الذاكرة السودانية | د. إسماعيل الحاج موسى: مايو التجربة الأقرب للذهنية السودانية (1 – 2)

محمد الشيخ حسين
رغم أن 56 عاماً تفصلنا عن ثورة 25 مايو التي حكمت السودان بين العامين 1969 و 1985، إلا أن الكثير من وقائع أسرار وحكايات مايو مازالت في طي الكتمان، وهنا دعونا نسمع ونرى تفاصيل جانب من حكايات مايو.
أصغر وزير
عندما بلغ التاسعة والعشرين من عمره في فبراير 1976، أدى الدكتور إسماعيل الحاج موسى القسم وزير دولة للإعلام. وكان أصغر من عين وزيراُ في تاريخ السودان.
وهكذا دخل محاورنا التجربة المايوية من قمتها، وعاش وشارك وشاهد عدة مواقف في أيام نميري في السودان، تلك الرحلة الطويلة التي بدأت في 25 مايو 1969 وانتهت في السادس من أبريل 1985.
5726 يوما قضاها نميري حاكما للبلاد والعباد بإستثناء ستة أيام قضاها خارج سدة الحكم ثلاثة أيام منها قضاها معتقلا في القصر الجمهوري إبان الانقلاب الشيوعي بقيادة المقدم هاشم العطا في يوليو 1971، وثلاثة أيام أخرى قضاها في مكان مجهول أثناء الغزو المسلح الذي دبرته المعارضة السودانية في يوليو 1976.
وأصدق وصف لأيام نميري في السودان هو أنها مثل جبال الجليد الطافية على أسطح البحار، الذي يظهر منها أصغر كثيرا في حجمه من الذي يغطس في الأعماق.
ومع أن الكثيرين قد شاركوا في صنع تلك الأيام التي نعيش مشارف العقد السادس منذ بدايتها، إلا أن القليلين هم الذين يعرفون خفايا ما كان يدور وراء كواليس المسرح السياسي الذي شهدته. ولقد كانت أيام نميري في السودان في – أحايين عديدة – من النوع الذي لا يفصح مظهره عن كامل جوهره ومغزاه وحجمه.
وهذه الإفادات مع الدكتور إسماعيل الحاج موسى وزير الدولة ثم وزير الإعلام في تلك الأيام لمدة سبع سنوات، محاولة لإزاحة الغطاء عن حقيقة ما جرى.
وبهذا المعني فإن هذه الوقائع ليست مذكرات أو يوميات سياسية بالمعنى المتداول للمذكرات أو اليوميات، ولكنها إفادات مباشرة على أسئلة شغلت وتشغل أذهان الكثيرين وما يزال الجدل محتدما حولها.
وأصدق وصف لهذه الإفادات أنها شهادة من الدرجة الأولى عن أحداث أسهمت كثيرا في صنع صورة بلاد السودان الحالية وما تزال حية بآثارها وشخوصها، وهنا تفاصيل الحوار:
عندما يرحل الإنسان إلي أقصى نقطة في الذاكرة، يبقى في ذهنه شيئ ما، ماذا بقي في ذهن الدكتور إسماعيل الحاج موسى من النشأة الأولي في جو الأسرة الصغيرة والممتدة وما يحيط بها من أبعاد صوفية؟
نشأتي الأولي لها أثر واضح في تكويني وانعكاس بارز على حياتي ثقافيا. وأقصد هنا الثقافة بمعناها الواسع الذي يشمل نمط الحياة والسلوك والقيم
ومن الشواهد البارزة الآن أنني منضبط جدا في المواعيد، لدرجة أن البعض كانوا يعتقدون أن هذا الانضباط مبعثه حياتي في أوروبا لنحو سبع سنوات، ولكن هذا الانضباط الذي يصل إلى حد الصرامة كان نمط حياتي قبل ذهابي إلي أوروبا.
الانضباط الشديد
من جهته يرجع د. إسماعيل هذا الانضباط إلى نشأته وسط مؤسستين تتسمان بالانضباط الشديد وهما المؤسسة الصوفية. أنا جدي مباشرة الشيخ إسماعيل الولي من جهة الأم، فوالدتي فاطمة السيد بكري السيد الحنفي السيد المكي الشيخ إسماعيل الولي. وهو بالمناسبة جد أول رئيس وزراء للسودان إسماعيل الأزهري.
أما المؤسسة الثانية فهي المؤسسة العسكرية، حيث كان والده ضابطا كبيرا في قوات دفاع السودان ووصل حتى مرتبة القائمام وشارك في قوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وله صورة مع القائد الإنجليزي المعروف مونتجمري إبان قيادته لقوات الحلفاء، وكان والده قائد الشرف الذي استقبل مونتجمري. وهكذا نشأتُ في داخل ثكنات قوات الهجانة التي كانت من أقوى فصائل الجيش في ذلك الوقت وكان مقرها حاضرة كردفان الأبيض في وسط السودان. ولعل هذه النشأة أورثتني الكثير من الانضباط العسكري، إضافة إلى تأثير الأسرة الصوفية.
وهناك جانب متعلق بالثقافة، إذ كان والدي محبا للقراءة جدا، وفي بيتنا مكتبة ضخمة، وهذا ما ورثته عن والدي. وأذكر أنني في المدرسة الأولية كنت اقرأ مجلة الرسالة لأحمد حسن الزيات، وعندما وصلت إلى المرحلة الدراسية الوسطي كنت اكتب في صحيفة كردفان التي أصدرها الأستاذ الفاتح النور في الأبيض، وهي أول صحيفة إقليمية تصدر في السودان.
عاد الدكتور إسماعيل إلى السودان في منتصف السبعينيات من فرنسا ويحمل درجة الدكتوراة في علم الاجتماع، وكان عمره 29 سنة وشغل منصب عميد الطلاب في جامعة الخرطوم، ولكن فجاءة عين وزير دولة للإعلام، هل يعني هذا أنه تميز بنبوغ مبكر أم في الأمر مجاملة لشقيقه المرحوم عمر الحاج موسى، الذي كان أحد رجال مايو الأقوياء آنذاك أم أن نظام مايو كان يفتقر للكوادر ولذا تم اختياره.
يقول إسماعيل: تم اختياري وزير دولة للإعلام في فبراير 1976، وكنت أصغر من عين وزيراً في تاريخ السودان، ولكن لا أعتقد أن أياً من الأسباب الثلاثة التي تفضلت بذكرها كان وراء اختياري.
صاحب سمعة كبيرة
أولا صلتي بالمرحوم عمر الحاج موسى وزير الإعلام في مايو الذي تأثرت به ليست لها علاقة باختياري وزير، لسبب بسيط فحواه أن المرحوم عمر الحاج موسى لم يعرف حقيقة بأنه رجل سياسي إلا بعد مايو، وقبلها كانت شهرته أنه واسع الثقافة وكثير الإطلاع. مقابل ذلك كنت أنا مهتماً بالعمل السياسي، وعندما دخلت جامعة الخرطوم أصبحت رئيساً للجبهة الاشتراكية ورئيساً لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم في فترة الغليان السياسي الذي شهده السودان في أكتوبر 1964م. وحين ابتعثت إلى فرنسا قبل مجيء مايو أصبحت رئيساً لاتحاد الطلاب العرب في فرنسا وكان ذلك عملاً سياسياً.
الشاهد أنني عندما أصبحت وزيراً كنت صاحب سمعة كبيرة في المجال السياسي وبمجرد تخرجي من جامعة الخرطوم عملت في الصحافة سكرتيراً لتحرير مجلة الحياة.
وعودة للسؤال فإن قرار اختياري وزيراً لم يكن وراءه شقيقي عمر ولا أظن أن نظام مايو كان يفتقر للكوادر.
على أن النقطة الأهم في هذا الإطار الاعتراف بأن نظام مايو استقطب خيرة الكفاءات والخبرات الموجودة في البلد، وعند عودتي من فرنسا كان وزراء مايو في قامة: المرحوم د.جعفر محمد علي بخيت وزير الحكومات المحلية، د. منصور خالد وزير الخارجية، المرحوم عمر الحاج موسى وزير الإعلام، أبو بكر عثمان محمد صالح وزير مجلس الوزراء، مهدي مصطفي الهادي محافظ الخرطوم، المرحوم د. محي الدين صابر وزير التربية، والقائمة طويلة.
أما ما يثيره السؤال عند نبوغ مبكر في شخصي فهذا أمر لا أحكم به أنا، إذ أن المهم أن خلفيتي في العمل السياسي أو اعتباري صوتا جديدا مختلفا كلها عوامل دفعت نظام مايو إلى اختياري وزيراً.
في فبراير 1976م أديت القسم وزيراً للدولة في وزارة الإعلام، الطقس السياسي في نظام مايو آنذاك كان مليئاً بالغيوم من شللية إلى قوى ضغط إلى عناصر انتهازية إلى روائح للفساد تزكم الأنوف، أين كنت أنت من كل هذه الغيوم؟
شوف لا اعتقد أن أجواء نظام مايو في ذلك الوقت كانت بالصورة التي قدمها السؤال. الشاهد أن الحديث عن الفساد كان مجرد شائعات تنتشر دون دليل يسندها.
طبيعة الشعب السوداني
الحديث عن الشللية ومجموعات الضغط، يرتبط بطبيعة الشعب السوداني وانغماسه في السياسة للدرجة التي تجعله يحلل كل القرارات والإجراءات المرتبطة بالسياسات والتعديلات والمواقع والتكتلات. فالمجموعات التي عملت في الاتحاد الاشتراكي _ مثلا _ كانت تصنف إلى يسار ويمين وسط.
وكان يمثل اليمين المرحوم جعفر محمد علي بخيت، ود.منصور خالد، ويمثل اليسار العناصر الذين كانوا يوما ما أعضاء في الحزب الشيوعي مثل: المرحوم أحمد عبد الحليم، بدر الدين سليمان، ومهدي مصطفي الهادي. ومن لم يصنف في اليمين أو اليسار تم ضمه إلى تيار الوسط. وكانت التنظيمات الجماهيرية والفئوية تصنف حسب الأشخاص الذين يتولون قيادتها. ومع وجود كل هذه الإشاعات كانت الصلات بين الناس ممتازة جدا.
العناصر المتنافرة
المناخ طيب والصلات بين الناس ممتازة، لكن الملاحظ أن نظام مايو قد جمع كل العناصر المتنافرة في حقيبة الفن السياسي السوداني؟.
لا أوافق على أنها عناصر متنافرة، لأن كل هؤلاء التقوا على خطوط عريضة في السياسة وتوحدت رؤيتهم حول قضايا مشتركة مثل التنمية والوحدة الوطنية.
الأقرب للذهنية السودانية
وفي تقدير اسماعيل أن هذه الصيغة هي الأقرب للذهنية السودانية إذ أنك تجمع الناس علي خطوط عريضة لا يمكن أن يختلفوا حولها.
وعلى ذات المنوال دخلت المعارضة في نظام مايو إثر المصالحة الوطنية، بعد اتفاق معها على الخطوط العريضة.
ومع ذلك فإن ما يثار من خلافات لم يكن يصل المرحلة التي تجعل التعاون يبدو صعبا بين أطراف السلطة المختلفة آنذاك.
وثمة جانب مهم جداً في هذه المسألة ويتمثل في أن التقاء عناصر من توجهات سياسية مختلفة يعطي حيوية، لأن التقاء الناس من فصيل سياسي واحد يجعل الأمور راكدة.
أجواء اجتماعات مجلس الوزراء هل كانت وقائعها أقرب إلى الذهنية السودانية، بمعنى أنها هل كانت تهتم بمناقشة هموم الناس وقضاياهم؟
في الواقع كانت اجتماعات مجلس الوزراء رغم ما يبذله نميري أحيانا لتنشيطها فقد كانت روتينية وكان يوم الأحد يوما ضائعاً بالنسبة لكثير من الوزراء وكانت كل أهميته قد تختصر في أنه يمكن الوزراء من اللقاء مع بعضهم البعض في صالون الانتظار قبل موعد الاجتماع مما يوفر عليهم بعض الزمن ويهيئ لهم فرصة للتفاكر حول بعض المسائل المشتركة. وقد كانت معظم بنود الاجتماع من الخدمة العامة حول قضايا بعيدة عن واقع الناس.
اجتماعات روتينية ومملة
نادراُ ما كان مجلس الوزراء يتعرض لقضايا الناس اليومية، مع أن هذا الأسلوب أدخل في فترة ما بمبادرة من الأخ أبو بكر عثمان محمد صالح وزير شؤون الرئاسة وقتها، بحيث أن بعض الجلسات كانت تخصص لمناقشة قضايا الناس اليومية والحياتية، ولذلك فإن اجتماعات مجلس الوزراء كانت في معظمها اجتماعات مملة وقد ولدت برتابتها هذه هواية غريبة هي تمرير المذكرات الصغيرة المقتضبة من تحت المنضدة، وهي في معظمها تحتوي على تعليقات أو تشنيعات حول الناس والأحاديث. ولا أزال احتفظ ببعض هذه المذكرات الصغيرة التي تشهد على روتينية هذه الاجتماعات والملل الذي يشعر به الوزراء الذين تعودوا على المساهمة الجادة والمنظمة في النقاش.
هل صحيح أن بعض العناصر المنشقة عن الحزب الشيوعي السوداني نقلت صراعات الشيوعيين إلى الاتحاد الاشتراكي السوداني؟.
ليس هذا صحيحاً فالشيوعيون الذين انشقوا عملوا في نظام مايو من منطلق قناعاتهم بالأطروحات المايوية، وهذا سبب من أسباب خلافهم مع مجموعة الشيوعيين التي كان يقودها المرحوم عبد الخالق محجوب.
قدرات تنظيمية عالية
وإضافة إلى اقتناع الشيوعيين بأطروحات مايو كانت لهم قدرات تنظيمية عالية استفادت منها مايو فائدة عظمي. فالأستاذ عبد القادر عباس بالتحديد كان مسؤول التنظيم في الحزب الشيوعي واستفادت مايو من خبراته فضلا عن القدر العالي من الثقافة الذي يتمتع به الشيوعيون. والخلاصة أن الاستفادة منهم كانت شطارة من مايو.
في أذهان الكثير من المتابعين لكتابات الدكتور إسماعيل الحاج موسى، سؤال هامشي فحواه أنك كثير الإعجاب بتجربة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وهذا ظاهر في كتاباتك وأحاديثك. كيف ينسجم هذا الإعجاب مع تجربتك السابقة في جامعة الخرطوم كاشتراكي ديمقراطي؟.
إعجابي بعبد الناصر لا أخفيه وحرصت وما زالت علي كتابة مقال سنوي كلما تحل ذكري وفاة عبد الناصر. أما تأثري به فقد كان واضحاً منذ بداية انغماسي في العمل السياسي.
في ذهننا التجربة الناصرية
الشاهد أننا عندما أسسنا الجبهة الاشتراكية الديمقراطية في جامعة الخرطوم، كان في ذهننا التجربة الناصرية. وكانت تجربة نادينا فيها بالاشتراكية بعيداً عن الشيوعية.
شوف جمال عبد الناصر من أعظم القادة الذين أنجبهم القرن العشرين، لأن عبد الناصر كزعيم سياسي جمع بين القوة والبساطة. وعندما كنت طالبا في فرنسا في نهاية الستينيات لم يكن العالم يعرف عن العالم العربي سوى عبد الناصر.
التجربة الناصرية تجربة عظيمة وثورة 23 يوليو كانت منعطفاُ تاريخياً مهماً في مسار الإنسانية والشواهد كثيرة ولا يسع المجال لسردها.
حصاد القول أنني معجب بالناصرية كفكر وليست كتنظيم. وأظن أن الناصرية أكبر من أن تؤطر في حزب.
حول الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري كانت هناك مجموعة من الرجال كان يحيط بهم شئ من الغموض يجعلهم ألغازاً، تحديداً نسأل عن الدكتور بهاء محمد إدريس وزير رئاسة الجمهورية والمرحوم محمد محجوب سليمان المستشار الصحفي رئيس الجمهورية؟
لا يمكن أن أصفهم بعبارة ألغاز، لكن قطعاً كانا مثل الشيء الذي لا تستطيع أن تسبر غوره أو تحدد كنهه.
لا يحبان الأضواء
أظن أن السبب بالنسبة للدكتور بهاء الدين ومحمد محجوب سليمان أن كل ما نسج حولهما من علامات الاستفهام والتعجب مبعثه أنهما لا يحبان الأضواء، وأظن أنهما يعانيان من نمط التوجس الإعلامي، الذي يجعل المسؤول يتوجس من الإعلام فيتهرب من أجهزته ويبتعد عن أضوائه، وذلك لعدم المقدرة أو عدم الرغبة أو الأثنين معا. أو لأنه عندما يكون بعيداُ عن الأضواء يظل أكثر قدرة على تحريك الأمور.
صلتي بمحمد محجوب سليمان تفوق صلتي ببهاء الدين، والشاهد إنني كنت وزير الإعلام الوحيد خلال حقبة مايو الذي كانت تربطه علاقة قوية جدا بمستشار الرئيس الصحفي وصلتي به كانت حميمة جدا ولعل السبب إننا التقينا في كثير من المواقف من القضايا العربية، خاصة في الأجواء التي أعقبت توقيع اتفاقيات كامب ديفيد.
بصفتك صديق قريب لمحمد محجوب سليمان المستشار الصحفي لنميري الرجل الغامض الذي لا يحب الأضواء من هو؟
الغموض الذي كان يحيط بالمرحوم محمد محجوب سليمان يعود إلى أنه رجل بلا علاقات اجتماعية، وأؤكد أن محمد محجوب رغم منصبه والزخم الذي يحيط به كانت له علاقة مع شخصين فقط في السودان كله أولهما إسماعيل الحاج موسى وثانيهما الدكتور محمد بلال أخصائي المسالك البولية ويعمل حاليا في السعودية ولم تكن لديه صداقات. وغموض محمد محجوب سليمان ناتج عن افتقاره للصداقات والعلاقات الاجتماعية.
ويتميز محمد محجوب سليمان بالقدرة الهائلة على الكتابة وكان يدخن بشراهة ويستطيع الجلوس لساعات طويلة منهمكا في الكتابة وكنت أخذ عليه أن يكتب لنميري خطبا طويلة وكان له تأثر واضح بطريقة الأستاذ محمد حسنين هيكل في الكتابة وخاصة فيما يتعلق بالمقدمات وتأكيد المعنى بإيراد المترادفات.
هل المرحوم محمد محجوب سليمان هو المؤلف الحقيقي لكل الكتب المنسوبة إلى جعفر نميري؟
لا أعرف ما المقصود بالمؤلف فالأفكار التي احتوتها هذه الكتب هي أفكار جعفر نميري، لكن الصياغة دون شك أعدها محمد محجوب سليمان.
فيما يتعلق بالكتب التي أصدرها جعفر نميري فهي جميعها من أفكاره ونظراً لأن رئيس الجمهورية ليس لديه الوقت الكافي لتدوين هذه الأفكار في الكتب.
والحاصل أن نميري كان يطرح أفكاره على محمد محجوب سليمان الذي يقوم بالصياغة وبالعودة إلى السؤال فإن كل الكتب التي ألفها جعفر نميري كانت من أفكاره ودور محمد محجوب سليمان لم يتخطى مجرد الصياغة والتنسيق لهذه الأفكار. وأسلوب محمد محجوب سليمان في الصياغة واضح جدا. ولا يحتاج الأمر لاجتهاد لكي نعرف من الذي قام بالصياغة.
وأكرر أن محمد محجوب سليمان لم يكن مؤلفاً لكتب نميري فالأفكار كانت لنميري ومحمد محجوب قام بالصياغة فقط.
بصفتك أستاذاً جامعياً هل تعتقد أن جعفر نميري كانت لديه القدرات الفكرية التي تجعله يؤلف كل هذه الكتب؟
هذه الكتب ليس فيها ما يثير هذا السؤال فكتاب النهج الإسلامي لماذا؟ يتناول المجتمع السوداني من جهة كونه مجتمعا متدينا ينبغي أن يوجه الإسلام كل أنشطته وليس صحيحا أن انهماك محمد محجوب سليمان في صياغة كتب نميري قد أضرته على المستوي الشخصي ككاتب أو صحافي مرموق في البلد، لأن محمد محجوب سليمان لم يكن لديه طموح أو رغبة في أن يكون كاتبا مرموقا. محمد محجوب كان كل همه أن يكون في ظل الرئيس نميري.
وثمة شاهد آخر على زهد محمد محجوب سليمان في الأضواء أنه عندما عين وزيرا للإعلام تملكه (زعل) من القرار و(حرد) وجلس في منزله ثلاثة أيام حتى صدر قرار بإعفائه.
ابتداع مهرجانات الثقافة هل تعتبره عملاً ناجحاً من جهة الأثر الذي أحدثته ولماذا لم تستمر؟.
في السودان يتم دائماً ربط العمل بالأشخاص مما يجعل الأمر مضراً تماماً. وعندما عينت وزير الدولة للثقافة والإعلام طلبت من الوزير بونا ملوال، التفرغ للعمل الثقافي، بحسبان أن النشاط الثقافي ضعيف وأن أي نشاط في الحياة لابد أن يواكبه جهد ثقافي.
الجزء الثاني قصة مهرجان الثقافة