رأي

احلال العملة ام تغييرها: تحليل الارقام والاحصاءات والخيارات..

د. إبراهيم الصديق علي

(1)
من المهم استعراض التفاصيل والارقام واعادة تعريف بعض المفاهيم عند الحديث عن تغيير العملة أو احلال بعض العملات ، ومع أن الأمر حدث كبير ، فإن ما تم – فى رأى- أقرب الى احلال أى (تعويض العملة أو النقود التى تم سحبها من التداول لعدم صلاحيتها أو لضبط التركيبة الفئوية) ، ويمكن القول أن الاجراء تم (لتعويض العملة المنهوبة من التداول او من البنوك ، والتى تم تهريبها ، بعملة جديدة) ، والاجراء هنا تم للتعويض وللتأمين ولتحقيق التوازن فى الاقتصاد.. وهو إجراء صحيح وضروري.. مع خلافات فى وجهات النظر فى بعض الترتيبات والاعتبارات الجانبية..
ونضيف لذلك عدة اشارت مهمة:
أولا: السودان دولة ذات إرث متقدم فى تغيير العملة الوطنية ، وهى قضية سيادية ، لا ينهض بها فرد أو شخص ، وإنما تتولى مهمتها إدارة متخصصة ، فأول مطبعة لسك العملة افتتحت فى السودان عام 1961م ومطابع العملة فى العام 1992م .. ولذلك هى تخضع لاعتبارات كثيرة داخلية وخارجية.. اقتصادية وفنية وامنية..
وثانيا: هى عملية فنية واجرائية معقدة ، فوق انها عملية اقتصادية ، تتطلب الكثير من الموازنات والقراءات والتحليلات ، وسأشير لنقطة فنية كمثال ، فمثلا نسبة فئات العملات تتراوح مابين (12%) للفئة الكبيرة ، و(8%) للفئة الصغيرة ، على أن تكون الفئة المتوسطة (40%) وهى فى هذه الحالة فئة ال (100جنيه) .. فهل هذا هو ما يجرى فعليا ؟ بالطبع لا ، لأن وتيرة التضخم المتسارعة تجاوز فئة ال 100 ج و50ج و10ج ، واصبحت الفئة الاكثر تداولا هى الألف جنيه و 500 جنيه ، فهى ركيزة التداول وعمدته.. وكذلك مخزن للقيمة ، فمن اراد ايداع مبالغ مالية فى خزينته ستكون من العملة الكبيرة..
وثالثا: ان حكومة د.عبدالله حمدوك وزير ماليته د.ابراهيم بدوى وسار على ذات النهج د.جبريل ابراهيم وزير المالية ، وفى انتقال لم يكن مدروسا واستند على وعود خارجية ، اتخذوا سياسة التحرير الاقتصادي دون ضمانات ، ومع عدم وجود تمويل حقيقي فقد اختاروا طباعة كميات كبيرة من العملة ، وللاشارة فقط فان عرض النقود فى بداية العام 2019م لم يتجاوز (402000 ) مليون جنيه ، وفى العام 2020 م ارتفع إلى مليار و 302 مليون جنيه ، وفى العام 2021م ارتفع إلى 3 مليار و290 مليون جنيه ، وهذه تقارير بنك السودان المركزى ، ولذلك حدث تضخم غير مسبوق وارتفعت الأسعار بصورة جنونية ، وارتفع التضخم من رقمين (17%] إلى أكثر من (300%) واصبح السودان أحد اكثر ثلاث دول تضخما فى العالم.. وهذه اشارة لوجود سيولة كبيرة فى الاسواق..
ورابعا: فإن هذه السيولة ، وتداولها جاء خصما على الشمول المالى ، وعلى تشجيع المواطنين على الادخار وفتح حسابات وعلى التطبيقات التقنية ، وافلت الأمر كليا مع تجاهل لهذه القضايا والنقاط الجوهرية..
(2)
هل حقق احلال العملة الجديدة أو طباعتها اهدافها ؟..
سمعت لبعض الآراء الناقدة ، وبعضها مؤسس على منطق ، ولكن القول انها لم ولن تحقق تأثيرا فيه تعسف ، وأساس ذلك ومنطلقه البناء على أن تغيير العملة الهدف منه (محاربة التزييف والتزوير) ، وقد عزز ذلك إعلان بنك السودان المركزى بتركيزه على هذه النقطة ، وقد اغفل جانب مهم فى هذه العملية ، وهو سيطرة بنك السودان المركزى والبنوك العاملة على حركة النقود بعد أن حدث اخلال كبير نتيجة النهب والسلب والتهريب ، الآن الكتلة النقدية تتركز فى نقطة معينة من السودان ودول الجوار؟ ، واعلان العملة الجديدة سيؤدى إلى خروج هذه الكميات من النقود من التعامل..
وصحيح حديث تساهل ، واوله تأخير الاعلان عن ايقاف التعامل بالفئات القديمة ، وهو أمر يمكن تداركه باعلان ذلك خلال فترة قصيرة قبل اعادة المبالغ المنهوبة إلى اسواق التداول ؟ وثانيه: ربط تبديل مبالغ كبيرة بمصادر دخل واضحة ومعروفة وثالثه : ضرورة تركيز الاهتمام على تشجيع الشمول المالى والتطبيقات التقنية وسياسات الصكوك النقدية..
بالتأكيد ، فان القرار على المدى القصير قد يخلق بعض الارباك فى الاسواق ، وتعجيل التخلص من الفئات المتوفرة بشراء المحاصيل أو المنقولات ، ومع تعذر شراء العقارات فإن التركيز سينصب على العملات الأجنبية..
وعلى المدى البعيد ، فإن توفر الكتلة النقدية بيد بنك السودان المركزى ، وامكانية الطباعة ستوفر لوزارة المالية تدفق كتلة نقدية للتمويل والسيطرة على مسار السياسات..
حفظ الله البلاد والعباد..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى