رأي

مفوضية الإتحاد الأفريقي وعضوية السودان

د. حسن عيسى الطالب

وفق “إعلان أكرا حول تغيير الأنظمة المنتخبة”، ومبادئ الميثاق الأفريقي حول الديمقراطية والإنتخابات والحوكمة ACDEG الذي أنشئت على أساسه الآلية الأفريقية لمراجعة النظراء APRM والتي انضم السودان لعضويتها منذ عام 2006م، فإن تغيير الحكومات المنتخبة، وبغض النظر والملابسات المحيطة، يتعين رفضه قطعيا، جملة وتفصيلا Zero Tolerance وجاء النص على ذلك في الميثاق:

“..emphasize that unconstitutional changes of government, in any circumstances, should not be entertained or justified.”

هذا النص تحديداً هو ما لم تلتزم به مفوضية الإتحاد الأفريقي في الشأن السوداني، عندما أعلن الفريق أول عوض بن عوف، وزير الدفاع، في أبريل 2019م وعلى شاشة التلفزيون القومي: “الإطاحة بالنظام والتحفظ على رأسه”.

والمعلوم أن الرئيس عمر البشير كان منتخباً ومعترف به من قبل الإتحاد الأفريقي، كما أنه لم يقدم استقالته، فضلاً عن ذلك، فإن د عبد الله حمدوك، هو رئيس حكومة غير منتخبة، ولا هو نفسه منتخب، وكان على رأس نظام حكم وسلطة بدون برلمان ولا مجلس تشريعي. فقد جاءت حكومته عبر تحالف مع عسكريين كانوا هم من أركان النظام السابق، ثم أنه قدم استقالته للشعب السوداني وعلى رؤوس الأشهاد في يناير 2022م، فضلا عن رفضه الصارم لمناشدات المشفقين والحادبين من أهل البلاد للبقاء في منصبه، ومحاولة إصلاح الخلل السياسي الماثل، في وقت برزت فيه بوادر التفكك الأمني السافرة، والتهديد بالحرب من بعض مؤيديه، واستشراء الانتفاضات وتتريس الطرق القومية في معظم الأقاليم في الشرق، ونهر النيل، وكيان الشمال، والجزيرة وغيرها.

وكان د حمدوك قد عزا رفضه التنازل عن قرار الإستقالة بحجة عدم موافقة الحاضنة السياسية التي أوصلته للحكم، فاختار الإمتثال لقرار المنظومة الأيدلوجية الفئوية على الواجب الوطني المقدس للمّ الشمل، وجمع كلمة أهل السودان، واحترام تنوعهم، واعتبار اختلافهم، والذي كان ينبغي أن يقدم على كل اعتبار آخر بنظر الكثيرين، إذا ما كان القصد هو الإصلاح العام والمصلحة العليا ونكران الذات والتسامي بالوطن فوق الحزب والفئة والطائفة والأيدلوجيا.

وعموما فإن الإتحاد الأفريقي يتعرض حاليا لانتقادات قانونية وأخلاقية من جهات حقوقية عالمية، ومن بعض رؤساء الدول والحكومات الأفريقية، ومنظومات إقليمية، تدعو للالتزام بالميثاق التأسيسي الذي يعتبر دستور الإتحاد الأفريقي. وهناك ضغوط دولية على رئيس المفوضية الجديد السيد محمود علي يوسف تطالبه بإجراء إصلاحات هيكلية وتوافقات لحلول واقعية تحفظ كيان الإتحاد من التفكك، ونظرا للواقع الميداني السوداني الماثل حاليا على الأرض، والتأييد الشعبي الذي تحظى به سلطة الأمر الواقع في الشارع السوداني، وباعتبار أن الشعب السوداني هو أصل ومنشأ السيادة، وأن رضاه وقبوله الوفاقي العام عن النظام الذي يحكمه، في هذه الظروف، هو الأساس للمشروعية الذي يتعين اعتماده، ريثما يُصار للانتخابات العامة التي يتوقع أن يراقبها الإتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي، فضلا عن بوادر واحتمالات انتقال الفوضى للدول المجاورة وفي الإقليم بتطاول الحرب المفروضة.

من التخوفات أيضا خروج مجموعة متنامية من دول الساحل الأفريقي بدءا بالنيجر ومالي وبوركينافاسو من بعض المنظمات الإقليمية والتي تعتبر مداميك الإتحاد الأفريقي Building Blocks وهناك تخوف حقيقي من أن تلحق بها أخريات في المنطقة، كما خرجت الدول المذكورة آنفا من منظمة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ECOWAS ورفضت الرجوع إليها حتى بعد رفع تعليق عضويتها، فشكلت تحالف دول الساحل AES وتشرع حاليا في بناء منظومة كونفيدرالية بديلة وفاعلة.

كما أن هناك مشكلة الكونغو الديمقراطية النازفة، وتهديد بعض الدول الأعضاء في مجموعة دول شرق أفريقيا EAC وفي مجموعة السادك SADC من انتهاج حلول مماثلة لدولة الساحل بعد اتهامات من حكومات الكونغو الديمقراطية وبوروندي وجنوب أفريقيا وأنجولا لحكومتي رواندا ويوغندا بالتدخل ودعم مجموعات متمردة مثل حركة M23 لاحتلال مناطق في شرق الكنغو الديمقراطية.

فهناك تخوف واقعي ومحتمل من انهيار المنظمات الإقليمية التي ظلت تتهم بعدم الإلتزام بشعار الإتحاد الأفريقي الجامع:

“حلول أفريقية لمشاكل أفريقيا” كما تتهم مفوضية الإتحاد الأفريقي بالتماهي مع الأجانب وتصدير مشاكل القارة لأطراف أجنبية والتماهي مع أجندتها لفرض حلول سياسية لا تخدم الأجندة الأفريقية 2063 التي تمثل خارطة الطريق الإستراتيجية الأفريقية المتوافق عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى