الآن إضافة إلى رؤاه النقدية وملاحظاته حول الحركة الوطنية والحركة الأدبية والصحافة السودانية، وقد بُث هذا في العديد من البرامج كبرنامج “منازل القمر” وبرنامج “سهرة فكرية” وبرنامج “شهادات خاصة” وبرنامج “قراءة ثانية” وغيرها أما فى القنوات التلفزيونية فنقف على ما أدلى به فى قناة سودانية 24 حول فن الحقيبة، وغناء البنات فى برنامج “حال البلد” أو حديثه حول جذور القومية السودانية فى برنامج “تداعى حر” أو كلامه حول محمد أحمد محجوب ومناقشته لمذكرات عبد الماجد أبو حسبو فى برنامج “الوراق” أو كلامه عن العقاد الذى قاله في محاضرته التى قدمها فى “معهد العلامة عبد الله الطيب” وبثتها قناة سودانية 24 والتى كانت بعنوان “اثر العقاد فى الحركة النقدية فى السودان” ..هذا غير الافادات التى قدمها حول موضوعات مختلفة ومهمة كالتى قدمها عن الراحل محمد إبراهيم نقد فى قناة النيل الأزرق.
نلاحظ وبالقليل من المقارنة بين ما كتب وقال، إن ما قاله البروف حمدنا الله كان أكبر من حيث التنوع ومن حيث الكم ومن حيث قربه من مشروعه الأساس، فحمدنا الله من وجهة نظري يمكن وصفه بالناقد الموسوعي الذى ينظر إلى الظاهرة عبر علاقاتها كلها مستخدماً منهجاً متكاملاً يجمع بين الاجتماعي والسياسي والثقافي والجمالي .. هذه المنهجية المحيطة ربما تجعلني أقول: إن حمدنا الله يمكن اعتباره واحداُ من أميز الذين اشتغلوا فى ما يعرف “بالدراسات السودانية” وبالتاريخ الاجتماعي.
بقى أن أشير إلى أن حمدنا الله كانت له ميزة لم تكن عند غيره بالقدر المطلوب وهي الحديث عن الشخصيات وليس الوقوف على انتاجها فقط، فكثيراً ما قدم ملاحظات ذات طابع شخصي عن شخصية ما وهو يدرس إنتاجها الأدبي أو الفكري أو موقفها السياسي، فمن الشخصيات التى لاحظت أنه يكثر الحديث عنها وتعتبر من ضمن نسيج مشروعه النقدى، العقاد /السيد عبد الرحمن المهدى/على عبد اللطيف/سعد زغلول/محمود القباني/معاوية نور/أحمد خير المحامي/المؤرخ محمد عبد الرحيم/الأمين على مدني/التجاني يوسف بشير/ إبراهيم العبادى.
ختاما أقول: سيكتشف كثيرون أن عبد الله حمدنا الله سيشكل سؤالاً كبيراً وسيكون مثيراً للجدل أكثر مما كان وهو حي بيننا.
ويبقى السؤال: لماذا راهن حمدنا الله على المشافهة أكثر من الكتابة؟ هو السؤال الذى يحتاج إلى إجابات.