تقارير

عقار في روسيا وكباشي في غرب أفريقيا.. السودان يتجه شرقاً بتوقيت موسكو

القاهرة – المحقق – صباح موسى

 

يتجه السودان في الفترة الأخيرة إلى مزيد من توطيد العلاقات مع روسيا، في محاولة جديدة لتحريك مؤشر العلاقات الخارجية إلى المعسكر الشرقي، وسط مطالبات بعدم الممانعة لوجود قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، في مقابل وعد موسكو للتزويد بالسلاح.

 

تقارب العلاقات

 

العلاقات بين البلدين بدأت في التقارب بعد زيارة المبعوث الروسي إلى بورتسودان نهاية أبريل الماضي، والتي قدم فيها دعماً غير محدود لحكومة البرهان، وأعلن تأييد موسكو لها، ولمزيد من التقارب بدأ نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مالك عقار زيارة أمس الأول “الإثنين” إلى مدينة “سان بطرسبورغ” الروسية في زيارة رسمية تستغرق عدة أيام، للمشاركة في فعاليات الدورة السابعة والعشرين للمنتدى الاقتصادي الدولي بالمدينة ووفقاً لإعلام مجلس السيادة، فإنّ عقار سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسيسلمه رسالة من رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، في وقت يزور فيه شمس الدين كباشي عضو مجلس السيادة ونائب القائد العام للقوات المسلحة السودانية إلى كل من مالي والنيجر الدولتان الحليفتان لروسيا، وذلك بالتزامن مع جولة يقوم بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى كل من بوركينافاسو والكونغو برازفيل وغينيا وتشاد، فالى أي مدى يمكن الربط بين كل هذه التحركات وبين المزيد من تطبيع العلاقات بين روسيا والسودان.

 

محطة عسكرية روسية

 

وتأتي زيارة عقار إلى روسيا في ظل تصريحات لمسؤولين سودانيين غير معترضين على بناء قاعدة روسية في البحر الأحمر، وسط معلومات رشحت في بورتسودان -وفق مصادر تحدثت لـ ” الشرق”-، عن مسودة اتفاق سوداني روسي يمنح روسيا مركز دعم فنيا ولوجستيا عسكريا على البحر الأحمر، ويمتد هذا الإتفاق لـ25 عاما، تنتهي برغبة أحد الطرفين في إنهاء الإتفاق، وتنص مسودة الاتفاق المسربة على ألا يتعدى التواجد الروسي 300 فرد فقط، وألا يتعدى عدد السفن الموجودة بنقطة الدعم الفني 4 قطع في آن واحد

في مقابل منح روسيا للجيش السوداني عتادا حربيا.

 

زيارة كباشي

 

كما تأتي زيارة كباشي لكل من مالي والنيجر بعد تصريحات مسؤولين سودانيين بأن فرنسا تهدف إلى جمع عرب الشتات من غرب أفريقيا وتوطينهم في دارفور، وأن الحرب الدائرة بالبلاد الآن هي بداية هذا المخطط، وربط خبراء تحدثوا لـ ” المحقق” بين زيارة كباشي وبين هذه الفكرة، موضحين أن الوفد الأمني لـ ” كباشي” سوف يناقش في باماكو ونيامي هذا الموضوع، ولم يستبعدوا تنسيق روسي لهذه المباحثات للسودان مع دول غرب أفريقيا.

 

زيارة عقار

 

وعن زيارة عقار لروسيا أوضح محمد الغرالي سراج السفير السوداني بموسكو أن الزيارة للمشاركة في فعاليات الدورة السابعة والعشرين من منتدى سانت بطرسبورغ الإقتصادي الدولي في الفترة من 5:8 يونيو الجاري. وقال سراج لـ “المحقق” إن هذه الزيارة تكتسب أهمية خاصة في ظل العلاقات المتطورة بين البلدين، والتي نسعى إلى تطويرها إلى آفاق أرحب في كافة المجالات، مضيفا أن الزيارة تحظى بمستوى رفيع لحكومة السودان برئاسة نائب رئيس مجلس السيادة وعضوية وزراء الخارجية والمالية والمعادن، وأن الوفد سينخرط في فعاليات المنتدى ويشارك في الجلسات كل حسب تخصصه، وتابع أن عقار سوف يشارك في الجلسة المخصصة لحوار روسيا أفريقيا، وهي معنية بتطور العلاقات الروسية الأفريقية في إطار سعي روسيا لتطويرعلاقتها مع أفريقيا من النواحي السياسية والإقتصادية وتبادل المنافع، لافتا إلى أن روسيا تنطلق في هذه الأنشطة من موجهات عمل سياسيتها الخارجية التي ترفض التدخل في الشؤون الداخلية، وتنادي بمبدأ السيادة المتساوية بين الدول، وإلى إقامة علاقات قائمة على المصلحة والمنفعة المشتركة، مشيرا إلى أن هناك تجاوبا أفريقيا للأطروحات الروسية، وأن روسيا ابتدرت فاعلية هامة جدا وهي القمة الروسية الأفريقية التي انعقدت في مدينة سانت بطرسبورغ في يوليو من العام الماضي، وشارك فيها عقار ممثلا لجمهورية السودان، لافتا إلى أن أهمية هذه الجلسة تأتي في استعراض مستوى التقدم في العلاقات الروسية الأفريقية ومراجعة خارطة الطريق التي أقرتها قمة العام الماضي.

 

اعادة الإعمار

 

وابان السفير السوداني بموسكو أن عقار سيتناول في هذه الجلسة رؤية السودان كدولة هامة في أفريقيا العلاقات مع الجانب الروسي، وقال إن المهم في الزيارة أيضا هي اللقاءات الثنائية التي تنعقد على هامش المنتدى، وأنه سيكون هنالك لقاءات لرئيس الوفد السوداني مع قيادات رفيعة في الحكومة الروسية، وكذلك لقاءات أخرى لأعضاء الوفد لتناول مسار العلاقات الثنائية في المجالات المحددة لكل وزير، موضحا أن أهمية مشاركة السودان في هذه التظاهرة الاقتصادية الهامة هو أن السودان يحتاج أن يكثف جهوده في مسألة إعادة الإعمار بعد إنتهاء الحرب، وقال إن المنتدى يمثل نقطة بداية هامة جدا للفت انتباه القطاع الإقتصادي ورجال الأعمال والشركات للفرص الواعدة في المساهمة في إعمار السودان، مؤكدا أن مشاركة السودان مهمة وذات مردود ايجابي كبير على البلاد وعلى العلاقات السودانية الروسية، مبينا أنه سيتم التباحث حول توقيع مذكرة تفاهم مع جامعة سانت بطرسبروغ للتعدين، وكذلك التباحث والتفاوض حول اتفاقية للتعدين مع مؤسسة روس جيولوجيا، ولم يرغب السفير السوداني بموسكو في الحديث عن مركز الدعم الفني لروسيا على البحر الأحمر، إلا أنه أكد قبل أيام في حواره مع وكالة ” سبوتنيك” أن السودان لن يتخلى عن التزامه بانشاء قاعدة روسية بحرية في البحر الأحمر، وأنه سيتم تنفيذ المشروع.

 

عرب الشتات

 

من جانبه استبعد عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار أن يكون هدف زيارة كباشي لغرب أفريقيا هو منع توافد عرب الشتات وقتالهم بجانب الدعم السريع. وقال ميرغني لـ ” المحقق” لا أظن أن يكون هذا الموضوع هو الملف الرئيسي في الزيارة، وأن هذا الموضوع بعض أوهام عند السودانيين، وأنه ليس هناك دلائل واضحة عليه، مضيفا أن من يقاتلون مع الدعم السريع من هذه المناطق يأتون بدون علم حكوماتهم، معربا عن اعتقاده أن زيارة كباشي لغرب أفريقيا تأتي في إطار الترتيبات السياسية من جانب روسيا حول ملف السودان بالمنطقة، وأن هذه الترتيبات تأتي في إطار الحرب الباردة من البوابة الأفريقية، منوها أن روسيا يمكن أن تضمن التزام حكومات مالي والنيجر بعدم توافد المقاتلين للحرب في السودان، وأن محادثات كباشي وحدها لن تحقق هذا الالتزام.

 

تهويل كبير

 

واعتبر رئيس تحرير صحيفة التيار أن موضوع القاعدة الروسية على البحر الأحمر به تهويل كبير، وقال إنها مجرد محطة للتزويد بالوقود والاستراحة تشمل 4 سفن و300 جندي روسي فقط، وإن خدمات هذه المحطة محدودو، إلا أن ميرغني عاد وأكد أنها تعتبر موطئ قدم لروسيا على البحر الأحمر، وأنها في النهاية علاقة مباشرة مع روسيا في مكان مهم، وقال إن عقار سيسعى لإنهاء تجميد الإتفاق مع روسيا حول هذه المحطة والتي تم التوقيع عليها أواخر عهد البشير، إلا أن المجلس العسكري قد جمدها بعد الثورة في عام 2019، في مقابل الحصول على صفقات سلاح.

 

تمدد النفوذ

 

في المقابل يؤكد الدكتور خالد التجاني الكاتب الصحفي والمحلل السياسي أن زيارة كباشي لكل من مالي والنيجر له صله كبيرة بتوافد المقاتلون الذين يشاركون في الحرب في السودان. وقال التجاني لـ ” المحقق” إن الأهداف الأخرى للزيارة تتعلق بطبيعة الأنظمة العسكرية الخارجة من السيطرة الفرنسية في المنطقة، وكذلك تمدد النفوذ الروسي في الساحل الأفريقي، لافتا إلى أن التقارب بين السودان وهذا الدول سيأتي بتنسيق روسي، مشيرا إلى إشارة المسؤولين السودانين للدور الفرنسي في الحرب بالسودان، وقال إن من أسباب الزيارة أيضا هو الإعتماد على انحسار النفوذ الفرنسي في مقابل تمدد الروسي بالمنطقة.

 

تحالفات جديدة

 

وربط التجاني بين جولة نائب وزير الخارجية الروسي وزيارة الكباشي لها، ولم يستبعد التنسيق الروسي لهذه الزيارة، مؤكدا أن كل القرائن تشير إلى أن السودان بدأ يخلق تحالفات جديدة، وعن المركز الفني اللوجستي لروسيا على البحر الأحمر قال التيجاني إن هناك تفاهمات سابقة مع موسكو حول هذا الموضوع، وأن هناك محاولات سودانية للاستفادة من هذه التفاهمات مرة أخرى في إطار أوسع على المستوى العسكري، متسائلا مالذي سيحصل عليه السودان من التواجد الروسي على البحر الأحمر، وأجاب بأن ذلك سيكون بمقابل حصول السودان على مساعدات اقتصادية من روسيا، وأن الأخيرة لديها اهتمام بالذهب، معتبرا أن هذا الاتفاق سوف يضمن لروسيا مواصلة تدفق الذهب إلى موسكو، في مقابل حصول السودان على الأسلحة الروسية، وقال إن كل ذلك مربوط بالاتفاق على النقطة اللوجستية على البحر الأحمر، مجددا التساؤل عن الاستغراب بوجود قواعد عسكرية روسية على البحر الأحمر، وقال إن جيبوتي لديها 6 قواعد عسكرية على البحر لروسيا وأمريكا والصين وغيرها، مضيفا لماذا يمنع السودان هو الآخر من الاستفادة من موقعه الجغرافي، موضحا أن السودان جمد هذا الاتفاق مع روسيا لانتظاره لعب أمريكا دورا بديلا، وقال ولكن أمريكا لم تفعل، ويبدو أن العسكريين في السودان قد يأسوا من الأمريكان تماما، ولذلك توجهوا إلى روسيا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى