رأي

كادقلى على حافة المجاعة(1)؟!

محمد الزبير إسماعيل

 

قد يندهش المرء لهذا العنوان الذى يتبادر إلى الذهن أنه مجاف للواقع فى بلد أرضها من أخصب بقاع الأرض، ولكنها الحقيقة الماثلة، ليس ذلك بسبب عوامل الطبيعة والمناخ وإنقطاع الغيث! ولكنه بفعل الإنسان وبما كسبت أيدي بني جلدتنا.

ملامح الأزمة بدأت تتكشف بُعيد تمرد مليشيا الدعم السريع فى الخامس عشر من أبريل 2023 الذى عمد إلى شل الحياة تدريجياً حينما أطبق على العاصمة وأوقف دواوين الحكومة وعطل المصانع والمشاغل وأغلق الأسواق وهجر الأيدي العاملة ومن ثم نهب الموارد وقتل وسلب المواطنين العزل. وبهكذا أفعال إنقطع المصدر الأول والأهم لتغذية بقية ولايات البلاد و مدها بالدواء والوقود.

ونتيجة لهذه الأوضاع هربت أعداد ضخمة من سكان العاصمة المثلثة (الخرطوم) الذين تعود جذورهم إلى ولاية جنوب كردفان/جبال النوبة من جحيم الحرب وعواقبها أملاً فى أن يجدوا الملاذ الآمن والغذاء، إلا أن المفاجأة كانت إقدام الجيش الشعبى التابع للحركة الشعبية شمال على شن هجمات واسعة تراجعت على إثرها عدد من الحاميات والمواقع العسكرية التابعة للقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى إلى داخل المدن الرئيسة لتضرب الحركة الشعبية حصاراً شبه كامل على مدينة كادقلي ومن ثم مهاجمتها أكثر من مرة فى محاولة منها لإسقاطها والسيطرة عليها إلا أنها فشلت نتيجة إستماتة القوات المسلحة والقوات النظامية والمواطنين ،فلجأت الحركة الشعبية إلى قطع الطريق القومى عند مدينة (الكرقل ) ولم تسلم مدينة الدلنج هي الأخرى من هجوم الجيش الشعبى المتكرر إلا إنها قد فشلت كذلك فى السيطرة عليها. ولكنها بقيت تحاصر تلك المدن وتستهدفها من وقت لأخر بالقصف المدفعي.

وفوق كل هذا الحصار زاد حصار مليشيا الدعم السريع التى تستطير على الطريق القومي من تندلتى إلى الدبيبات ومن أم درمان إلى بارا. وقد حاولت هي الأخرى الاستيلاء على مدن العباسية والدلنج ولكن الرد كان قاسياُ من قبل القوات المسلحة والقوات النظامية كافة وبعض القادة الميدانيين وأفراد من الجيش الشعبى الذين لم يساوموا فى حماية أهلهم وأراضيهم ليقاتلوا جنباً إلى جنب مع الجيش فى موقف قلب الموازين وحسن بعضاً من نظرة المواطنين تجاه موقف الحركة الشعبية من حرب الجنجويد، ولكن الموقف الرسمي للحركة الشعبية شمال ما يزال غير واضح ويمثل أحد أذرع الأزمة.

مما جعل الجيش السوداني منكمشاً ومكبلاً داخل المدن الرئيسة لتستغل المليشيا هذا الوضع محدثة الكثير من الأضرار والمجازر فى عدد من القرى والمناطق كما حدث مؤخراً بكل من التنقل الزليطاية والتيتل حيث راح ضحيتها ما يقارب المئة شهيد من المواطنين العزل إلى جانب عدد من الجرحي والمفقودين علاوة على ما طال هذه القرى من حرق سلب و نهب وماتزال بعض المناطق شرق دلامي مهددة من قبل المليشيا الإرهابية.

وإزاء هذه الأحداث بدأت الحياة بولاية جنوب كردفان عامة وعاصمتها خاصة فى التراجع بداية بإنقطاع التيار الكهربائي بسبب نفاد (الفيرنس ) الوقود الثقيل الذى يُعمل به فى تشغيل محطة كادقلى الحرارية، لتستمر المعاناة فى التدرج بتوقف صرف المرتبات للعاملين بالقطاع الحكومى منذ مايو الماضى!!! والحياة تتنقل فى الإنحدار من مرحلة شح العملة إلى إنعدام السيولة وصولاً إلى مرحلة الندرة فى المواد الغذائية ومتطلبات الحياة الا من بعض الإحتياجات التى تاتي من جنوب السودان عبر سوق النعام عن طريق القطاع الغربي والذى لا يقل خطورة فى ظل إجتياح متمردى الدعم السريع لمطار بليلة وبعض محليات ولاية غرب كردفان المتاخمة لجنوب كردفان.

هذه العوامل والأسباب مجتمعة وبعد مضي عشرة أشهر من إندلاع الحرب نجدها عقدت الأوضاع الإنسانية بجنوب كردفان إلى أقصي حد وجعلت الأحوال على أسوأ مايكون فى كادقلى بالذات و التى يتضور مواطنيها جوعاً بسبب إرتفاع أسعار الذرة حيث بلغ الجوال نحو مائة ألف جنيه، وكذلك الدقيق الذى يكاد يكون منعدماً تماماً. حيث أن الخطر لا يكمن فى شح الغذاء فحسب، فالوضع الصحى هو الأخر بأت فى أسوأ حالاته وذلك بتوقف(مركز غسيل الكلى، بنك الدم) علاوة على العديد من مراكز الطواري والمستشفيات التى هجرها الأطباء والكاودر فأصبحت بلا دواء ولا أطباء وهنا يزداد العناء.

نذر الوضع الكارثى المحتمل أضحت عياناً بياناً وفقاً لما رشح فى بعض الوسائط و المصادر غير الرسمية وبيانات منظمات المجتمع المدنى المحلى ترؤي قصصاً مأساوية فحواها أن (رجلاً لديه ثمانية أبناء أشكلت عليه الحياة فعرض احد أبناءه للبيع ) ليسد رمق إخوته ليتكفل أحد الخيرين من التجار بشراء جوال ذرة وإعطاءه لهذا الرجل كيطعم أسرته ، من الواضح إن إنقطاع شبكات الإتصالات يحجب عننا واقعاً مؤلماً تعيشه مدينة كادقلى إلا من بعض الأخبار والقصص التى تتسرب إلى الميديا.

ونحن اليوم فى حيرة من أمرنا حيال هذا الصمت المريع فى ظل هذه الأوضاع من قبل حكومة الولاية والمنظمات الإنسانية الأممية والمحلية .

وبما أن هنالك تحركاُ محدوداً من قبل بعض منظمات المجتمع المدنى التى جأت تنذر بالخطر كوفد إتحاد عام النوبة برئاسة الفريق/ محمد مركزو كوكو المتواجد بالعاصمة الإدارية بورسودان وبعض النقاشات التى تدور فى أروقة هيئة كردفان الشعبية لنصرة الوطن المنشأة حديثاً بغرض إسناد القوات المسلحة والإستجابة للاوضاع الإنسانية.

وهنا لا بدء أن نطلق صافرات الإنزار المبكر ونوجه النداءات الملحة إلى المجتمع الدولي والضمير الإنساني العالمي فى أن الإنسانية لا تتجزأ الإنسان فى السودان هو ذات الإنسان فى اليمن و أوكرانيا وغزة ، إلى السيد أنطونيو غوتيريش كادقلى تنادي جبال النوبة تنادى السودان ينادي.

ومن ثم نتوجه بالنداء إلى القائد العام للقوات المسلحة ورئيس مجلس السيادة إن إنقاذ أهلنا يستحق إستخدام جميع الوسائل وتسخير كل الإمكانيات ويجب أن نسلك من أجل ذلك السبل كافة (براً وجواً) .

ولا نستثنى من هذا النداء أبناءنا فى جنوب كردفان بكل أحزابهم وطوائفهم ومنظماتهم إن الحصة وطن فالوطن هو السودان أولاً وجنوب كردفان ثانياً وكادقلى الآن الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى