اتكاءة على ظهر التاريخ .. في السلطة تعلمنا كيف نحكم، ولكن نسينا أن نعرف لماذا نحكم؟

عبد الله جلاب
المعلوم أن سودان اليوم هو نتاج لم يكتمل بعد لصيرورة تاريخية طويلة ومعقدة، خلالها تمت تفاعلات وتمازجات وتحولات مجتمعية كثيرة أدت إلى تغيير هويته شكلاً ومضموناً، وخلقت فى الوقت نفسه نسيجاً متنوعاً إثنياً ودينياً ولغوياً..
وفي خليفة الرقعة الجغرافية هذه ازدهرت واندثرت حضارات على مر القرون، فقد تمركزت الحضارة الكوشية فى نبتة أولاً، في الفترة 750 ق.م،ثم تحولت إلى مروي فى الوسط الجغرافي 690ق.م _ 350 ق.م موازاة مع الحضارات الفرعونية التي نهضت على ضفاف وادي النيل والشرق الأقصى والأدنى والاكسومية فى شرق القارة…ثم أيضا سادت وبادت ممالك وسلطنات ومشيخات جسدت تفاعل تلك الحضارات وتأسست دويلات مسيحية كما في النوبة وعلوة وأخرى إسلامية كما في الفونج والفور والمهدية وتسلمتها أنظمة كولونيالية وضعت الإطار الإداري للدولة الحديثة الحكم التركي/المصري، والحكم البريطاني/المصري، ثم ورثتها فى فترة ما بعد الاستقلال أنظمة نخبوية استهلكت نفسها بصراعات سياسية واجتماعية أفضت إلى عجز الدولة وابتعادها عن الأطر القياسية والوصفية لمفاهيم الدول الحديثة حتى أصبحت اكثر تهيؤاً واستسلاماً للحلول الخارجية.
استنادا إلى جذور الماضي وفروع الحاضر يبقى السؤال قائما: “متى تضع الحتمية التاريخية أثقالها فى السودان بالنظر إلى تجارب الأمم والشعوب؟”، ونعلم أن ذلك ما استغرق البعض وأفني فيه عمراً بدءاً بإفلاطون ومدينته الفاضلة، مروراً بابن خلدون ومزاوجاته بين سلوكيات البشر والطبيعة، وانتهاء بكارل ماركس في التحول التاريخي وتوينبي وصامويل هنتجتون وفرانسيس فوكويوما فى انحيازهم الجدلي النهائي للديمقراطية الليبرالية.
إن الحالة السودانية الموروثة لنخب ما بعد الاستقلال ليست صراعاً بين آيديولوجيات ماضوية وأخرى مستحدثة بالنظر إلى مسلمات التاريخ، وليست صراعاً حول رؤى وأفكار ومفاهيم قياساً بطبيعة المجتمع، فقد قفزت إلى ذلك قفزاً عمودياً؛هى صراع سلطة في أزمة لم تحدد طبيعتها وفي ساحة دولة هشة رغم الثراء التكويني، صراع هزمت فيه الأوهام معطيات الواقع فأصبحت الدولة تعيش الحاضر بثنائية الاستلاب التاريخي فى ماضيها وتتطلع للمستقبل برهق الحاضر فلا غرو أن ترعرعت وكبرت وشاخت على قاعدة أزمة وطنية ونتيجة للعجز والفشل والخيبات المتراكمة تحولت آنئذ إلى أزمة فى الوطنية!!