الحرب وأثرها في التغيير والتنمية، السودان نموذجاً

د. عادل عبد العزيز حامد
الحروب لها تأثيرات عميقة على الشؤون الاجتماعية والاقتصادية في السودان، وقطعاً تكون لها آثار سالبة على المواطنين وعلى البلاد عموما.
والحرب هذه تختلف عن كل الحروب السابقة في السودان وكذلك في العالم، فقد شهدت ممارسات لم تحدث في كل الحروب السابقة كالنهب والسلب والاغتصاب والسكن في بيوت الناس وفي الأعيان المدنية والدوائر الحكومية والمستشفيات واستعمال البنايات كثكنات عسكرية، وتشتت المواطنون من منازلهم إلى المدن الأخرى في أقاليم السودان المختلفة أو البعض الآخر إلى خارج البلاد، وقد أثرت اقتصادياً بفقدان الممتلكات والعربات، كما أثرت على البنية الأساسية من طرق وكباري ومدارس وجامعات ومستشفيات، ما يؤثر سلباً على التنمية.
وقد أدى هذا الصراع إلى اعتماد الكثيرين على المساعدات الإنسانية الخارجية مما يؤثر على تنمية الموارد المحلية، ولكن الحرب أظهرت بعض النواحي الإيجابية، فلم تتوقف الزراعة المحلية والتي يعتمد عليها الغذاء في كل السودان في منطقة القضارف وفى مدن الولايات الشمالية وبعض المناطق التي لم تشملها الحرب.
وشهدت الحالة الاقتصادية بوجه عام تراجعاً، حيث فقدت العديد من الصناعات قدرتها على العمل وذلك أدى إلى زيادة البطالة وبالتالي زيادة معدلات الفقر.
الآثار الايجابية:
بما أن البعد الاجتماعي والروابط الاجتماعية والأسرية الممتدة هي من السمات الأساسية في المجتمع السوداني لما لها من فوائد عظيمة في الترابط الأسري، وأن الأهل يشاركون ذويهم على المستوى الأسرة الممتده وليس الأسرة الصغيرة، فقد ظهر هذا التكامل الاجتماعي الكبير لدى كل المغتربين العاملين خارج السودان سواء في المنطقة العربية أو على مستوى العالم فقد قاموا بدور كبير في مساعدة أسرهم بالتحويلات المالية وأيضا باستيعاب بعض أفراد الأسرة منهم ولا سيما العاملين في البلاد العربية في الخليج وفي مصر وفي بعض الدول الأفريقية الأخرى، ولعل تحويلات بنك الخرطوم لعبت دوراً مباشراً في تخفيف آثار الحرب على الذين لم يستطيعوا الانتقال إلى خارج السودان ولذلك كانت المسألة واضحة للذين انتقلوا في العاصمة إلى أقاليم السودان المختلفة سواء لأصولهم أو استأجروا في مناطق أخرى خارج العاصمة ليسكنوا بها، وقد أكدت إحصاءات بنك الخرطوم أن جملة المعاملات البنكية المتعلقة بالتحويلات خلال فترة الحرب هذه بلغت 50 مليون عملية عبر خدمة التطبيق الاشهر بنكك (المصدر: الزاوية 10/4/2024)
الأمر الآخر والملاحظ والذي يختلف عن كل الحروب التي نشاهدها في العالم هو أن النازحين في هذه الحرب تجاوزوا الـ 10 مليون من الولايات التي دخل المتمردون إلى مدنها ونزح أهلها إلى الولايات الآمنة أو لجأوا إلى البلاد المجاورة، ولكن برغم العدد الكبير لم تكن هناك معسكرات للنازحين أو اللاجئين إلا في بعض الدول المجاورة سواء في تشاد أو اثيوبيا أو جنوب السودان، ولكن الغالبية العظمى ذهبوا لأقاربهم في الولايات المختلفة، أو في دول الخليج ومصر، وقد كان هذا قمة من التكامل الاجتماعي، وهو ما يجب أن نُعلى من شأنه ونعزز هذه القيمة الاجتماعية العظيمة.
تخلق الحرب شعوراً عميقاً بالترويع والخوف وفقدان الأمل مما يؤدي إلى ضغوط نفسية طويلة الأمد على الأفراد وعلى المجتمعات ولكن التكامل الاجتماعي الكبير ومراكز الغذاء (التكايا) والتي تساعد الناس في مسألة الأكل والشرب ساعدت في التخفيف من الضغوطات النفسية على الأفراد، كما أن المعاناة المشتركة أثناء هذه الحرب تؤدي إلى تعزيز الروابط بين السودانيين مما يعزز من روح التضامن والشعور بالهوية المشتركة.
الدروس المستفادة من الحرب:
نحاول أن ننظر إلى الجوانب الإيجابية من الحرب، والدروس التي يمكن أن نستفيد منها، ومن هذه الدروس أنه علينا أن نحمد الله على نعمة الأمن والأمان التي كانت لدينا، والتي لم نكن نشعر بقيمتها إلى أن جاءت هذه الحرب بكل ما فيها من مآسي، فنحن علينا بعد هذه التجربة أن نسعى إلى تحقيق السلام والاستقرار ونتجنب كل الأشياء التي تؤدي إلى الفرقة والتنافر، ونبعد أنفسنا عن حب النفس والأطماع الشخصية وأن نبتعد عن الفساد والمحسوبية والتمييز وأن نبتعد عن التعالي والنظرة العنصرية للآخرين والاستعلاء العرقي….. و نبعد أنفسنا عن أمراض الجاهلية ف “كلكم لآدم وآدم من تراب”، “ومن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه”، ويقول النووي في شرح الحديث: من كان عمله ناقصاً لم يلحقه بمرتبة أصحاب الأعمال، فينبغي أن لا يتكل على شرف النسب وفضيلة الآباء.
ويجب على كتاب الرأي ورواد الإعلام الابتعاد عن الحديث العنصري والتفاخر بالألقاب والأنساب ويجب على رواد التواصل الاجتماعي عدم نقل الأحاديث السالبة والعنصرية حتى لا يساعدوا في انتشار الأشياء السالبة التى توغر الصدور وتزيد من البغضاء والمشاحنات ولا تؤدي إلى الوحدة الوطنية . فنحن نحتاج إلى وحدة وطنية ونحتاج إلى دولة المواطنة، دولة القانون، يكون الكل فيها سواسية كأسنان المشط، وهكذا يمكن أن نبدأ مشوار التضامن ومشوار التنمية والرخاء.
إن الحروب دائماُ ما تزيد الوعي السياسي للأفراد وتلفت النظر للكثير من الأشياء التي تكون غائبة عن وعي المواطنين وقد تشجعهم على المطالبة بمزيد من حقوقهم المدنية والسياسية.
كما أن تجارب الحروب يمكن ان تؤدي لتغييرات إيجابية في أنظمة التعليم وفلسفة التعليم نفسها، ويجب التركيز على إعلاء قيم السلام والعدالة والتسامح ويجب أن ننظر الى المناهج التعليمية بعد هذه الحرب وننظر إلى الخلل فيها على كل المستويات ونعمل على إصلاحه ولا سيما فيما يلي التربية الوطنية والعمل على زيادة المناهج التعليمية التي تنادي بحب الأوطان وإعلاء المصلحة العامة على المصلحة الخاصة والابتعاد عن أمثالنا القديمة والتي هي ضد وعكس مفهوم الدولة دولة المواطنة والتي كانت قديماً ضد المستعمر القديم والتي كانت ترمز له ب “الميري”.
ويجب علينا بعد هذه الحرب أن نغير من أنماط سلوكنا القديمه ونسعى إلى تغيير العادات والمفاهيم باعلاء قيمة العمل والاجتهاد والتحصيل وعدم الاعتماد على الأسرة الممتدة وأن نشجع الأطفال منذ الصغر على العمل والسعي والاجتهاد والعمل خلال الإجازات والتدريب وهكذا.
أرجو أن تكون هذه الحرب قد أعطت الناس فرصة للتفكير والندم والنظر من زاوية جديدة وتفكير مختلف عن التفكير القديم وأن تكون هذه المحنة الكبيرة منحة ربانية نستفيد منها جميعنا نحو بناء سودان مختلف، سودان العزة والمنعة والتضامن، وأن يكون السودان أولاً والتحية لمبادرة السودان أولاً وننطلق نحو غد مشرق سعيد نستفيد من كل هذه الموارد التي يسعى لها الآخرون إقليمياً ودولياً وتحتاج إلى رؤى جديدة لشباب هذه الأمة للنهضة والاستقرار والتنمية المستدامة والاستفادة القصوى من الموارد البشرية للسودانيين المنتشرين في كل اصقاع المعمورة، وأحسب أنهم قادرون على بناء سودان العزة والرفاهية والتعليم.