تقارير

أوكرانيا في مالي: تصفية حسابات غربية أم بروباجندا ضد روسيا

القاهرة – المحقق – صباح موسى

تقطع مالي علاقتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، بعد إعلان الأخيرة بمساندة الأزواديين الإنفصاليين في حربها ضد الجيش المالي، الذي تدعمه القوات الروسية وفاغنر، في تطور يمهد لاتخاذ القارة الأفريقية ساحة جديدة لإدارة الصراع بين الشرق والغرب.

 انتهاك للسيادة

القرار المالي جاء بعدما أقر مسؤول أوكراني رفيع، وفق باماكو، بضلوع “كييف” في تكبّد الجيش المالي ومجموعة “فاغنر” الروسية خسائر فادحة في معارك مع انفصاليين وقعت في أواخر يوليو الماضي، وأعلن المتحدث باسم الحكومة المالية الكولونيل عبد الله مايغا أن الحكومة الانتقالية في مالي قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا بمفعول فوري، واعتبرت الحكومة المالية أن هذه الأفعال تنتهك سيادة مالي وتتخطى إطار التدخل الخارجي وتشكل دعما للإرهاب الدولي.

انعكاس ظاهر

ويعد إعلان مالي قطع علاقاتها مع أوكرانيا، انعكاساُ ظاهراُ للحرب الروسية الأوكرانية في أفريقيا، فهل تنتقل الحرب الدائرة بين موسكو وكييف إلى عمق القارة السمراء، ولماذا هذا التدخل الأوكراني الآن، وماهي دلالاته وأهدافه، هل هناك ارتباط بين ظهور روسيا في منطقة الساحل الأفريقي بعد الانقلابات العسكرية بدول المثلث الساحلي (مالي وبوركينافاسو والنيجر) وبين هذا التدخل.

لا توجد معلومات

من جانبه أوضح محمد أغ إسماعيل الباحث المالي في العلوم السياسية أنه لا توجد معلومات دقيقة ومستقلة عن دعم أوكرانيا للانفصاليين، رغم الدعاية لمتحدث المخابرات الأوكرانية. وقال إسماعيل لـ “المحقق” إن أوكرانيا في حاجة ماسة إلى الدعم أكثر من غيرها، لأن وجودها على المحك بسبب الاجتياح الروسي لها واستخدامها من قبل الغرب كذلك كساحة  للمواجهة بين المعسكرين، مضيفا لم يعد نظام كييف يملك أي قرار أو قدرة على دعم جبهات، ما يعني أنه حتى لو كان هناك دعم خارجي، يصعب أن يكون أكرانيا، مبينا أنه كانت هناك تحذيرات منذ عام 2020 عقب انتشار عناصر فاغنر في ليبيا ووصول الجنود الروس  إلى الساحل الأفريقي نهاية عام 2021 من تداعيات عودة الحرب الباردة والصراع على الثروات والمواقع الاستراتيجية في أفريقيا، وقال حذرنا أيضا من نقل هذه المواجهة عسكريا إلى أفريقيا.

تصفية حسابات

وأضاف الباحث المالي: لقد تأكد تنبؤنا بعد الإنقلاب في النيجر، وما تبعه من مواجهة سياسية وإعلامية بين المعسكرين الغربي والروسي وحلفائهم في أفريقيا، إذن أصبح كل شيء وارد منذ تاريخه”، وتابع وقد قلنا حينها بأن الغرب لن يبقى مكتوف الأيدي أمام حصول منافسيهم بالنصيب الأكبر في الساحل الأفريقي وأمام الهزيمة والطرد، معربا عن اعتقاده أن الجميع مستعد لهذه التطورات في ظل بلورة عالم جديد للأسف الشديد، لافتا إلى أن القوى العظمى تتلاعب بالضعفاء دائما لتصفية حساباتها وتقسيم الكعكعة كما يحدث حاليا في ليبيا، وقال إن الجميع يتواجد لنهب خيرات البلاد، ويصل الأمر أحيانا لتقديم الدعم لجهة واحدة في إطار التفاهمات.

بروباجندا أوكرانية

من جهته رأى بكاي أغ أحمد مؤسس الحركة الوطنية للأزواد بمالي أن كل دولة ناشئة  كانت أو عريقة تسعى لوضع قدمها على أرض جديدة، لمصالح اقتصادية، وأكبر مكسب من ذي قبل. وقال أحمد لـ “المحقق” إن هذا ما تفعله روسيا في أفريقيا، والتي تزعم مساعدة الأنظمة العسكرية في كل من أفريقيا الوسطى وبوركينا والنيجر ومالي، و لا يهم كيف و ما هي النتائج، مضيفا وكذلك أوكرانيا قد تتدخل في مالي لصالح الجبهات الأزوادية التي تقاتل الدولة المالية “الإرهابية” التي استعانت بمرتزقة فاَغْنِر وهم أعداء لأوكرانيا، مؤكدا أن عدو عدوي صديقي، مستدركا في الوقت نفسه لكن الأزواديين لم يروا أو يتلقوا أية مساعدة من أوكرانيا، وقد يكون ما تنشره عبارة عن بروباجندا لغاية في نفس سياستها الخارجية، مشيرا أن الحرب في المنطقة قد تتدخل فيها روسيا بالفيلق الأفريقي بدلا من فاَغْنِر.

الأزواد يرحبون

وقال مؤسس الحركة الوطنية للأزواد إن الأزواديين يرحبون بأي تعاون عسكري أسوة بغيرهم ممن استعانوا بقوى خارجية، لا سيما و أن مالي وضعت كل الشعب الأزوادي في خانة الإرهاب، وتحاربه على هذا الأساس، مضيفا أن أوكرانيا ربما تتوقع ترحيب الإطار الاستراتيجي للدفاع عن الشعب الأزَوَادِي بها، لأنها تحارب روسيا و فاَغْنِر، وتابع أن فاغنر استعانت بها مالي التي تحاول إبادة الشعب الأزَوَادِي و السيطرة على كامل المنطقة بما فيها من ثروات تسيل لعاب فاَغْنِر و الدول ذات المصالح الاقتصادية، مؤكدا أنه لا توجد أي بوادر للتدخل الأوكراني حتى الآن، على الرغم من إبداء نوع من التعاطف من الأزواديين.

لجأت إلى روسيا

بدوره رأى نزار بوش الخبير الروسي في الشؤون الأفريقية أن الدول الأفريقية سئمت من التواجد الفرنسي وبعض الدول الغربية، لاستغلالها للشعوب الأفريقية وثرواتها. وقال بوش لـ “المحقق” إنه لم يحدث أي تطور نوعي في هذه الدول التي كانت تتواجد بها القوات الفرنسية والأمريكية، مضيفا ولذلك لجأت بعض الدول الأفريقية إلى روسيا بتوقيع شراكات واتفاقيات أمنية في سبيل محاربة الإرهاب والجماعات الإرهابية، وأخرى إستثمارية في النفط والغاز والماس والثروات الباطنية الأخرى، مؤكدا أن روسيا تستثمر هناك، ولكن دون استغلال لهذه الدول، وقال إن التواجد العسكري الروسي بدأ هناك بشكل محدود، بقوات محدودة من أجل محاربة الإرهاب والحفاظ على أمن بعض المناطق في هذه الدول بالاتفاق معها، مضيفا أن من هذه الدول مالي، وأن هناك علاقات جيدة معها، وتعاونهما في محاربة الإرهاب بجانب الاستثمارات الروسية.

استهداف القوات الروسية

ولفت الخبير الروسي إلى أن أوكرانيا تريد محاربة روسيا في كل مناطق تواجدها، وقال إنها تريد محاربة روسيا في سوريا أيضا من خلال ارسال مرتزقة أوكران إلى هذه المناطق، واستهداف القوات الروسية هناك، معربا عن اعتقاده أن قوات أوكرانيا التي بدأت ترسلها إلى مالي، لأنها تريد استهداف القوات الروسية، معتبرا أن هذا تدخل مباشر في الشأن المالي، وأنه تدخل سافر ويؤثر على الأمن في هذه الدولة، وقال ولذلك ذهبت مالي لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، مستبعدا توسع الحرب الروسية الأوكرانية إلى مالي، وقال إن الدول الأفريقية لا تريد أن تكون حروب على أراضيها، فهي سئمت من هذه الحروب المتواصلة سواء إن كانت إرهابية أو غربية، مضيفا أن الشعوب الأفريقية تريد أن تعيش في أمان وسلام، إضافة إلى أنها تريد أن تطور بنيتها التحتية والعسكرية والصناعية، لافتا إلى أن هذا ما تأمله من روسيا في هذه الإستثمارات، وقال إن التعاون العسكري بين روسيا وهذه الدول يصب في مصلحة هذه الدول، مؤكدا أن هناك تعاون أوكراني غربي فرنسي أمريكي لضرب مصالح روسيا في الدول الأفريقية، وقال لكننا لن نذهب إلى حرب شاملة بين روسيا وفرنسا وبعض الدول الأوروبية التي تتواجد في أفريقيا.

بدأ في السودان

بدوره رأى الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشأن الأفريقي أن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية بشكل أو بأخر أصبحت تنتقل شيئا فشيئا إلى أفريقيا. وقال تورشين لـ “المحقق” إن هذا الأمر لم يبدأ في مالي، انما انتقل إلى مالي من السودان، مضيفا أن أول ارهاصات تداعيات هذه الحرب بدأت في السودان، عندما أرسلت كييف عدد من المقاتلين من قوات النخبة، وكذلك خبراء للمسيرات للجيش السوداني، وتابع أن قوات فاغنر وروسيا في بادئ الأمر كانت لصالح الدعم السريع، ولكن بمرور الوقت تغيرت المعادلة، بعد تمرد فاغنر واغتيال قائدها، عادت علاقات روسيا بالسودان بشكل أفضل، الأمر الذي جعل روسيا تتراجع عن الدعم السريع.

غير مؤهلة

وأشار الباحث السوداني أن المعركة انتقلت إلى مالي، وأن بعض التقارير تتحدث عن أن أوكرانيا تدعم المقاتليين الأزواد الانفصاليين، وقال إن هذا الأمر لن يقتصر على مالي، وانما سينتقل إلى الدول الأخرى التي تتمتع فيها روسيا بنفوذ وحضور، مضيفا لا نستطيع أن نقول هنالك فراغ أمني في أفريقيا، وأن الجيوش الوطنية قادرة على اعادة ضبط الأمن، لكنها بحاجة إلى شركاء وحلفاء من القوى العظمى حتى يتسنى لها الحصول على التقنيات والمعلومات المخابراتية التي لها دور مهم جدا في عمليات تحقيق انتصارات عسكرية، موضحا أن هناك اعادة تموضع، وإعادة النظر في الشراكات بعد خروج أمريكا وفرنسا من المنطقة، وقال إن هذه الدول استدارت إلى روسيا التي تمتلك مقومات عسكرية ربما تتفوق على فرنسا، وحتى شروط التسليح والدعم غير مرتبطة بشروط سياسية مثل الجانب الفرنسي، مشيرا إلى أن كل الدول الأفريقية التي تتبنى شعارات التحرر ربما تتجه نحو روسيا والصين وتركيا وغيرها، مستبعدا حدوث تأثير كبير من تدخل أوكرانيا، وقال إنما كييف تحاول أن تدخل في الاتجاه المناهض لموسكو، من أجل اثارة حفيظة روسيا، مضيفا أن أوكرانيا غير مؤهلة في الجوانب العسكرية والإقتصادية وشتى الجوانب، مؤكدا أن أوكرانيا لا يمكن أن تضاهي القوات الروسية أو حتى فاغنر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى