رأي

هل سنربح حربنا ونخسر سلمنا ؟؟!!

سلمى حمد

بدأت المؤامرة على السودان قديماً .. السودان أرض الثروات .. ثروات باطن الأرض و ظاهرها .. معادن نفيسة و نادرة .. وأنهار و مياه عذبة وأراضٍ خصبة منبسطة وثروة حيوانية نامية .. ورمال غنية بالسيلكون .. مع موقع استراتيجي مميز (ناصية وفاتح على شارعين ..الشرق الأوسط وأفريقيا) و ساحل طويل على البحر الأحمر .كل ذلك مع كثافة سكانية منخفضة نسبياً … مارد ضخم قادر على تغيير أي معادلة يُضاف إليها إذا سمح له بالانطلاق !!

و لذلك و ضعت في طريقه القنابل الموقوتة و الالغام وأُشعلت حربه الأهلية الأولى قبل الاستقلال .. و أنشئت أحزابه الأولى برعاية (قلم المخابرات البريطاني)، أحزاب السادة المتشاكسين أبداً ، المنشغلين بعرقلة بعضهم دائماً ، حتى أطاح بهم الجيش الذي إستدعاه – حينها – بعضٌ منهم .. بدأت خطوات التنمية ومشاريعها على يد عبود فتم إسقاطه .. ليعود المتشاكسون يعرقلون بعضهم وينقلبون على بعضهم بمساعدة الجيش مرة أخرى .. فجاء نميري .. أحمراً ثم أزرقاً ثم أخضراً .. ثم لم تعد هناك مساحة للمناورة .. و ظلت المؤامرة على السودان وشعبه وثرواته تمشي بخطى ثابتة .. وجاء المتشاكسون
هذه المرة والحرب الأهلية التي يغذيها المجتمع الدولي (وأمه أمريكا) ودول الجوار (المكرية) قد بلغت أوجها وتجاوزت مدن الجنوب حتى بلغت تخوم كوستي والدمازين .. وانفتحت شهية جون قرنق حتى المتمة كما هدد .. و بلغ الاقتصاد الحضيض حرباً ومجاعة وفيضان .. والمتشاكسون مازالوا في غيهم القديم .. حتى جاء انقلاب 1989م ليربك حسابات ومخططات المجتمع الدولي تجاه السودان و لتسقط ( آنياً ) مؤامرة ابتلاع كل السودان بأرضه وثرواته مع التخلص من شعبه، وقد عبر عن ذلك جون قرنق مخاطباً قواته ذات انتصار (المسلمين والعرب حايطلعو من السودان زي ما طلعو من الأندلس وزنجبار) ..

فشلت خطة ابتلاع كل السودان حينها و انفصل الجنوب ، لتنفجر حرب دارفور ويستمر الحصار الاقتصادي والعقوبات والسودان صامد بل و يحرز تقدماً و نمواً في مجالات مختلفة .. فأدرك أطراف التأمر الدولي وجوب تغيير مخططاتهم المبنية على فكرة إشعال الأطراف و خلق و تغذية حركات التمرد التي لم تنجح طوال ستين عاماً في إسقاط الدولة في السودان بل ربما زادتها صلابة .. فغيروا قواعد اللعبة ليتم الاسقاط من الداخل عبر مخطط إسناد مدني وإعلامي شامل .. وكانت البداية باستقطاب الشباب عبر منظمات وأحزاب ومبادرات وترشيحهم لتلقي دورات تأهيل وتدريب متخصصة في بعض العواصم الأفريقية و العربية الغرض منها صناعة التغيير عبر منظمات المجتمع المدني والإعلام و تم تدريبهم على (إنشاء المنظمات والجمعيات والمبادرات لاستقطاب المزيد من الأفراد .. و السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي خصوصا فيسبوك عبر “الحسابات الوهمية والتشبيك” لخلق الشائعات والاغتيال المعنوى للكيانات والأشخاص ، والتحكم في سيكولوجية الجمهور وصناعة وتشكيل وتوجيه الرأي العام). بدأت تلك الدورات منذ العام 2012م .. ونجحت المهمة وتمت صناعة مناخ عام مناوئ للنظام و تهيئة الأجواء لثورة ديسمبر ثم تجييرها لاحقاً لصالح جهات بعينها.

وتسارعت خطوات المؤامرة وجاءت بالنسخة الأسوأ من المتشاكسين .. نسخة صنعت على عين المجتمع الدولي وأجهزة إستخباراته ، صنعت بمواصفات معينة ولأهداف معينة .. نسخة اشتروا لها جيشها الخاص ليكون بديلاً للقوات المسلحة و ليخمد كل صوت ممانعة أو مقاومة محتمل .. ولكن .. تصدي لهم الوطنيون داخل وخارج الجيش .. واشتعلت الحرب واستبسل الشعب والجيش وتكسرت على زنودهم النصال .. فسقطت الخطة “A” وهي الانقلاب العسكري (انقلاب الدعم السريع) ثم الخطة “B” الحرب الشرسة غير الأخلاقية لإشاعة الخوف و فرض الاستسلام .. ثم الخطة “C” الضغوط المتواصلة عبر المجتمع الدولي و قوى إقليمية ومحلية لفرض انتصار المليشيا على طاولة المفاوضات المقترحة حتى يتم فرض سلام الأمر الواقع وتظل قوات مليشيا الإمارات و المستوطنيين الجدد محتلين لمدننا وقرانا و بيوتنا دون أن يطالبهم أحد بالخروج . وليتم فرضهم كشريك أكبر في حكم السودان دون أن يحاسبوا على ما قتلوا ونهبوا واغتصبوا وأرهبوا و اذلوا وشردوا ..بل و ستتم مكافئتهم على ذلك فتتنادى تلك القبائل من دول شتاتها لدار استقرارهم الجديدة في ارض السودان المنكوب ..

وإذا فشلت هذه الخطة أيضا فالخطة “D” تسير على قدم وساق وهي ذات الخطة المجربة السابقة خطة “الإسناد المدني والإعلامي” و قد تم إلى الآن تدريب ما يقارب الألفين من الشباب السودانيين في نيروبي وكمبالا واديس أبابا وعنتبي والقاهرة بتمويل من منظمات و وكالات أمريكية وعلى رأسها USAID) أو ما يعرف ب الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية والتي تعمل بتوجيه من (مجلس الأمن القومي الأمريكي) . ثم (NED) الوقف الوطني للديمقراطية والذي يمول بمنحة من الكونغرس ل(USIA ) و هي كالة معلومات الولايات المتحدة (وهي ذات الوكالات والمنظمات التي اعترفت رشا عوض الناطق الرسمي باسم تقدم حينها، بأنهم يتلقون دعماُ منها) . وهدف التدريب الأساسي هو أن يقوموا عقب انتهاء الحرب بذات الدور الذي مارسته قحت سابقاً، فيسيطروا على الساحة السياسية والإعلامية عبر مبادرات ومنظمات وأحزاب بعينها و يجيروا كل ذلك لصالح ذات الجهات التي خططت ودعمت حرب وحريق السودان … فالحذر الحذر فالأمر جد خطير وإن لم ننتبه ولم تنتبه أجهزة الأمن و الاستخبارات وتفضح هذا المخطط وتنشر قوائم بأسماء تلك المنظمات و الجهات والأحزاب التي تجند و تستقطب الشباب لتلك الدورات وأسماء الأفراد الذين تلقوا تلك الدورات فسيكتشف السودانيون متأخرا أنهم انتصروا في حربهم ولكنهم خسروا سلمهم ومستقبل دولتهم لصالح العدو مرة أخرى..

ملحوظة: أينما وجدت مصطلح “المجتمع الدولي” في المقال استبدله بمصطلح [ البلطجة الدولية ] ليستقيم المعنى …

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى