تقاريرسياسية

أسلحة أوروبية تساهم في قتل السودانيين (1- 5)

تحرير : إليسا غاديفا وكوينتين بيشارد
ترجمة: محمد عثمان آدم

بعد تحقيق مطول، تمكّ فريق “مراقبو فرنسا 24″، من أن يحدد بأن قذائف الهاون التي تظهر في اللقطات التي صوّرها مقاتلون سودانيون مع القوات المشتركة في 21 نوفمبر 2024 كانت بلغارية الصنع، وبلغاريا هي إحدى دول الاتحاد الأوروبي والشركة المصنعة هي شركة ديناري Company Denarii البلغارية.

وتُظهر مقاطع فيديو، منشورة على منصة إكس(X) وفيسبوك في 21 نوفمبر 2024، مسلحين سودانيين يرتدون ملابس مموهة وهم يبحثون في أكوام من الوثائق التي تتضمن أوراق هوية وصورًا ورموزًا دينية، وينتمي المسلحون إلى “القوات المشتركة”، وهي تحالف من جماعات مسلحة تنشط في إقليم دارفور بغرب السودان.
وتُقدّم هذه الجماعة الدعم للجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع المتمردة.

وقد استولى المسلحون الذين يصوّرون هذه المقاطع للتو على قافلة من عدة مركبات في وسط الصحراء يبدو عليهم الارتباك في الفيديوهات، وفي إحدى اللقطات يقوم أحد المسلحين بفحص جواز سفر أحد الذين ظهروا في الفيديو..
“أي دولة هذه؟” يسأل بلغة الزغاوة، وهي أحدى اللغات التي يتحدث بها بعض سكان إقليم دارفور. ثم يلتقط صورة قديس كاثوليكي ويقول: “انظروا، إنهم يهود يعملون في منظمة دولية”، وهذا طبعاً تخليط واضح بين الديانتين، ويتابع الرجل قائلاً “هؤلاء الناس مستعدون لفعل أي شيء، حتى الموت هنا في السودان. لقد جاءوا لدعم قوات الدعم السريع”.

ويدّعي المسلح مرارًا أن حاملي جوازات السفر، الذين زُعم أنهم أصيبوا أو أُسروا على يد وحدته، هم من “المرتزقة”. لا يظهر في لقطات الفيديو المعروضة أي سجناء أو جثث لهم، وفي عدة لقطات من الفيديو، يمكنك رؤية جوازي سفر يفحصهما المسلحون السودانيون. هذا يسمح لنا بالإجابة على سؤال واحد على الأقل من أسئلة المسلح: إذ بدا جلياً أن كلا الجوازين يعودان لمواطنين كولومبيين هما كريستيان ل وميغيل ب.
وهذه المقاطع صوّرها المقاتلون السودانيون في 21 نوفمبر 2024 ويُعتقد أن الكولومبيين كانا جزءًا من قافلة الأسلحة.
في مقاطع الفيديو الخاصة بهم، يُركز مسلحو القوات المشتركة على الذخيرة التي استولوا عليها. و تم العثور على ذخائر مُخزنة في صناديق خشبية موسومة بخط برتقالي يُشير إلى وجود متفجرات، وتوجد أسطوانات عديدة مُختومة بعبارة “هاون عيار 81 مم شديد الانفجار”.. هذه للجنجويد – وهو اسم يُطلق على مقاتلي قوات الدعم السريع – أرسلها محمد بن زايد “.
ثم يضرب الرجل بقبضته على سيارة يبدو أنه تم الاستيلاء عليها أيضًا ويعلق بأن “الإمارات أرسلتها أيضًا”.

بعد ساعات قليلة من ظهور هذه المقاطع لأول مرة على الإنترنت، نشرت حركة تحرير السودان، إحدى الجماعات المسلحة التي تُشكل جزءًا من القوات المشتركة، بيانًا على فيسبوك حول الأسلحة التي تم الاستيلاء عليها.. من خلال هذه التصريحات، تمكنا من معرفة المزيد عن سبب عبور مواطنين أجنبيين صحراء دارفور بهذه الذخيرة.

“في المنطقة الصحراوية على الحدود بين السودان وليبيا وتشاد، أحبطت القوات المشتركة محاولة تهريب أسلحة ضخمة إلى ميليشيا الدعم السريع الإرهابية”، وفق ما جاء في بيان نُشر على صفحة حركة تحرير السودان على فيسبوك. كما كشفت الحركة أن “المرتزقة” كانوا يحملون أموالًا من الإمارات العربية المتحدة. ولم تُفصح الحركة عن أي تفاصيل حول مصير الكولومبيين المشتبه في كونهم مرتزقة، سواء أُسروا أو قُتلوا أو جُرحوا.

ولكن تمكن فريق Francee 24-The Observers من اكتشاف المزيد حول مصدر الأسلحة التي ضبطتها القوات المشتركة، وذلك بفضل اللقطات التي صُوّرت ونُشرت على الإنترنت. وتبيّن اللقطات أن الأسلحة مصدرها الاتحاد الأوروبي حيث تم تصنيعها في بلغاريا واشترتها من هنالك شركة إماراتية.
قبل أن تعترضها القوات المشتركة في السودان، مرّت القافلة التي تحمل الأسلحة عبر شرق ليبيا، وهي منطقة يسيطر عليها المشير خليفة حفتر، حليف الإمارات العربية المتحدة.
اتُهمت الإمارات العربية المتحدة سابقًا من قِبل خبراء الأمم المتحدة بتزويد قوات الدعم السريع بمساعدات عسكرية ومالية للحفاظ على مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة. إلا أن السلطات الإماراتية نفت هذه الاتهامات دائمًا. وتُتهم قوات الدعم السريع بشن هجمات متعددة ضد المدنيين. وقد وثق الفريق بعضها بالفعل.
تشير الملصقات المختومة على المواسير الأسطوانية إلى أنها تحتوي على قذائف هاون.
بعد أربع ثوانٍ من هذا الفيديو الذي صوّره مسلحون من القوات المشتركة في 21 نوفمبر، يُمكن رؤية الملصقات المختومة على الأسطوانات التي تحتوي على قذائف الهاون. ويوضح الفيديو أنها “قذائف هاون عيار 81 ملم”.
يقول مايك لويس، المتخصص في النزاعات المسلحة والعضو السابق في لجنة خبراء الأمم المتحدة المعنية بالسودان: “هذه الأسلحة شائعة جدًا في جميع النزاعات، وبالتأكيد شائعة للغاية في جميع النزاعات التي دارت في السودان لعقود”. قذائف الهاون هي متفجرات تُطلق من ماسورة قصيرة، عادةً على مسار قطع مكافئ مرتفع. لذا، ترتفع مسافة طويلة ثم تهبط. يُظهر المقطع المصور في 21 نوفمبر رجلاً يفتح أحد الصناديق التي تحتوي على قذائف الهاون، ويُركز على ملصق كُتب عليه: “BG-RSE-0082-HT”.
بعد تصوير الصناديق التي تحمل ملصق “هاون عيار 81 مم HE”، يُركز المسلح على تفاصيل أخرى على الصندوق الخشبي الذي يحتوي على الذخيرة – أولاً ملصق مشطوب عليه باللون الأحمر (في الوسط)، ثم رمز يبدو أنه محروق في الصندوق: “BG-RSE-0082-HT” (على اليمين). بعد تصوير الصناديق التي تحمل ملصق “هاون عيار 81 ملم HE”،
الأحرف المحفورة على الصندوق الخشبي هي رمز ISPM-15 الإلزامي للبضائع المنقولة في عبوات خشبية. يشير الحرفان الأولان من الرمز إلى بلد المنشأ: “BG” يرمز إلى بلغاريا.
هناك دليل آخر يشير إلى بلغاريا. فبينما كُتب الملصق على الصندوق باللغتين الفرنسية والإنجليزية، فإنه يحمل اسمين مكتوبين بالأحرف السيريلية، ويُفترض أنهما يعودان إلى عمال في المصنع الذي صُنعت فيه الأسلحة. تُكتب اللغة البلغارية بالأحرف السيريلية، وكلا الاسمين شائعان بين النساء في بلغاريا.

في السطرين الخامس والسادس من الملصق الذي يظهر في أحد مقاطع الفيديو من 21 نوفمبر ، يمكنك رؤية اسمين مكتوبين بالأحرف السيريلية. يُشير اسمٌ واحدٌ إلى الشخص الذي “عبّأ” الذخائر، والآخر إلى “مفتش الجودة”. كلا اللقبين شائعان بين النساء في بلغاريا.

تُقدم هذه الملصقات دلائل ليس فقط على تركيبة الذخيرة، ولكن أيضًا على بلد المنشأ والشركة المصنعة لها. تشير الملصقات المختومة على الأنابيب الكرتونية إلى صاعق M-6، وهو طراز يُستخدم في روسيا والصين وبلغاريا. تُشير الأحرف “HE” التي تلي “هاون 81 مم” إلى “شديد الانفجار”. كما يُوضح الملصق أن قذائف الهاون هذه تحتوي على أربع شحنات دافعة، تُطلق الهاون عند تفجيرها. كل قطعة من هذه القطع مُعلّمة برمز مُطابق من ستة أرقام.
ويشير الرمز M-6 إلى نوع المفجر الذي يُطلق الذخيرة، بينما يصف الرمز “هاون 81 مم HE” الذخيرة، التي يبلغ قطرها 81 مم وهي شديدة الانفجار. يشير الرمز “1 + 3 شحنات دافعة” إلى عدد شحنات الدفع الشائعة في هذا النوع من الذخيرة. يحتوي كل مكون من هذه المكونات على رقم مكون من 6 أرقام يُمكّن من تتبعه. تبدأ جميع الأرقام في الفيديوهات بالرقم “46”.
تحدث الفريق إلى خبير أسلحة أوضح أنه في نظام التعريف البلغاري، يشير الرقم الذي يبدأ بالرقم “46” إلى أن الأسلحة من صنع شركة دوناريت البلغارية. قال إن الرقم “19”، آخر رقمين منه، يشير إلى أن الأسلحة صُنعت عام 2019. ويمكن مقارنة هذا الرقم بالملصق الموجود على الصندوق.

يشير موقع دوناريت الإلكتروني إلى أن الشركة البلغارية تُصنّع بالفعل قذائف هاون شديدة الانفجار عيار 81 ملم.
يُظهر موقع دوناريت الإلكتروني (المترجم هنا إلى الإنجليزية بواسطة جوجل) أن الشركة تُصنّع أسلحة بنفس خصائص تلك الموضحة في اللقطات المصورة في السودان بتاريخ 21 نوفمبر 2024: قذائف هاون شديدة الانفجار عيار 18 مم مزودة بصواعق M-6.
علاوة على ذلك، عندما تصفحنا حسابات الشركة على مواقع التواصل الاجتماعي، رأينا صورًا لقذائف هاون معبأة في صندوق خشبي، تمامًا مثل تلك التي تظهر في الفيديو المصور في السودان. يحمل كلا الصندوقين اللذين يظهران في صور دوناريت وتلك التي تظهر في اللقطات الرمز ISPM-15 مطبوعًا عليهما. الرقم مكتوب بنفس تنسيق الأرقام الموجودة على الذخيرة التي عُثر عليها في السودان. في صورة نشرتها شركة دوناريت على حسابها على فيسبوك في يونيو 2024، فإن رمز ISPM-15 المطبوع على صندوق خشبي يحتوي على قذائف هاون (مُعلّم باللون الأحمر على اليسار) هو نفسه الرمز الذي صوره المقاتلون السودانيون في 21 نوفمبر 2024 (أعلى اليمين). الرقم الذي يظهر على الصندوق في منشور فيسبوك (مُعلّم باللون الأزرق على اليسار) مكتوب بتنسيق مشابه للأرقام التي تظهر في الفيديو الذي تم تصويره في السودان (أسفل اليمين): ثلاثة أرقام مكونة من رقمين مفصولة بشرطة. في كلتا الحالتين، تبدأ الأرقام بالرقم “46”.

الرئيس التنفيذي لشركة دوناريت لا ينكر تصنيع شركته لقذائف الهاون.
تواصل فريقنا مع الرئيس التنفيذي لشركة دوناريت، بيتر بتروف، الذي لا ينكر تصنيع شركته لقذائف الهاون هذه. تحدثنا معه هاتفيًا بعد أن عرضنا عليه سابقًا لقطاتٍ من الفيديوهات:
اللوائح المتعلقة بهذا النوع من الأمور صارمةٌ للغاية في بلغاريا. وحسب معلوماتي، فإن كل شيءٍ في هذا العقد، أي العقد الذي سمح بتصدير الأسلحة، قد تم وفقًا للقواعد. و أضاف بأنه يجد صعوبة في تصديق أن قذائف الهاون التي تصنعها شركته قد عُثر عليها في السودان، وشكك في صحة مقاطع الفيديو التي صُوّرت في 21 نوفمبر.

قنابل تنتهك حظر الاتحاد الأوروبي على السودان؟؟
ولكن كيف وصلت هذه القنابل، المصنعة في بلغاريا، وهي دولة عضو في الاتحاد الأوروبي، إلى قافلة إمدادات متجهة إلى قوات الدعم السريع السودانية؟
منذ عام 1994، فرض الاتحاد الأوروبي، الذي تُعد بلغاريا دولة عضو فيه، حظرًا شاملًا على تصدير الأسلحة إلى السودان.
وينص الحظر الأخير على أنه “يُحظر بيع أو توريد أو نقل أو تصدير الأسلحة والمواد ذات الصلة بجميع أنواعها، بما في ذلك الأسلحة والذخائر، … إلى السودان من قِبل مواطني الدول الأعضاء أو من أراضيها … سواءً كان منشأها أراضيها أم لا”.
و يقول نيكولاس مارش المتخصص في تصدير الأسلحة في معهد أبحاث السلام في أوسلو: يُطبق الاتحاد الأوروبي حظرًا على توريد الأسلحة إلى السودان يشمل هذا النوع من المعدات بشكل قاطع. هناك سياسة واضحة للغاية للاتحاد الأوروبي. هناك بعض الاستثناءات، لكنني لا أفهم كيف يُمكن أن تُغطي هذه الاستثناءات عملية نقل كانت جارية إلى السودان. إنها بالتأكيد انتهاك لسياسة الاتحاد الأوروبي. و قد رفضت بلغاريا بشدة مزاعم إرسال هذه الأسلحة مباشرةً من بلغاريا إلى السودان.
وصرحت اللجنة الوزارية لمراقبة الصادرات، وهي السلطة البلغارية التي تُوافق على تصدير الأسلحة، عبر البريد الإلكتروني أن الأسلحة بيعت “بترخيص مناسب” إلى “حكومة بلد لا تُفرض عليه أي عقوبات”. ونفت اللجنة نفيًا قاطعًا أن تكون السلطات البلغارية المختصة قد منحت تصاريح تصدير إلى السودان لهذه الذخائر.

وبينما واصلنا تحقيقنا، تأكدنا بالفعل من أن قذائف الهاون التي تنتجها شركة دوناريت لم تُصدّر مباشرةً إلى السودان. ومع ذلك، فقد بيعت إلى المجموعة الذهبية الدولية، وهي شركة إماراتية معروفة بنقلها الأسلحة إلى مناطق خاضعة لحظر دولي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى