معسكر زمزم: تحت القصف والجوع.. أين المفر؟

المحقق – خاص
بين القصف المدمر والجوع المميت، يكابد سكان مخيم زمزم للنازحين في الفاشر بولاية شمال دارفور- غربي السودان، أوضاعاً بالغة القسوة، تفاقمت حدتها خلال الأيام الأربعة الماضية مع تعرض المعسكر لقصف من مليشيا الدعم السريع المتمردة التي استخدمت للمرة الأولى صواريخ متوسطة المدى.
ويبدى نازحون في المعسكر المكتظ مخاوف جدية من ارتكاب مليشيا الدعم السريع جرائم تطهيرعرقي حال تمكنها من إقتحام المكان.
فمنذ مطلع ديسمبر الجاري، تشن مليشيا الدعم السريع هجمات عن طريق المدفعية الثقيلة على المخيم الذي يبعد نحو 16 كلم جنوب غرب الفاشر مما أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص وإصابة ما لايقل عن 16 آخرين حتى الآن وفقاً لناشطين.
ويأوي المعسكر، طبقاً للإدارة العليا للمخيم ما يقرب على المليوني نازح بعد وصول أعداد كبيرة من سكان مدينة الفاشر، حيث كان يُعتقد ان المخيم هو المكان الأكثر أمناً في الولاية ، لكنه في المقابل ظل يواجه أزمة غذائية طاحنة أدت لتفشي المجاعة فيه على نطاق واسع وفقاً لمنظمات دولية.
وكشفت حكومة ولاية شمال دارفور، (الأثنين) عن وجود مخطط من متمردي الدعم السريع، ومليشيات مسلحة موالية لها ومنظمات مجتمع مدني لتفريغ المعسكر من النازحين تمهيدًا للانقضاض على الفاشر من الجزء الجنوبي وإسقاطها، حيث يمثل المعسكر شرياناً للتواصل بين الفاشر ومناطق شرق جبل مرة التي تسيطر عليها حركة تحرير السودان قيادة عبد الواحد نور.
وقال والي شمال دارفور حافظ بخيت في تصريحات صحفية إن خطة تفريغ “زمزم” بدأت منذ فترة تحت دعاوى حماية المدنيين عن طريق بعض المنظمات التي تولت ترحيل النازحين إلى المناطق الخاضعة لسيطرة حركة عبدالواحد نور في شرق جبل مرة تحت إشراف فصائل مسلحة هي تجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر، و حركة تحرير السودان- المجلس الإنتقالي- برئاسة الهادي ادريس وفصيل منشق من العدل والمساواة يرأسه سليمان صندل.
وتتهم الحكومة السودانية هذه الحركات بموالاة الدعم السريع ومساندته في مخططاته المناوئة للجيش والقوة المشتركة، بينما يؤكد قادة هذه التنظيمات التزامهم جانب الحياد في الحرب والدعوة لوقف القتال وحماية المدنيين.
وقال الوالي إن خطة هذه الحركات فشلت ما دفع مليشيا الدعم السريع وداعميها إلى الإنتقال للخطة الجديدة وهي قصف المعسكر بقذائف من مناطق بعيدة.
وفي المقابل يبرر متحدث باسم قوات الدعم السريع المتمردة قصف مخيم زمزم باحتماء القوة المشتركة المؤلفة من مجموعة حركات مسلحة تساند الجيش بالمخيم واتخاذ النازحين دروعًا بشرية.
وزعم بيان صدر (الأثنين) بواسطة مليشيا الدعم السريع عن إقامة المشتركة ارتكازات عسكرية وسط المدنيين، وأشار إلى أن قواتهم سبق أن حذرت منذ وقت مبكر من مخطط الحركات المسلحة لتحويل معسكر زمزم للنازحين إلى ثكنة عسكرية.
وأفاد مصدر مستقل “المحقق” مفضلا حجب إسمه لدواع أمنية إن هناك وجود عسكري لبعض الحركات المسلحة داخل معسكر زمزم، منذ التوقيع على إتفاق جوبا للسلام في أكتوبر 2020.
وأكد أن حركة تحرير السودان قيادة مني أركو مناوي، لديها معسكر مجاور للمخيم، كما أن فصيل تجمع قوى تحرير السودان بقيادة الطاهر حجر لديه وجود عسكري كبير داخل المخيم حيث للحركة قاعدة عسكرية ضخمة هناك.
وفي سؤال حول حقيقة إنسحاب عناصر من القوة المشتركة لداخل المعسكر بعد التطورات الميدانية في الفاشر أجاب بقوله ” جنود وضباط القوة المشتركة يزورون أسرهم بإستمرار حيث يقيم غالبهم في المعسكر ومن ثم يعودون إلى الفاشر”.
وتحدث عن وجود سواتر ترابية اقيمت منذ مايو 2023 لحماية المخيم من هجوم محتمل لقوات الدعم السريع من الناحية الجنوبية.
مخاوف من إبادة
يقول محمد أبكر عبد الرحمن وهو قيادي أهلي في معسكر زمزم لـ”المحقق” إن هناك مخاوف من أن ترتكب مليشيا الدعم السريع المتمردة جرائم على أساس عرقي حال هجومها على المعسكر.
وأكد أن مليشيا الدعم السريع تستهدف عرقية الزغاوة بهجومها المكثف والمتصل على المعسكر بالمدافع الثقيلة بزعم دعمهم وموالاتهم للقوة المشتركة والجيش السوداني.
وتابع “نازحو زمزم مواطنين أبرياء وضحايا حروب يقيمون في المنطقة منذ العام 2004 .. وإستهدافهم بواسطة الدعم السريع يعد جريمة حرب”.
وكشف عن موجات نزوح من زمزم إلى مناطق “شقرة، سلومة، قولو” فيما غادر البعض إلى مناطق في جبل مرة وخزان جديد بولاية شرق دارفور بينما قرر آخرون العودة إلى الفاشر في رحلة نزوح عكسية برغم تراجع الوضع الأمني في المدينة.
وتقول مصادر خاصة إن إدارة المعسكر أخلت أمس (الثلاثاء) السوق الرئيسي، وأمرت القاطنين قرب السوق بإخلاء منازلهم، كما أصدرت قرارا بمنع إستخدام أجهزة ستارلينك – الانترنت الفضائي- لحين إشعار آخر.
دعوات لوقف الاستهداف
وأدان قائد عمليات القوة المشتركة بولاية شمال دارفور عبود آدم خاطر بشدة إستهداف الدعم السريع لمعسكر زمزم بالمدفعية الثقيلة وطالب في بيان (الثلاثاء) بإتخاذ تدابير حاسمة لمنع المليشيات من الاستمرار في إرتكاب الجرائم والإنتهاكات.
وطالب الأمين العام للأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية وشركاء حقوق الإنسان بإتخاذ خطوات فورية للوقوف بحزم إلى جانب من أسماهم “ضحايا مشروع الابادة الجماعية في معسكر زمزم” وإيقاف استهداف المدنيين العزل فورا.
كابوس حي
تعليقا على التطورات في مخيم زمزم قالت منظمة “أطباء بلا حدود” إن الهجوم على المعسكر حوَّل حياة النازحين إلى “كابوس حي”، مع سقوط ضحايا وانتشار الذعر و تزايد النزوح.
وتحدثت في منشور على منصة إكس عن استقبال فرق المنظمة في الأول من ديسمبر 8 مصابين، بينهم نساء وأطفال لا تتجاوز أعمارهم 4 سنوات، يعانون من إصابات خطيرة تم تحويل أربع حالات حرجة إلى منشأة أخرى ، قبل أن يُستأنف القصف ليصيب المناطق القريبة من السوق والمستشفى الميداني التابع لـ”أطباء بلا حدود”.
وأُعلنت المنظمة عن مغادرة المرضى والطاقم الطبي للمعسكر ومحاولتهم الفرار للنجاة بحياتهم.
وأضافت: “أصبح مستشفى أطباء بلا حدود الآن فارغًا، وتم إجلاء آخر ثلاثة مرضى في العناية المركزة”.
وقال ميشيل أوليفييه لاشاريتي، رئيس عمليات الطوارئ في أطباء بلا حدود: “لم يكتف الناس بالجوع، بل يتم الآن قصفهم وإجبارهم على الفرار مجددًا. نحن قلقون بشأن سلامتهم، بما في ذلك موظفونا، وندعو بشكل عاجل إلى حماية المرضى والمدنيين والفرق الطبية والمرافق الصحية في معسكر زمزم. كما يجب ضمان مرور آمن لأولئك الذين يفرون من هذا العنف.”
مجاعة وتدابير يائسة
من جهتها قالت منظمة “أنقذوا الأطفال” إن الأسر التي تعيش في مخيم زمزم تضطر إلى اتخاذ تدابير يائسة للبقاء على قيد الحياة، مثل تناول وجبة واحدة يومياً.
وافادت ان البعض يلجأ إلى تناول علف الحيوانات بعد أربعة أشهر من المجاعة، كما يعاني الأطفال من نقص حاد في الغذاء بعد 19 شهرًا من القتال الذي أثّر بشكل كبير على شمال دارفور المحاصرة، وفقًا للمنظمة.
يُعدّ الذرة الرفيعة والدخن من أكثر الوجبات المفضلة في المخيم، لكن بسبب الأسعار المرتفعة، تضطر الأسر إلى تناول علف الحيوانات المعروف باسم “أنباز”، وهو بقايا الفول والسمسم بعد استخراج الزيت.
كما أن نقص المياه الحاد يزيد من معاناة الأسر في مخيم زمزم، حيث يضطر الكثيرون إلى العيش بأقل من لترين من الماء يوميًا، وهو أقل بكثير من الحد الأدنى المطلوب يوميًا وهو 20 لترًا للشرب والنظافة الصحية.
وأفاد أحد الموظفين العاملين في زمزم بأن الأطفال يعانون من علامات واضحة على سوء التغذية الحاد، بما في ذلك الهزال، تساقط الشعر، انتفاخ الأذرع، تغير لون البشرة، وأعراض إسهال منتشرة.
بالإضافة إلى ذلك، يزداد خطر تفشي الأمراض يوماً بعد يوم بسبب الاكتظاظ في المخيم وتدهور مستويات النظافة، مما يعرّض العديد من الأسر والأطفال للخطر.
وقال محمد عبد اللطيف، المدير القطري المؤقت لمنظمة “أنقذوا الأطفال” في السودان “حتى يوم أمس، كان مخيم زمزم المكان الأكثر أماناً في شمال دارفور للأسر والأطفال. ومع ذلك، استمر القصف والقنابل لليوم الثاني الآن، وهناك تقارير عن سقوط ضحايا، بما في ذلك أطفال”.