رأي

الدبلوماسية السرية وأمن الدولة القومي: المضنون به على غير أهله (2-2)

دكتور أحمد عبد الباقي

 

تُوصف الدبلوماسية السرية بأنها عملية تفاوض سياسي ودبلوماسي أمام التحولات العميقة في النظام السياسي الدولي، ومع تنامي دور المنظمات غير الحكومية وأهمية الرأي العام، هذا ويري منظري ومفكري وعلماء العلاقات الدولية أن الدبلوماسية السرية إحدى أخطر المؤسسات الليبرالية الشريرة، حيث أصبحت فاعلاً رئيسياً في النسيج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في العصر الحديث، وفي الوقت نفسه هي بعيدة عن حقوق الإنسان، والرأي العام مما يولد نوعا من البلبلة وسط هذا الرأي وانتشار الشائعات، لعبت الظروف السياسية والاقتصادية الدولية دورا مهما في نمو وتطور الدبلوماسية السرية حيث شهد العالم أحداثاً وقضايا مهمة تطلبت إنشاء فلسفة جديدة من العمليات التفاوضية بين الدول، تكون بعيدة عن النشاط المؤسسي، بمعنى أن عملها مرتبط بصانع القرار السياسي حصرا (مضنون به على غير أهله)، وليس شرطا أن يكون من يشاركون في الدبلوماسية السرية من ضمن السلك الدبلوماسي للدولة، وإنما ينتمي إليها أشخاص من خارج العمل الدبلوماسي، يمارسون نشاطات تهدف من ورائها إلى أهداف ذات صبغة دولية.

يشير بعد الدبلوماسية السرية السياسي إلي موقف تنافسي خاص، يكون طرفاه أو أطرافه، على دراية بعدم التوافق في المواقف المستقبلية المحتملة، التي يكون كل منهما أو منهم، مضطرا فيها إلى تبنِ أو اتخاذ موقف لا يتوافق مع المصالح المحتملة للطرف الثاني أو الأطراف الأخرى.

يقترح مفهوم الدبلوماسية السرية عموما موقفا تنافسيا تعلم الأطراف فيه ﺑﻌﺪم اﻟﺘﻮاﻓﻖ في اﻟﻤﻮاﻗﻒ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻠﻴﺔ اﻟﻤﺤﺘﻤﻠﺔ، كما ﻳﻜﻮن كل ﻣﻨﻬﻢ ﻣﻀﻄﺮا أﻳﻀا لاتخاذ مواقف ﻏﻴﺮ ﻣﺘﻮاﻓﻖ عليها بالكلية مع اﻟﻤﺼﺎﻟﺢ الوطنية. الأمر الذي تختلف فيه وجهات النظر حول كُنه الدبلوماسية السرية وما هيتها، وفيما إذا كانت سلبية تماما أو فيها بعض الجوانب الإيجابية.

الشاهد فى الأمر، أنه أيا كان الموقف من سلبيات وإيجابيات الدبلوماسية السرية، فإنها ‏مثلت أسلوباً شائعا في العلاقات الدولية لا سيما بين القوى الكبرى لاعتبارات المصالح الوطنية العليا التي يعد الأمن القومي دافعاً ومبرراً لها على الرغم من بعض النتائج والآثار السلبية التي خلفها هذا النمط من العمل الدبلوماسي خاصة عندما يتعلق الأمر بالدول النامية. وعليه أري أن الدبلوماسية السرية واحدة من أدوات تعزيز الأمن القومي، ففي الوقت الذي تضطلع فيه مؤسسات معينة بمهمة المساهمة في صنع السياسات الخارجية للدولة كوزارة الخارجية والدفاع وجهاز المخابرات ومستشارية الأمن القومي، تلعب الدبلوماسية بشقيها السري والعلني دورا كبيراً في بلورة الرؤى والأفكار والخطط الأساسية لأجندة الأنشطة الخارجية التي ترتكز عليها السلطة التنفيذية في تحقيق أهدافها الاستراتيجية حتى لو على قاعدة أخف الضررين أو قاعدة الفقهاء “مالا يدرك كله لا يترك جله”.

وتأسيسا على هذا الفهم أري أنه ليس هنالك ثمة مانع يحول بين “حكومة السودان” واستخدام الدبلوماسية السرية في الحرب ضد مليشيا الدعم السريع بحيث لا تحظ بأي وجود سياسي أو عسكري في السودان، وأن يصبح الهدف هو تحقيق أهداف عليا تتمحور حول حماية الأمن القومي للسودان، وعلى رأسه الحفاظ على وحدة السودان وقواته المسلحة والأجهزة الأمنية (وإن كان ثمة اصلاحا فليكن لاحقا بعد هزيمة التمرد) بعيدا عن المصالح الحزبية الضيقة والطموحات الشخصية والتفكير الرغائبي.

لا بدَّ أن يضع صانع القرار حينما يلجأ إلى الدبلوماسية السرية في السودان أن حرب التمرد وحدت الشعب السوداني خلف قواته المسلحة، وأن الشعب السوداني الذي مسه ضر التمر بقوة أصبح رقما لا يمكن تجاوزه في أي دبلوماسية علنية أو سرية حتى، وإن أصبحت مضنون بها على غير أهلها والتاريخ لن يرحم، والسرية لن تدوم ولو بعد حين، لا ينبغي التفريط في الثوابت الدينية للأغلبية العظمى من الشعب السوداني المسلم، و لابد من محاسبة من أجرم في حقه، و التمسك بجبر الضرر وإعادة الإعمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى