التغيير الذي نريد

الرفيع بشير الشفيع
من خلال منظومة المساهمات في دعوتنا للتغيير الحقيقي ، الإيجابي ووفق رسائل كثيرة طرحناها عبر مبادرة “المعارضة الإيجابية” أود أن أساهم هنا في الإجابة على سؤال طرحه الدكتور ، بركات موسى الحواتي ، الرجل المهموم بوطنه ، على صفحته في الفيس بوك اليوم.
والسؤال الهام الذي طرحه الدكتور هو:
“هل تسجل القوى السياسية وفي لحظة صدق مع النفس وللتاريخ أخطاء إستراتيجياتها وتكتيكاتها الداخلية والخارجية بإتجاه الوطن والمواطن؟”
وفي ذلك أقول:
ما سألت عنه يا دكتور لا يمكن أن يحدث بجرة قلم ، وبين عشية وضحاها، ويحتاج منا لتغيير لغة البندقية للغة العقل وإحداث تغيير حقيقي في المفاهيم والضمير ، وعقلية إدارة الوطن بنمط جديد ورؤى مستحدثة لما بعد الحرب، لمعنى الوطن وكيفية إدارته وبصورة مختلفة عن ما قبل يوم لقيام هذه الحرب ، تستجمع وتستدعي وتشّرح أسباب النزاع السياسي منذ بداية الثمانينيات، وتوجد منطقة وسطى للحلول السياسية يكون أسها وأساسها الوطن والمواطنة ، وللقيام بذلك نحتاج لوضع عمل وطني كبير جداً يعيد تشكيل الوطن وعقلية المواطن، ومفاهيم جديدة لإدارة الأحزاب وإدارة الدولة نفسها ، وقبل كل ذلك نحتاج لمن يضع لنا خارطة طريق وطنية ، لما بعد الحرب ، عبر منظومة رؤى تغيير وطني حقيقي.
نحن نحتاج يا دكتور إعادة تشكيل العقلية السودانية ومفاهيم الصفوة السياسية ، المدنية والعسكرية ، تجاه كيفية إدارة الوطن ونزع فتيل الصراع والأنا حولها ، ونحتاج أن نجد الوطن نفسه (نخرجه بصورة جادة من هذه المحنة، لكن ليس بخلق طرفي نزاع وخلق عدو وعداء متوهم وبصورة دائمة.
ونحتاج لتغيير حقيقي لإعادة هيكلة الدولة (إدارياً، وتنظيميا، ودستوريا وقانونيا)، ونحتاج لمصالحة وطنية صادقة وفاعلة وملزمة لكل الأطراف.
وقبل كل ذلك نحتاج لفقه ديني وسياسي وقيمي يجعلنا مؤهلين أن نبدأ التغيير وننفذه بعيداً عن الهوى والنزاع الأيديولوجي والمناطقي. ونحتاج أن نراجع مواقفنا من صيغ الحكم وطابعه وأن نوطن ، ونسودن ديمقراطية خاصة بالسودان تشبه ثقافته وتركيبته الإجتماعية وطبع شعبه وتستوعب موجهات دينه وعاداته وتشكيلات ثقافته وتنوعه العرقي، وتحرك ملفات تاريخه وتستخدمها في تحريك ملفات الحاضر والمستقبل، السياسية والإجتماعية والإقتصادية.
ونحتاج أن نوجد منطقة وسطى للنزاعات السياسية وأن نؤطر لمعنى الوطنية وننزع عنها الجهوية والأنا والغباء السياسي، وأن نشكّل علاقات الوطن الخارجية والداخلية وفق دستور وطني يوجه السودان نحو الخارج ايجابيا ويدعي العالم نحو السودان بعلاقات الكسب للطرفين وتمهيد الطريق لشراكات استراتيجية إيجابية يكون فيها النفع الأقتصادي والعلاقات الإنسانية محور التعامل، وفق الذات الوطنية.
ونحتاج أن نسد ثغرات الخلل المستدام، ونعالج ذلك الخلل بصورة جادة ، مثل ثغرات الهوية والمناطقية والتبعية العمياء وأن نجدد ونغير المفاهيم الحزبية لمعنى الوطن وادارة الوطن ونمط التفكير الميراثي ليتنازل هذه المفهوم لإرث للوطن ولمساهمة إيجابية لقيادة وادارة الوطن ، بدلا عن التنازع في ادارته بسبب الميراث المفترض والمفروض على الوطن.
وأن نعرف ونؤسس لمعنى الأمن الوطني بكل أنواعه (العسكري والامني والإقتصادي والمواطني)، ونحتاج لصيغة لتكامل الدور العسكري والمدني، بدلا عن النزاع المفتعل، وهما دوران متكاملان متى انفصما انفصم الوطن كما يحدث الآن.
نحن نحتاج لفهم جاد وعميق لتطوين الممارسة السياسية ورفع اليد عن العمالة وايلولة قرار الوطن وإرادته وسيادته للخارج ، ونحتاج لإدارة جادة تستوعب كل ذلك وتعمل في شكل فريق عمل متجانس ومتكامل وأمين وبعيد عن الأنا والإتباع إلا لله والوطن.
ونحتاج أن نحدث تغييراُ حقيقياً في هيكلة المؤسسات ومراجعة فاعليتها وتكاملها وتفعيل ذلك التكامل والربط الداخلي وتفعيل الهمة والمسؤولية والمراجعة والمحاسبة، والشفافية اللازمة لإدارة تلك المؤسسات التي تشكل عصب الدولة وبنية هيكلتها وعماد قوامها ، قبل أن نجيب على سؤالك.
الشعوب يا دكتور هي التي تبني الوطن، بمفاهيمها وهمتها الوطنية، وهي من تضع أنماط أنظمة التعايش بينها والتعاون والعطاء، بما يسمى دولة ووطن، والتجانس بين تلك المفاهيم يمثل سدى الأوطان.
وغيرنا من الأوطان يزرع قيم الوطنية في الإنسان بل يرضعه مع حليب الأم ، ويجعلها هم من هموم الإنسان يحقنها له في موجهاته التعليمية والمجتمعية والأسرية ، وكوادر الوطن وعليته المتعلمة والمثقفة، من كوادر هي التي تضع الرؤى والموجهات ، وقد شهدنا كيف يبني هؤلاء أوطانهم ويؤسسوا لإدارتها بحيث تكون جاذبة للجميع وأن يجد كل انسان فيها نفسه ، حبا حقيقيا وعملا ومساهمة حقيقية ، ولكنا في السودان نملك مفاهيم متجزرة ومتنازعة وكل حزب يملك دولة خاصة به في مؤخرة عقله المدبر ، وبأنانية حزبية مفرطة ، بل أصبحنا أربعين مليون قائد واربعين مليون منظر ، فحدث الشقاق السياسي والمجتمعي والأيديولوجي ، وكل ذلك بسبب غياب منظومة القيم المتأتية من انعدام الفقه الأخلاقي والسياسي والإداري واتسع الفتق على الراتق بسبب النقص في كلما أوردناه عاليه.