رأي

التفكير للدولة.. الطريق غير المسلوك

أبوبكر محمد أحمد إبراهيم

– الناشطون في العمل العام، وفي شأن الوطن المكلوم، فئات منها من تشغله الأحداث اليومية وتستغرقه السجالات انتصارًا لرأيه أو رأي من يرى نفسه يُعبر عنه وعن أشواقه وتطلعاته؛

– ⁠ومنهم من تشغله يوميات الحرب وسردياتها، غير متأمل في وقعها وتداعياتها على حاضر المكلومين بنارها، ولا على مستقبل الأمن القومي والنسيج الاجتماعي ووحدة الوجدان السوداني. إن كل همه تزكية الخلاف لا ترشيده، وإثبات الطهورية الأخلاقية لا حسن التواصل مع من لا يرى رأيه. هذه الفئة مستغرقة في عالمها الخاص، وشواغلها منفصلة عن الواقع والواقعية.

– ⁠وهناك فئة المهنيين من الأطباء والمهندسين والأكاديميين، وأمثالهم، ممن راكمت السنوات الست، أو السبع، الماضية جهودهم في العديد من المجالات والخدمات. وهؤلاء ما زالت بصماتهم في مجال التطوير المهني والتنمية المهنية أوضح من غيرها.

 

 

– ⁠لقد شهدت قاعة المبنى الثقافي بمعهد الدوحة للدراسات العليا ندوة لم تكن الأولى لكنها استثناء، فقد عبرت عن نموذج في تناول القضايا العامة زاوج بين تفكير الأكاديميين المهنيين ومنهج مراكز التفكير في إبراز قضية الآثار والتراث الوثائقي السوداني في ظل تداعيات الحرب، وما ألحقته آلة الدمار ومن يقف خلفها بمؤسسات هذا القطاع الوطني والحضاري.

– ⁠ميزة هذه المزاوجة، عندما يحتضنها مركز من مراكز التفكير، أنها تصل شواغل أهل الاختصاص، كلٌ في مجاله، براسمي السياسات وصناع القرار. وذلك طريق غير مسلوك بعد من قبل كثيرين ممن يرغبون في الدفع بحلول لأزماتنا التي تفاقمت مع الحرب.

– ⁠إن الحساسية السياسية قد تكون سببًا لدى كثير من المهنيين في الزهد عن التفكير للدولة، خاصة من لا يرى أن نظامها يعبر عنه وعن قناعاته وأشواقه. والمشكلة هنا أن من يفكر وهو غير راغب في التواصل مع المسؤولين التنفيذيين لرأي فيهم أو في الظروف التي يعملون فيها، فإن النتيجة التي ينتهي إليها تكون أقرب للأفكار العالقة في أحسن الأحوال، وقد لا يستطيع أن ينزلها حتى إذا أتيحت له الفرصة لكونه اغفل جوانب لا يراها الإنسان غير المعايش للسياق التطبيقي عادة، كما أن المنغمس في التنفيذ وتفاصيله قد تغيب عنه ابعاد مهمة، فيتحول اجتهاده المحدود مع الزمن إلى تفاقم مشكلات يصعب تداركها مستقبلًا.

– ⁠في المقابل يجب محاصرة التسيب والتساهل الذي يعكسه أداء بعض الإدارات والوزارات الخدمية والحيوية، خاصة في ظل هذه الأزمة، وبالأخص عندما يتعزز هذا السلوك بتغافل متعمد عن الاستفادة من الكفاءات، أو بقفل قنوات التواصل والاتصال معها. يجب محاصرة هذه الظاهرة ورفضها بصوت جهور. لأنها ببساطة نوع من خيانة الوطن في وقت يحتاج فيه إلى تظافر الجهود وتكاملها على أساس من رؤية كلية تُعجل بالفرج الذي يترقبه كل السودانيين.

– ⁠سياسيًا نحتاج اتفاق الحد الأدنى على أساس من المشتركات الوطنية لإيقاف هذه الحرب في كل ربوع الوطن، بإرادة لا تعيدنا إلى مربعها مجددًا. كما نحتاج إلى شيء من إعادة الثقة المهنية مؤسسيًا لإنعاش الخدمة المدنية بأفكار وسياسات وتشريعات تحصنها في المستقبل عن تلاعب السياسيين وعبثهم.

شكرًا جزيلًا بروفيسور أحمد إبراهيم أبوشوك وبروفيسور أمل خضر في المكتب التنفيذي لرابطة الأساتذة السودانيين بالجامعات بدولة قطر، وأنتم تعملون بجد وإخلاص في الدفع بحلول في ملفات كبيرة. شكرًا جزيلًا بروفيسور عبد الوهاب الأفندي رئيس معهد الدوحة للدراسات العليا وانت تحمل هم الوطن؛ شكرًا جزيلًا الفضلى سعادة الوزيرة لؤلؤة الخاطر وزيرة التربية والتعليم والتعليم العالي بدولة قطر، لن ينسى لك السودان والسودانيين وفائك لهم؛ وشكرًا جزيلًا قطر الخير أميرًا وشعبًا على وقفتكم مع السودان في محنته، بذل وعطاء غير ممنون وتضامن؛ أدام الله عليكم الأمن والخير.

إن هذه الندوة ملهمة لمن تأمل دلالاتها بما رسمته من طريقٍ للتفكير للدولة، أرجو أن نلتزمه -معشر السودانيين- ونترك المنطلقات الضيقة؛ جهوية كانت، أو حزبية، فعسى أن تتماسك دولتنا ونخطو خطوة للأمام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى