تقارير

الحرب (الروسية – الأوكرانية) انتقال الصراع للقارة الأفريقية

المحقق – علي البصير

بدأت الحرب (الروسية – الأوكرانية) في سياق جديد بعد اختيار القارة الأفريقية مسرح عمليات بديلًا عن سهول شرق أوروبا وصقيعها، إذ انتقلت إلى وسط لهيب الصحراء الكبرى، وهو ما شكل في الوقت نفسه فرصة للدول الأفريقية لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية ودبلوماسية وأمنية واستراتيجية.

بعد انهيار النفوذ الفرنسي والغربي في مناطق الساحل الأفريقي، دخلت أوكرانيا – بدعم غربي وخاصة من فرنسا – كلاعب جديد لمواجهة النفوذ الروسي، من خلال استهدافها لـ «فاغنر الروسية» الداعمة للجيش المالي وذلك بدعم كييف للمتمردين الذين استطاعوا قهر مرتزقة فاغنر في بلدة تينزواتين، آخر معاقل المتمردين، على الحدود بين مالي والجزائر، حيث واجه الجيش النظامي كميناً مُحكماً انتهى بتدمير الوحدة العسكرية، ومقتل مئات الجنود واعتقال العشرات، وكانت تلك الخسارة الأولى والأقسى التي تتعرض لها «فاغنر» في منطقة الساحل والصحراء، وبالتالي أصبح غرب أفريقيا مسرحاً لصراع بين روسيا وأوكرانيا.

من الواضح أن أوكرانيا  خططت بطريقة جديدة لإلحاق أكبر هزيمة بفاغنر في إفريقيا وحققت تقدماً في حربها ضد روسيا، من خلال دعمها للمتمردين الذين ينتمي أغلبهم للجماعات المتطرفة في غرب أفريقيا، إضافةً إلى تدريبهم حتى يتمكنوا من تنفيذ هجماتهم باستخدام طائرات بدون طيار.

على صعيد آخر بدأت أوكرانيا في ترميم علاقاتها مع أفريقيا واستطاعت في خلال فترة قصيرة فتح سفارات، أو إقامة تمثيل غير مقيم لها في الكونغو الديمقراطية وساحل العاج وموريتانيا والسودان، وتستعد لافتتاح سفارات في دول أخرى بينها بوروندي، وهو ما يشير إلى حراك دبلوماسي جديد خاصة في منطقة الشرق الأفريقي، أي أنها جعلت من غرب أفريقيا ذات النفوذ الروسي منطقة حرب لا هوادة فيها، وهي حليف لمن يحارب فاغنر سواء كانت جيوشاً رسمية أو متمردين، بينما عملت على تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع دول شرق أفريقيا، في سباق نفوذ استراتيجي محتدم.

يتضح ذلك في رسالة تهنئة بذكرى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (الإتحاد الأفريقي لاحقاً) في يوم أفريقيا الذي يصادف 25 مايو من كل عام، إذ قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي “شهدنا مؤخرا أكبر موجة متزامنة من افتتاح السفارات في أفريقيا”، وأوضح زيلينسكي في رسالة نشرتها الخارجية الأوكرانية “افتتحنا عدداً من السفارات الجديدة في أنحاء القارة، وسنستمرّ في توسيع حضورنا، ونأمل في التعاون”.

وما إن تنتهي جولة روسية في أفريقيا إلا وأعقبتها جولة أوكرانية في ذات الإقليم، حيث شهد شهر أغسطس الجاري الجولة الرابعة لوزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا والتي زار خلالها مالاوي، زامبيا وموريشيوس،

وفي جمهورية مالاوي التقى دميتري مع الدكتور لازاروس تشاكويرا – رئيس جمهورية مالاوي وعقد اجتماعًا تناول قضايا السلام العالمي والسلامة الإقليمية، وقال الوزير دميتري كوليبا بحسب صحيفة “نياسا” المالاوية إن جولته كمبعوث للرئيس الأوكراني جزء من برنامج “الحبوب من أوكرانيا”. لمساعدة الدول الصديقة، موضحاً أن بلاده تعهدت لجمهورية مالاوي بمزيد من الدعم في مجال الأمن الغذائي وتقنيات الزراعة الحديثة والرقمنة.

وتعاني ملاوي حالياً من اشكالات تنموية وانعدام للأمن الغذائي بفعل التغييرات المناخية وتعرض أجزاء واسعة منها لاعصارات مدارية مدمرة، في ظل هذه المحنة يقول الوزير الاكراني إنه يقدر موقف ملاوي الثابت بشأن ما اسماه العدوان الروسي على أوكرانيا، فضلاً عن دعمها لبيان قمة السلام، وقال أوكرانيا ليست ممتنة فحسب؛ بل ندرك التأثير الشديد لتغير المناخ على الأمن الغذائي في ملاوي. بناءً على توجيهات الرئيس فولوديمير زيلينسكي، فأن أوكرانيا قررت مساعدة ملاوي بالاستجابة لاحتياجاتها.

في زامبيا وبحسب ما أعلنته وزارة الخارجية الأوكرانية في 6 أغسطس2024م، فإن السيد دميترو كوليبا التقى بنظيره الزامي سعادة مولامبو هايمبي، وناقش الاجتماع سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين أوكرانيا وزامبيا، فضلاً عن التعاون في المنظمات الدولية، وفي نهاية الاجتماع وقع الجانبان مذكرة تفاهم بشأن المشاورات السياسية، كما ناقش إمكانية التعاون في عدد من المجالات.

تكرر المشهد الزامبي بصورة مماثلة لمالاوي خاصة وأن   زامبيا أعلنت الطواريء في انعدام الأمن الغذائي بسبب الجفاف الذي ضرب بلادهم، لذلك كانت أحد المواضيع الخاصة بالاجتماعات الأوكرانية جذب الاستثمارات والمشاركة في إعادة إعمار وتعافي أوكرانيا.

كما تأتي زيارة وزير الخارجية الأوكراني رداً على زيارات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي قام بجولة في أفريقيا في يونيو 2024 لتكثيف الدعم لموسكو وإلقاء اللوم على أوكرانيا في نقص الإمدادات الغذائية الناجم إلى حد كبير عن محاولة روسيا حصار البحر الأسود.

ويرى محللون تحدث إليهم موقع “المحقق” الإخباري أنه بات من الواضح أن أوكرانيا تبذل جهوداُ دبلوماسية كبيرة لتنفيذ “استراتيجيتها الأفريقية” والتي تهدف إلى مواجهة نفوذ روسيا المتزايد في افريقيا. وهو ما يفسر قول الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلينسكي في ديسمبر 2023 إن تطوير العلاقات مع الدول الأفريقية هو أحد أولويات السياسة الخارجية لأوكرانيا لعام 2024.

وأشارت بعض التقارير إلى أن وزير الخارجية الاوكراني بحث مشاركة الشركات الأفريقية في إعادة إعمار بلاده، ومن الواضح أن أوكرانيا تعاني من فجوة في الأيدي العاملة، لذلك أختارت الدول الافريقية التي تعاني من نقص حاد في الغذاء مع مواقفها الداعمة مسبقاً لأوكرانيا.

بدأ عقلاء أفريقيا يتخوفون من تورط أوكرانيا السري والمتزايد في المنطقة، فالكثيرون يخشون من قيام روسيا بتصدير صراعها مع أوكرانيا إلى افريقيا، فيما يرى آخرون أن الافارقة مدركون لأبعاد الصراع ويطالبون القادة بالاستفادة منه.

يراهن عقلاء وشيوخ افريقيا في قمة “السادك” على أن أفريقيا هي قارة المستقبل، وهناك مَن يتنافسون عليها ظنا منهم أنهم سيتناوبون على احتلالها واستغلال مواردها، ولكن الوعي في القارة كبير وبدأ يتصاعد بشكل واضح في مختلف أقاليم القارة.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى