رأي

الحرب انتهت!!

حسين التهامي 

هناك أدلة وقرائن قوية على تحول قوات الدعم السريع إلى مجرد عصابات وتشكيلات إجرامية متفلتة، بعد تدمير وانهيار قوتها النظامية الصلبة ذات الشوكة، والتى بدأت بها الحرب فى أبريل 2023 .

إن من يقوم بجولة سريعة في النشرات الإعلامية والإخبارية سواء السودانية أو غيرها من عربية أو عالمية يجدها تزدحم بأنباء وتفاصيل مروعة عن مذابح وحوادث نهب واغتصابات وقصف مدارس ومستشفيات وأماكن سكن وقتل مدنيين عزل لا يحملون السلاح فى القرى والمدن التى تقع فى الخطوط الملتهبة. وهذا يعنى أن التمرد لم يعد يشكل خطراً عسكرياُ بل مهدداً امنياً فحسب. ويعنى أيضاً أن الدعم السريع عاد إلى صيرورته الأولى التى بدأ منها ومن بعد تحول إلى قوات شبه عسكرية ذات وضع قانونى لا غبار عليه سواء إبان حقبة الرئيس السابق عمر البشير أو بعد سقوطه فى 2019 .

ومن أسف أن وصفة إنشاء قوات الدعم السريع كانت سماً قاتلاً تتجرعه الدولة السودانية الآن على مكث . وكنت قد أشرت إلى ذلك فى مقال سابق مبذول عبر الأسافير حمل عنوان : خطيئة الجيش وخطأ الدعم السريع. وعقب انهيار اتفاقية أديس أبابا الموقعة في 1972م الخاصة بالسلام فى جنوب السودان وقيام الزعيم الجنوبى الراحل جون قرنق بإعلان التمرد فى 1983م تدهور الوضع العسكرى فى الجنوب واندلعت حرب واسعة وضروس دفع ثمنها السودان والجيش على وجه الخصوص إذ كان يقاتل فى جبهة واسعة وبعمق أشد اتساعاً مع نقص مريع فى العتاد، والأهم في الجنود بسبب تدنى الإقبال على الانخراط فى سلك الجندية لقساوتها وضعف رواتبها. وفى 1986م ظهرت قوات المراحيل – تحول اسمها بعد ذلك إلى الفرسان ومن بعد إلى الجنجويد والدعم السريع آخر الأمر فى حرب دارفور – فى مناطق التماس مع جنوب السودان وهي مليشيا لا تتقاضى رواتب لكنها تحصل على مكافأتها بالغنائم . الفكرة هى أن تقوم مكونات إثنية وعرقية معينة بالقتال نيابة عن الجيش الرسمى.

والآن عاد الجان إلى قمقمه وطالته تشوهات عميقة فى متاهته التاريخية ليتحول إلى مجرد عصابات إجرامية مثل جماعات الكارتل Drug Cartel أو تجار المخدرات فى أمريكا الجنوبية وعلى وجه الخصوص فى المكسيك وكولومبيا. أنظر أفعالهم في ما نشرته بى بى سي العربية فى 21 اغسطس 2021:

(تحصد حرب المخدرات الوحشية في المكسيك آلاف الأرواح كل عام حيث تقاتل جماعات التهريب القوية للسيطرة على الأرض والنفوذ، وتسيطر تلك الكارتلات على مناطق شاسعة من البلاد، وهي مسؤولة أيضاً عن الفساد السياسي والاغتيالات وعمليات الخطف، ومنها ينشط كارتل سينالوا في إقليم سينالوا الذي يشمل مساحات كبيرة من شمال غرب البلاد. وقد صفت الحكومة الأمريكية كارتل سينالوا بأنه أحد أكبر منظمات التي تقوم بتهريب المخدرات في العالم. وتأسس الكارتل في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وكان يتزعمه لسنوات عديدة تاجر المخدرات ذائع الصيت خواكين “إل تشابو” غوزمان. وكان “إل تشابو”، أو “شورتي”، يُصنف ذات يوم كواحد من أكبر أثرياء لعالم واكتسب الكارتل تحت قيادته سمعة شرسة فيما يتعلق بالعنف، وقد فتك بالعديد من الجماعات المتنافسة. وتصطدم الكارتلات المكسيكية مع بعضها البعض في الغالب، ولكن تجدر الإشارة إلى أنها يمكن أن تشكل تحالفات استراتجية أيضاً. وقد قام الكارتل باختطاف وتعذيب وذبح أعضاء من العصابات الإجرامية المتنافسة، وكانت لديه أيضاً إمكانية الوصول إلى ترسانة ضخمة من الأسلحة بما في ذلك قاذفة قنابل صاروخية والبندقية الخاصة بغوزمان من طراز أيه كي 47 كانت مطلية بالذهب. ولكن في يوليو من عام 2019 حُكم على إمبراطور المخدرات بالسجن مدى الحياة بعد واحدة من أكثر المحاكمات شهرة في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.

وقال المدعون إن غوزمان كان يتاجر بالكوكايين والهيروين والماريغوانا، وكان يدفع المال لشبكة من التجار والخاطفين والقتلة. وأدى سجنه إلى زيادة العنف في المنطقة حيث سعت مجموعات أخرى للاستفادة من هذا التطور. وعلى الرغم من ذلك، مازالت عصابة سينالوا قوية للغاية، ومازالت تسيطر على شمال غرب المكسيك ويقال إن لها وجودا في مدن تمتد من العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس إلى مدينة نيويورك الأمريكية).. انتهى الاقتباس .

يُستخلص من هذا أن وجود جماعات مسلحة تقاتل الدولة ولها إمكانات مالية حصلت عليها من الأعمال والأنشطة غير الشرعية كالسرقة والنهب وتجارة المخدرات، ولها قدرات عسكرية متطورة، لا يعني بالضرورة وجود جماعات تقاتل من أجل قضية ويمكن أن يُطلق عليها وصف تمرد، وإنما هي جماعات إجرامية تلحق الضرر بالمجتمع، وهذا ما آل إليه حال الدعم السريع، فقد تحول إلى عصابات إجرامية وأصبح هذا هو تصنيفه الصحيح.

إن إعلان الانتهاء من الأعمال العسكرية Military Combat وتحولها إلى العمليات الأمنية Security Operations سيسقط حجية ندية الدعم السريع مع الجيش الوطني بل ويمنح الجيش سنداً من القانونين السودانى والدولي فى احتواء خطورته وشروره التى لا تهدد بلادنا فحسب بل الإقليم الجغرافي المحيط القريب والبعيد. ويقتضى ذلك بالضرورة اتساق الخطاب الرسمى للجيش وحركة الدبلوماسية السودانية الخارجية والإعلام فى شرح أبعاد هذا التطور والانتقال.

لقد آن الأوان أن تتوجه عقولنا وأفئدتنا نحو السلام والتنمية والدستور ، فقد انتهت الحرب ولم تبق إلا هذه العصابات التي تعتبر مكافحتها ضمن مهام عمليات الأمن الداخلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى