أسلحة أوروبية تساهم في قتل السودانيين: “المحقق” يعيد نشر أخطر تحقيق صحفي أوروبي عن الأسلحة التي وصلت لمليشيا الدعم السريع

المحقق – محمد عثمان آدم
على مدى خمس حلقات، نشر موقع (فرانس- 24) ، وهي قناة إخبارية فرنسية تمولها الحكومة الفرنسية وتبث محتواها باللغة الفرنسية والإنجليزية والعربية والإسبانية، وتقدم خدمة إخبارية وتقارير على مدار اليوم و طيلة أيام الأسبوع، وتستهدف جمهوراً دولياً و اسعاً، ومقرها الرئيسي في باريس، مقالات مطولة عن المصادر الأوروبية للأسلحة التي تستخدمها مليشيا الدعم السريع في السودان حالياً، وذلك رغم أن الإتحاد الأوربي يفرض – تبعاً لقرارات الأمم المتحدة والموقف الأمريكي – حظراً على توريد أو تزويد الأطراف المتحاربة بالسلاح.
و النقاط الملخصة لهذه التقارير نلخصها في أن التحقيق والتقصي والتتبع الذي استخدمته مجموعة التحقيق من قناة فرانس 24 يظهر أن مصدر هذه الأسلحة وجالبها إلى مليشيا الدعم السريع هو طرف ثالث متمثل في دولة الإمارات العربية المتحدة.
ونقول هذا اتهام لو كانت تفردت به الحكومة السودانية أو الجيش السوداني لوحدهما، لكان مفهوماً أنه يأتي من باب محاربة العدو وفضحه، ولكن أن يأتي هذا الاتهام من قناة “رسمية” – باعتبارها تمول من المال العام الفرنسي- فهو تعزيز لاتهامات سابقة من قبل أجهزة إعلام أمريكية وبريطانية ومن برلمانيين ورجال كونغرس محترمين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي و رجال كونغرس مستقلين، ليصبح توارداً و تواتراً لايمكن إلا أن يُثبت فرضية أن الإمارات تمول الدعم السريع منذ قبل انطلاق الحرب وأثناءها وتنقل له الأسلحة لتصله حيث يقاتل، وأن اتهامات الجيش والحكومة السودانيين في محلها وتمام صحتها.
إلا أننا نلحظ أن الجديد في هذا التحقيق الاستقصائي، أنه وخلافاً لتحقيقات الصحافة الأمريكية والبرلمانيين الأمريكيين، من الذين يتتبعون الأسلحة إلى مصادرها الصينية وربما المجرية أحياناً، إلا أن هذا تحقيق تقوم به جهة أوروبية وتثبت أن الأسلحة المستخدمة أوروبية المنشأ مجلوبة من دولة عضو في الاتحاد الأوروبي هي بلغاريا، وأن السلاح مباع لدولة الإمارات العربية المتحدة، وأنه انتهى بصورة ما إلى مليشيا الدعم السريع في السودان وأنه بالقطع كان مستخدماً في مناطق دارفور – المشمولة بحظر أسلحة من مجلس الأمن الدولي – والتي ارتكب فيها الدعم السريع ، وفقاً للولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة وخبرائها، من بعد، جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي، وجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية !!
ويشير التحقيق، فوق ذلك، أن الدولة التي باعت السلاح للقطر العربي لم تأذن له ليبيعه أو يهبه لدولة ثالثة تسخدم طرفاً آخر – مليشيا الدعم السريع و ربما بعض من دول الجوار – ليحارب بدلا عنها بالوكالة ويقتل المدنيين في دارفور.
وعليه تصبح الإمارات بهذا قد وقعت في خروقات مركبة، منها نقض اتفاق بينها وبين الدولة المصنعة التي اشترت منها السلاح واستخدمته في غير ما تم الاتفاق عليه، وثانياً أنها ارتكبت خرقاً بخرقها للحظر المفروض على بيع السلاح الأوروبي واستخدامه في منطقة منع الاتحاد الأوروبي أن تصدر إليها أو تباع لها الأسلحة، وثالثاً أنها و من وراء السودان وضد الشعب السوداني- سواء اعترفت أم لم تعترف بالحكومة القائمة الآن – مولت حركة متمردة تقتل وتسحل وتغتصب أهل و رجال ونساء في السودان مستخدمة أسلحة اشترتها دولة “شقيقة” لقتل شعب ” شقيق”.
وتركز الحلقة الثانية من التحقيق على شركة إنترناشونال جولدن جروب، وهي شركة إماراتية معروفة بتورطها في تحويل الأسلحة إلى دول خاضعة لحظر دولي.
وتلقى الحلقة الثالثة من التحقيق، نظرة على المرتزقة الكولومبيين الذين سافروا ضمن قافلة الأسلحة هذه إلى السودان ..
وتلقي الحلقة الرابعة الضوء على عواقب تزويد قوات الدعم السريع بأسلحة تُستخدم بانتظام لقصف المدنيين.
و أما الحلقة الخامسة ففيها إيراد لجهات عدة بما في ذلك وكالة الأنباء الاماراتية الرسمية (وام) تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن مصدر كل الأسلحة الأوروبية سواء من بلغاريا أو المجر أو حتى من فرنسا، كان هو الإمارات العربية المتحدة،
إذ يقول المحققون أنه عندما تواصل فريق فرانس 24 مع الشركات الفرنسية والأوروبية المذكورة في هذه الحلقات، أفادوا بأنهم مارسوا أنشطتهم بما يتوافق مع القوانين المحلية والدولية !!
لذلك يكون التساؤل المشروع حول التسليح الكثيف للمليشيا قد وجد بعض الاجابات في هذا التحقيق الذي يشرح كيف أنه، ورغم الحظر الاوربي، يفاجأ المرء بوجود قذائف هاون بلغارية في صحراء دارفور السودانية؟ وأسلحة قتالية من مصانع بلغارية تصل إلى أيدي ميليشيات سودانية .. كيف؟
الاجابة كما أشرنا مجملاً أعلاه تأتي تفاصيلها في خمس حلقات وتقارير متتابعة من دراسة استقصائية يكشف فريق فرانس 24 كيف وصلت ذخائر وأسلحة أوروبية الصنع إلى ساحات القتال السودانية وأصبحت في أيدي مليشيا متمردين سودانيين في دارفور، أعملوها قتلاً وتنكيلاً بالسودانيين ، رغم الحظر الذي فرضه الإتحاد الأوروبي على إرسال الأسلحة إلى السودان، تبعاً لما سبق وأن فرضه مجلس الأمن.
يبدأ هذا التحقيق المكون من خمسة أجزاء في قلب الصحراء، بسلسلة من مقاطع الفيديو التي صوّرها مقاتلون سودانيون و في هذه الحالة الجنود السودانيون ومقاتلو حركات الكفاح المسلح الدارفورية والقوات الأخرى المساندة للجيش في نوفمبر من العام 2024 م.
و في أمر قد يكون ذي صلة، فنية بحتة، نبدي بعض الملاحظات وربما كان من باب تعريف المعرف أن نذكر ومن واقع المصادر والمواد التي استند إليها هذا التحقيق أن كل كلمة وكل صورة وكل تحقيق وكل تعليق يطلقه المرء دون تدبر وعلى نياته يصلح أن يكون أداة لاستقاء معلومات استخبارية تكون فارقة التأثير في الحرب والسلم، والحرب قد تكون عراكاً وقد تكون اقتصاداً وقد تكون زراعة وثقافة. وقد أعجبني قول أحد المحلليين الاستخباريين أن كثير جدا من المسؤولين لدينا يفتقدون إلى الحس الأمني، فمنهم من يرسل أبناءه وأسرته إلى التصييف في بعض الدول فتكون الأسرة مصدراً ليس للمعلومات وهم يتحادثون على راحتهم مع السيد الوزير والدهم بل قد تكون مصدراً للتجنيد الاستخباراتي الكثيف، وهكذا الحال في السلم والحرب واللايفات والمقالات والتعليق والفضفضة في خبايا الشأن العام تكون مصدر خطر كبير على الدولة والمؤسسات ونكون نحن المصدر وما نعلم، و يخبرك العاملون بالأمن و حراسة الشخصيات العامة أن أكثر من 75 بالمائة من الخطر يأتيهم من الصحفيين، أي والله، منا نحن الصحفيين، ومنا مَن يعلم ومنا مَن لا يعلم ومن من يَعُد أي محددات هي من قبيل العدوان على الحريات العامة وحرية الصحافة، لكني أسأل كثيراً من الإخوة الصحفيين متى قرأوا في الصحافة الفرنسية من يتحدث نقداً عن الجيش الفرنسي نهياً عن مثالبه الجمة الكثيرة أبداً؟ بل متى قرأ مقالا في صحيفة فرنسية تتكلم عن الجيش الفرنسي إلا في نطاق البيانات الرسمية والتصريحات الآتية من المسؤولين عسكريين أو مدنيين.
والمقالات التالية تنصب في هذا المجال الذي يستخدم فيه “الصحفيون المحققون” معلومات عامة تبث في المجموعات والحسابات الخاصة السودانية لتصبح مصدراً قوياً لإثبات جُرم من يزود المتمردين بالسلاح والذخائر.
وسينشر “المحقق” الحلقات الخمس تباعاً.