رأي

الثور فى مستودع الخزف: خطاب العزلة.. انفض السمار وتضآءلت الآمال..

دكتور إبراهيم الصديق علي 

(1)

العزلة ، هذا هو العنوان الأبرز والملمح الأهم فى خطاب قائد مليشيا الدعم السريع مساء أمس الاربعاء (9 اكتوبر 2024م) ، بعد 17 شهراً من الحرب ومن الدعاية الكثيفة والأحلام السراب وجد حميدتي نفسه محاصراً، ومعزولاً، فالرجل الذي كان يطالب البرهان بالإستسلام والإقرار بالهزيمة فى 15 أبريل 2023م ، وقواته تجوب أطراف العاصمة هو اليوم فى مكان ما ، داخل غرفة معزولة الصوت فى بلد ينكر ظهوره ، أو داخل مصفاة الجيلى للبترول يختبيء بين جدران موقع مدني حساس ، وفى كل الأحوال فقد ضاقت به الحيل واستبد به اليأس والاحباط الخذلان..

هو معزول فى واقعه العسكري ، وقد تلقت قواته ضربات موجعة فى بداية انفتاح وتقدم الجيش خلال الاسبوع الماضي ، و فى كل المحاور ، والصيف الذي أعد له حميدتي على أساس أنه مرحلة للتقدم عاد عليه بمفآجات كانت بدايتها أكثر قسوة مما تصور ، وهذا هو الملمح الأهم ، فالرجل الذى كان يتحدث بعنجهية سلطوية يهرف ، فإنه يتحدث اليوم بطنين مشتت الذهن وخال من القيمة السياسية وأقرب إلى (عرضحال الهزيمة) والإقرار الصعب..

فقد أصبحت كلفة الحرب أكبر من أن تحتمل ، و تراجعت المساهمات المجتمعية وتدفقات مليشيا ومرتزقة الشتات ، وأصبح وقود الحرب هو أقرب الأقربين..

هو خطاب المعزول وعن المحيط الدولي الذى راهنت على أدواره الحاضنة السياسية والحلفاء والداعمين ولم يعد تأثيره فاعلا على دولة ذات قرار وسيادة ، بل وقد أحزنه استهداف أقرب المقربين له وآخرهم (القوني) ، وقرارات الخزانة الأمريكية على أفراد المليشيا مؤثرة ، لأن المليشيا مرتبطة بالأشخاص والأسرة..

(2)

افتقر خطاب قائد المليشيا للقيمة السياسية ، ليس هناك رسالة واضحة ، فالحرب عندهم أشعلها الإتفاق الإطاري ، ثم طفق يهاجم نهر النيل والشمالية ولم تسلم منه مجتمعات وقبائل ، مع ذلك الاستعطاف العبيط بمفردة الحركة الاسلامية ، غابت هذه المرة تلك النرجسية السياسية والعبارات المنمقة ، لم ترد ذات الأحاديث الفضفاضة والاكليشيهات عن (عنف دولة المركز على الهامش قائمة).. فحتى كتاب الكلمات رحلوا وتركوا الرجل يغالب أوجاعه وأحزانه ، تذكرت شعر المتنبي فى كافور الاخشيدى حين قال :

أُغالِبُ فيكَ الشَوقَ وَالشَوقُ أَغلَبُ..

 وأَعجَبُ مِن ذا الهَجر والوصلُ أعجبُ..

 أَما تَغلط الأَيام في بِأَن أَرى بَغيضاً تُنائي أَو حَبيبا تُقَرب..

..

وفى الجزء الأخير من ذلك اللحن الشعري الحزين قال المتنبي:

أبا المسك هل في الكأس فضل أناله ..

فإنّي أغنّي منذ حين وتشرب..

 وهبت على مقدار كفي زماننا..

 ونفسي على مقدار كفّيك تطلب..

 إذا لم تنط بي ضيعةً أو ولايةً فجودك يكسوني وشغلك يسلب..

لقد ضاق بالرجل الحال ، وقد سبقه بالقول والتمهيد بعض (الهتيفة) سواء فى مسرح الأحداث أو فى بلاد يقتل الصقيع أسماكها.. لم يعد القتال ممكنا ، وقد تعددت المحاور ، وليس جبل موية وحده ، وإنما فى كل أرجاء الوطن وأصقاعه وتراجعت أحاديث المنابر الإعلامية والمنصات والضجيج حوله وساد الصمت اللئيم ، وفقد الرجل الصفة الدستورية ، وتحلق المنظمات وبدأت بعض القوى المدنية في الانسحاب عنه ، بدأت إرهاصات التخلص من (الجيفة)..

ولذلك فإن الرجل فى خطابه هذا يحدث نفسه بهواجسه وكوابيسه..

(3)

وما يمكن الخروج منه فى هذا الخطاب أنه قول يائس ، ولليائسين أفعال الإنتحار ، وأول ذلك اتهامه مصر بمساندة الجيش واتهام روسيا ، وكأنه يبحث عن طرف آخر ويظن أنه يستثير طرفاً أو جمهوراً ونسى أن 15 مليون سوداني غادروا بيوتهم وديارهم وممتلكاتهم بسببه وحروبه وتجاوزاته وذهبوا إلى أرض الكنانه مصر واستقروا آمنين ، إن سوق الاتهامات إلى مصر فوق أنها جزاف وزيف فإنها ساذجة وبالية ، وحميدتي حين اشعل الحرب قال بسبب قاعدة عسكرية مصرية فى مروى..

ومن أقوال اليائس حديثه عن مناطق معينة أي نهر النيل والشمالية ، وهو من الذين زاروا تلك الولايات وقال (إنها مهمشة) ، وغالب الظن سيتم استهداف مدنها بما تبقي لديه من قوة أو مسيرات..

وليس أمامه الكثير فى دعوته لمزيد من الاستنفار ، وقد تقلصت قدرته على جلب المرتزقة وسابلة المجموعات ، وسيكون خياره البحث عن أقل المكاسب..

(4)

وبالتأكيد للخطاب ردود افعال أخرى وأتوقع خلال أيام أن يتباعد بعض السياسيين عنه ، لا يمكن لأى كائن واعي أن يرهن نفسه لهذا الجنون..

وأبلغ من ذلك إدارة حوارات مع مجتمعات وقبائل للإنصراف عن المليشيا ، وخاصة القواعد من الجنود والمستنفرين ، فى الجزيرة وسنار والنيل الأبيض وكردفان ودارفور ، وحتى الخرطوم ، عليهم مخارجة انفسهم طواعية وبإختيارهم ، دعوا المليشيا تحترق بقادتها..

إنها لحظة مفصلية فى الحرب على بلادنا تتطلب تماسكا أكثر وعزما أكبر ، ففى أسبوع واحد من التحرك حدث كل هذا التحول بفضل الله وإذا شددنا العزم ستكون النتائج باهرة خلال ايام بإذن الله..

هذه حرب وطن وليست للتمايز السياسي والعراك والمفاضلة والمكاسب الصغيرة ، فليعد الوطن والأرض والأمان ثم من بعد ذلك تنافسوا ما شاء الله لكم ، هل تسمعوننى..

لقد بدأ العد التنازلي لتنازل المليشيا عن المنازلة..

حفظ الله البلاد والعباد..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى