هنا أم درمان… محاسن هذه الدنيا كتاب أنتِ معناه
عارف محمد حمدان
إضاءة مستقبلية ….
تضم هنا أم درمان (إذاعة وتلفزيون) بين جنبيها كل مراحل وتطور وإبداع وإنتاج شعوب السودان، شفاهة وصوتا وصورة:
1- تحتوي المكتبة الصوتية للإذاعة السودانية علي أكثر من 200,000 ساعة من تسجيلات كل برامج الحياة منذ عام 1901 وحتى 15 أبريل، وسنشرح ذلك لاحقاً.
2- تحتوي مكتبة التلفزيون علي أكثر من 90,000 ساعة من البرامج الشاملة لكل مناحي الحياة؛
لذلك كدنا نموت حزناً ..والآن نحيا فرحاً بعودتهما….
هنا أم درمان، كانت وستظل عافية الناس وترياقهم من آلام حياة وطن وأرض لم نر منهما إلا الإحباط والحزن بسبب عدم معرفتنا بقيمتهما طوال حقب تاريخية متتالية رقم الجامعات والشهادات وتجارب الآخرين …إلخ
هنا أم درمان ..ملاذ الحيارى والمحزونين والفاشلين والتائهين من أبناء وطني حينما يرخي الليل سدوله في كل أنحاء بلادي بقراها ومدنها وفرقانها ومغتربيها ..وهي كذلك مجددة حياة العشاق وأهل المغنى والذكريات والغناء الفاره الأنيق ومدح المصطفي .ص. والقرآن في الليالي مع قيام الليل ..هنا أم درمان أحاديث السياسة والمجتمع والحوارات والتاريخ والسهرات الباذخات وذكريات البادية والمدينة ورحلة الشجن والألم والسعد حيث الدراما والقصص وأشعار الماضي والحاضر وتراث الغرب والشرق الثقافي والمادي.. وهي أنيس الرحلة وجمالها للمزارعين والمسافرين والرعاة في خلاهم …والدوبيت يحيي قلوباً تاهت وبعدت عن الحي حيث الحبيبة المصون ….الخ
هنا أم درمان، إذاعة وتلفزيون، خارطة طريق بناء مئات المؤسسات الإعلامية في الشرق والغرب وتأهيل آلاف الكوادر البشرية ..أفريقياُ وعربياً، بل وحتى عالميا، وكفي بذلك اعتراف اليونسكو والأسيسكو.. وغيرها من مؤسسات الثقافة والعلوم والآداب والفنون ..ولصوتها حضور يخلب الألباب..كما قال بذلك الرئيس أحمد سكتوري ..حتي أن المعونة الأمريكية في بداية ستينات القرن العشرين المنصرم وقامت بانشاء مبني هوليوود المصغر حيث إدارة هيئة البث الحالية وهو مبني الإنتاج السينمائي سابقا إذ وجدتها أول وأهم مؤسسة في أفريقيا جنوب الصحراء إيماناً بدورها في الدفاع عن قضايا الأفارقة وهي التي أوجدت صوتاً لكل حركات التحرر الأفريقية الحديثة من الكونقو إلى جنوب أفريقيا إلى كل القارة، ويكفي في ذلك إشادة القائدين الجليلين نلسون مانديلا وجوليس ناييري.
هنا أم درمان..تلفزيون وإذاعة ..عذراً إن تطاولت علي مقامكم السامي في قلوب شعوب كثيرة من المحيط إلى الخليج ..لكنه حب الأمومة والطفولة والزوجة وحلم المستقبل بوطن كبير وعظيم رقم ألم المصيبة والابتلاء والعظيمين اللتان مستا جنابكم العالي حين رأت قوى الإمبريالية والرأسمالية في أعلى مراحل توحشهما بعد انتصاراتهم الكذوبة بقولبة الكون علي حلمهم البئيس بالانتصار النهائي علي إبداع الآخر القادم متناسية سنن الإله وحركة التاريخ ..كما قال البروفسور جيمس برايدل مؤلف كتاب (عصر مظلم جديد) الصادر عام 2021 أعتذر لأني لم أكن قدر مقامكما، ولأنه كتب عنكم علماء وأساتذة الجامعات وخبراء الإعلام والمجتمع والباحثون الكبار من الذين علمونا الحب والحكمة ..وفرح بكما بعد التحرير الباهر ..وهنا نحيي شباب السودان من كل قواتنا النظامية.. فرح كل محبي وعاشقي السلام والاستقرار والتنمية والمستقبل بكل مكونات وتشكيلات مجتمعنا ريفاً وحضراً وآخر لانعرفه لكنه يفرحنا حيث ..هنا أم درمان ..العبور وكسر حواجز السياسة والجغرافيا..لكما الله حافظاُ وراعياً…مع وجدان جمعي لا يفتر بتقديس مقامكم ووجودكم ..لأنه على قناعة تامة من أنكم المؤسسة الوحيدة التي لا يستطيع أحد ان يرميها بحجر في تاريخ شعب يتجاوز العشرة آلاف من الأعوام ..كما يقول الدكتور رياك مشار ،نائب رئيس دولة جنوب السودان في حوار لي معه..ويردد اذا عدنا دولة واحدة فإن ، هنا أم درمان ، هي الرائدة في ذلك… إن شاءالله.
الثاني من مايو 1940..هنا أم درمان ..حيث أرخى التاريخ أذنيه ..إذ تحركت مؤشرات روادي الدنيا لصوت كروان مختلف…هنا أم درمان …
.والتاسع عشر من ديسمبر 1962 فتح التاريخ أيضاً صفحات الإضافة والألق ..بميلاد تلفزيون السودان ..ولِم لا فمن داخل حوش هذه الهيئة، ولد إتحاد إذاعات الدول العربية باستديو الزعيم الأزهري بالإذاعة .. ونشأت فكرة إتحاد إذاعات
وتلفزيونات أفريقيا ..وتبلورت فكرة الوحدة الإعلامية لحركة عدم الإنحياز ..وميلاد إتحاد إذاعات الدول الإسلامية فكرة ورؤية ..وغيرها الكثير من المؤسسات والمبادرات الإقليمية والعالمية لا يتسع المجال لذكرها ..لأنني ساعود إلى ذلك، إن شاءالله.
………………
هنا أم درمان ..إذاعة وتلفزيون …يتأوه تاريخنا وثقافتنا وكينونتنا ..في انتظار العلماء والباحثين وأهل العلم والمعرفة من الأجيال الجديدة ..حيث مفتاح المستقبل.. فالتاريخ سِجل الزمن ومفتاح صياغته للجديد رحلة واقتحاماً ..
في مكتبة الاذاعة السودانية حيث الريادة والإضافة والمعلومة ..يوجد جل عطاء ومساهمات أهل السودان في ميراث الحضارات الإنسانية ..لأننا شعب سماع وشفاهية، عكس الكتابية، هنا أهل السودان بقبائلهم وإثنياتهم وتراثهم واختلافاتهم ..فشلهم ونجاحهم ..آلامهم وأحلامهم ..رؤاهم وأفكارهم..فالمئتي ألف ساعة تتوزع علي:
1- عشرات الآلاف من الساعات للبرامج الفنية والأدبية والغنائية والمنوعات والأشعار والموسيقي بأصوات مبدعي بلادي ..ومعهم آخرون من مبدعي الإنسانية من كل البشر علي كوكبنا …والأمر ينطبق علي مكتبة التلفزيون لكن بسعة أقل لأن الاذاعة سبقته مولداً ونشاة وسهولة…
2- عشرات الآلاف من الساعات للبرامج السياسية والإخبارية لكل تراث الحكومات السودانية من لدن الحكم الذاتي ١٩٥٣ وحتى اليوم من المشروعات والخطط والجهاز التنفيذي والتشريعي ولائياً و قومياً بغض النظر عن ماهية الحكومة ديمقراطية أو دكتاتورية فالأمر متروك للباحثين وأهل المعرفة تقويماً ونقداً وتصحيحاً ..فالهدف العظة والاعتبار….أيضاً نفس الشئ ينطبق علي مكتبة التلفزيون لكن بساعات أقل كما ذكرت سابقاً.
3- عشرات الآلاف من الساعات المسجلة من البرامج الدينية والتاريخية والعلمية والوثائقية في كل مجالات الحياة بالسودان..ونفس الشئ ينطبق علي مكتبة التلفزيون…
4- آلاف الساعات في مجالات متعددة كالحوارات من كل أنواع المعرفة والشخصيات السودانية المختلفة في كل المجالات والقطاعات وكل الأعمار والأمكنة والحقب الزمنية .. ونفس الشئ ينطبق علي مكتبة التلفزيون وإن كان عدد الساعات أقل بحكم العمر والرؤية…
5- عشرات الآلاف من الساعات من برامج التبادل الإذاعي والتلفزيوني مع إذاعات وتلفزيونات العالم منذ نشاة الجهازين كل علي حدة.
6- آلاف الساعات من الدراما إذاعية وتلفزيونية خاصة المحلية..وهناك الدراما الأجنبية ..وطبعاً غالب الدراما إذاعية كما يؤكد ذلك استاذنا القامة رائد إخراج الدراما الإذاعية البروفسور صلاح الدين الفاضل.
7- آلاف الساعات المسجلة لمجالات أخرى يصعب حصرها في هذا المقال الصغير من تلميذ لأساتذة كبار ورواد إبداع على راسهم رائد الإعلام العربي، إذاعة وتلفزيونا، البروفسور علي شمو.
لأهل السودان جميعا ..
ولكل الناس من كل دول العالم …
هذه هي ..هنا أم درمان ،إذاعة وتلفزيون ، أحد أهم أعمدة حفظ التراث الإنساني على الإطلاق خاصة التسجيلات الشفاهية .. قد عادت لأنها أكبر من المحتلين الجدد ..تاريخاً وتاثيراً وحضوراً في الفضاء الإنساني العام..لمدة أربع وثمانين عاماً لم تتوقف.. كانت أكبر من كل شئ ..وما حدث لها مجرد ابتلاء عابر سيبقى ذكرى واعتبار لقادم الأيام والسنين.. ونتمنى أن لا يكون مصير مكتبتها بكل هذه الكنوز والمعارف مصير جرح غائر مازال ينزف ..وهو وثائقنا التاريخية في جامعة درم البريطانية ..أكثر من سبع ألف وثيقة ..التي تبكي للزمن تجاهل الصفوة السودانية لها خاصة من تولوا قيادة الحكومات والوزارات من كل ألوان الطيف السياسي يميناً ويساراً..وكأنها حمل ثقيل يخافون كشف سره مع إنها تجارب ثرة للبناء و الوطنية والتسامي وتخطي عقبات الخلاف وهي من أهم ادوات المعرفة والتصحيح وتدارك الأخطاء والمصير الأسود وإلا لما وقعنا في هذه الحرب الإمبريالية الصدئة.
لكم جميعا أعتذر ..فأنا التلميذ الصغير في هذا الحوش ..هنا أم درمان ..تجاسرتُ وتطاولتُ علي مقام آلاف المبدعين من المذيعين والبرامجيين والمعدين والموظفين والعمال بكل التخصصات ..وكتبت ….. فالتحية والتجلة والانحناء لهذه القامات طوال أربعة وثمانين عاماً سهروا وكابدوا وعانوا حتي الموت لتبقي هنا أم درمان تيار حياة يمنح الأمل لشعوب السودان بأن الدنيا بخير رقم محنتنا في صفوتنا ..وإلا لكنا حماة حق الحياة الحرة والكريمة للعالمين.
التحية لكل الزملاء والأساتذة بالإذاعة والتلفزيون فرداً فرداُ .. والخلود لمن فارق هذه الفانية لأنه عند رب رحيم كريم..
دعوني أخص بعض أساتذتي بالتحية لنبض خاص…
البروفسور علي شمو
البروفسور عوض إبراهيم عوض
البروفسور صلاح الدين الفاضل
الدكتور عمر الجزلي
الأستاذ عوض بابكر
الأستاذ عاصم علي..
الأستاذ معتصم فضل
الأستاذ حسن فضل المولي
الأستاذ طارق البحر
الأستاذة محاسن سيف الدين
بقية النجوم ..كل أهل الاذاعة والتلفزيون ،وكل واحد فيكم لايقل مقامه عن هؤلاء..انتم فوق الزمان والتاريخ والحلم ..بعطائكم وبذلكم وإبداعكم ..لكم الله وهو لن ينساكم لأنكم أصحاب حق وإضافة…أحبكم جميعاً.
ولأهل السودان جميعا .. جامعات ومؤسسات وأهل إبداع من كل مناحي الحياة ..ها هي .هنا أم درمان بجناحيها..ترفرف عليكم سلاماً وأمناً..فادعموها بالمال والفكر حتي نعيد تأسيسها وصيانتها ..ما أصابها أصاب قلوبنا وأرواحنا ..
هيا ..للعلا للعلا….