ثقافية

الذاكرة السودانية: د. إسماعيل الحاج موسى: مايو التجربة الأقرب للذهنية السودانية (2 – 2)

محمد الشيخ حسين

رغم أن 56 عاماُ تفصلنا عن “ثورة 25 مايو” التي حكمت السودان بين العامين 1969 و1985، إلا أن الكثير من وقائع أسرار  وحكايات مايو مازالت في طي الكتمان، وهنا دعونا نسمع ونرى تفاصيل جانب من حكايات مايو.

أصغر وزير

عندما بلغ التاسعة والعشرين من عمره في فبراير 1976، أدى الدكتور إسماعيل الحاج موسى القسم وزير دولة للإعلام. وكان أصغر  من عين وزيراً في تاريخ السودان، وهنا ننشر الجزء الثاني والأخير من ذاكرة التجربة المايوية على لسانه.

قصة مهرجان الثقافة

كان مفهوم د. إسماعيل الواسع للثقافة أنها ليست أدباً أو فناً أو معرفة أو عمل إبداعي فحسب، وإنما الثقافة بمعناها الواسع هي نمط حياة وتقاليد وإطار مادي ومعنوي يحرك الإنسان فكراً ومسلكا.

وكان الواقع أن الثقافة ظلت لفترة طويلة جداً إدارة ملحقة بوزارة الإعلام. وتستغرق أعباء العمل الإعلامي جل وقت الوزير ولا تترك له فرصة للاهتمام بالثقافة.

يقول الدكتور إسماعيل:

من هذا المفهوم تفرغت لتنشيط العمل الثقافي وبدأت بالدعوة لاجتماع موسع حضره عدد كبير جدا من المهتمين بالعمل الثقافي في البلاد. وشاركت في ذلك الاجتماع عناصر كانت معارضة لنظام مايو مثل الأستاذ كمال الجزولي والدكتور خالد المبارك والدكتور عبد الله علي إبراهيم.

ودعوت في ذلك الاجتماع إلى تنشيط العمل الثقافي واقترحت إقامة مهرجان كآلية لتنشيط العمل الثقافي، وشددت علي أن ألا يكون المهرجان حدث يفور في حيز زماني ومكاني ضيق وينتهي.

عيد متصل للإبداع

وركزت علي أن يكون المهرجان عيداً متصلاً للإبداع. وتحمس الجميع للفكرة وأقمنا مهرجانات الثقافة الأول والثاني والثالث.

وهذا النشاط الضخم كان يجد التأييد والمساندات من رئيس الجمهورية جعفر نميري الذي كان يحرص على حضور الليلة الختامية في المهرجان، إضافة إلى تخصيص جوائز رئيس الجمهورية للمبدعين والواعدين.

وفي تقديري أن فكرة مهرجان الثقافة كانت عملا ممتازا، هيأت فعالياته لتنظيم مؤتمر التخطيط الثقافي الشامل الذي ناقش عدة أوراق عمل عن إعادة كتابة التاريخ وعن المناهج الدراسية. وفي كواليس هذا المؤتمر نمت فكرة إنشاء وزارة خاصة للثقافة وفصلها عن وزارة الإعلام وهي الفكرة التي تم تطبيقها مؤخرا في مطلع العام 2000م.

المؤسف إنني بعد خرجت من وزارة الثقافة والإعلام انقطع تنظيم مهرجانات الثقافة، وبعد 15 سنة من توقفه جاء إلى وزارة الثقافة والإعلام الدكتور الطيب إبراهيم محمد خير وعزم علي مواصلة المهرجان وبالفعل أقام مهرجان الثقافة الرابع وبذل فيه جهدا طيبا، لكن الحكومة السودانية إبان قيام المهرجان 1995م كانت تعاني من مشاكل سياسية متعددة أثرت في درجة الاهتمام بالمهرجان.

 

*هل كانت الاستعانة بعناصر مناوئة لنظام مايو عند الإعداد لمهرجانات الثقافة مسألة انفتاح من الدكتور إسماعيل الحاج موسى أم كنت تحمل ضوءا أخضر من رئيس الجمهورية النميري .. نريد بالتحديد أن نعرف الحاصل ؟*

لم يكن الأمر انفتاحاً مني أو ضوءاً أخضر من رئيس الجمهورية، لأنني ببساطة كنت لا أعترف بالضوء الأخضر.

المهرجان مساحة للمبدعين

أما مسألة مشاركة العناصر التي كان لها موقف من نظام مايو، فقد كانت قناعتي الشخصية أن العمل الثقافي لا يمكن أن يكون حكراً على الذين ينتمون إلى مايو سياسياً. وكان تقديري أن المهرجان مساحة يتحرك فيها جميع المبدعين. والإبداع ليس وقفاً علي مؤيدي مايو وحدها. ولحسن الحظ أن استجابة هؤلاء المبدعين كانت جيدة جدا وشارك في فعاليات المهرجان أسماء معروفة مثل د.خالد الكد، د.خالد المبارك، كمال الجز ولي، سامي سالم، ومحمد محمد خير.

ولعل سر المشاركة الفاعلة لهؤلاء إنني لم أحاول أن استقطبهم سياسياً وإنما سعيت إلى الاستفادة من قدراتهم في إنجاح المهرجان.

*ألا تتعارض إجاباتك السابقة مع القول بأن مهرجان الثقافة كان مجرد نشاط احتفالي لتدعيم سلطة مايو وتكريس حكم الفرد؟*

ما يهدف إليه السؤال ليس صحيحاً بالمرة لأن مهرجان الثقافة ترك أثرا كبيرا جدا، وساهم في بروز كثير من المبدعين وكنت واضحا منذ البداية في مطالبتي بأن لا يتحول المهرجان إلى حدث يفور ويثور في حيز مكاني وزماني ضيق ثم ينتهي وإنما عيدا  متصلا للإبداع.

وأود أن أستدل بوقائع مهرجان الثقافة الثالث في عام 1980م، إذ شارك فيه كل من نزار قباني وعبد الرحمن الابنودي، وكانا ضد معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل (كامب ديفيد) وكتبا فيها شعراً ونثراً. وكان هذا من وجهة النظر السياسية ضد موقف السودان من كامب ديفيد لدرجة أن بعض المسؤولين تحسسوا من أن تُحدث هذه المشاركة آثارا سلبية علي المستوي السياسي.

*في يوليو 1976م استيقظت الخرطوم لتجد نفسها محتلة لمدة ثلاثة أيام بواسطة قوات مسلحة أتت من خارج السودان، هل تعني سهولة السيطرة على الخرطوم، أن مايو كانت نظاماً هشاً؟*

الاستيلاء علي الخرطوم دام يومين وليس ثلاثة وأتذكر هذه التجربة جيداً لأنها حدثت بعد تعييني ببضع أسابيع فقط، ولا أتفق معك في أن نظام مايو كان هشاً لأنها لو كانت كذلك لما استمرت 16 عاما رغم كل ما تعرضت من انقلابات .. كانت غفلة ولم تكن هشاشة.

*صحافة السودان اختصرت في صحيفتين مملوكتين للاتحاد الاشتراكي بدون تحديد واضح لدور الصحافة، هل تعتقد أن تجربة مايو الصحافية كانت تكريساً للسلطة والنظام الشمولي؟*

لم تكن لي علاقة مباشرة كوزير للثقافة والإعلام بالصحافة، لأن الهدف، كان أن تصبح الصحافة أحد أزرع التنظيم السياسي.

علاقة واهية

أقول بوضوح أن علاقة الصحافة بالاتحاد الاشتراكي كانت واهية وكنت أميناً للجنة الإعلام في الاتحاد الاشتراكي، ولم تكن لي صلة مباشرة بالصحف، بل الطريف أن المشرف علي إحدى هاتين الصحيفتين كان يتحسس من مراجعتي له كأمين للجنة الإعلام، لأنه كان بدرجة وزير في حين كنت أنا وزير دولة.

ومع ذلك فالصحيفتين تميزنا بأداء مهني متميز وساهمتا في تفريخ كوادر صحفية جيدة أسهمت في تطوير الصحافة حتى الآن.

على أن العنصر المهم في مسألة الصحافة أن مايو كانت أمينة جداً مع نفسها وتبنت تجربة صحفية مسؤولة، ولم تكن مثل الآخرين الذي يسعون إلى صحافة ليبرالية في حين أن أنظمتهم شمولية.

*إذا انتقلنا إلى الإذاعة والتلفزيون نجد أن مايو دمجتهما في هيئة واحدة، لكن الاتهام أن الجهازين لم يلعبا دورا في التثقيف والتنوير وإنما كرسا النظام الشمولي وسلطة الفرد كيف تنظر  إلى الاتهام؟*

في البداية ينبغي توضيح أن دمج الإذاعة والتلفزيون تم تلبية لتوصية لمؤتمر الحكم الإقليمي، وارتبط الأمر بإنشاء محطات إرسال تلفزيوني وإذاعي في الأقاليم، على أن تشرف الهيئة الجديدة في الخرطوم على المسائل الفنية ومستوي الأداء للمحطات الإقليمية.

ما يثيره السؤال عن إهمال دور التثقيف والتنوير ليس دقيقا، ففي هذه الفترة انشأ الأستاذ محمود أبو العزائم إذاعة صوت الأمة، وكانت إذاعة ممتازة جدا وكرست كل ساعات بثها للعمل الثقافي والفني ورعاية الإبداع والمبدعين.

*الاتحاد الاشتراكي السوداني تنظيم سياسي مثير للجدل فهو تارة تنظيم حاكم وأخرى  تنظيم حكومة، هل توافق على أنه كان برجا عاجيا فاقدا للتأثير والجماهير، كيف تنظر للمسألة، وأنت أحد الموصوفين بمنظر الاتحاد الاشتراكي؟*

بعد الانتفاضة وفي معرض الهجوم على القيادات المايوية، نشرت صحيفة الحزب الشيوعي السوداني (الميدان) أن بعض سدنة مايو يخططون لإحداث انقلاب يقوده عبد الباسط سبدرات وأمال عباس وإسماعيل الحاج موسى منظر الاتحاد الاشتراكي السوداني.

وسجلت وقتها زيارة لـ “الميدان” في مقرها والتقيت مدير التحرير المرحوم مكي عبد القادر، وقلت له أن وصفي بمنظر الاتحاد الاشتراكي شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها. وعددت له أسماء من أسهموا في تأسيس الاتحاد الاشتراكي السوداني، وهي قائمة طويلة جداً.

تنظيم حكومة

أما الوصف للاتحاد الاشتراكي بأنه تنظيم حاكم أو تنظيم حكومة فإن الصفتين ذكرتا فيه. ناس مايو كانوا يرون أنه تنظيم حاكم وأعداء مايو كانوا يقولون إنه تنظيم حكومة. مؤيدو مايو اعتبروه جسما يضخ الدم في شرايينها، والمعارضون لها حسبوه برجا عاجيا لا نفع منه.

في الحقيقة كان الاتحاد الاشتراكي السوداني في بدايات مايو تنظيماً حاكماً، لكن في أواخر مايو كان تنظيم حكومة بمعنى أنه ساهم عندما كان حاكماً في صنع القرارات وتخطيط السياسات وتمتع بصلاحيات واسعة. وفي الفترة الأخيرة أصبح الاتحاد الاشتراكي تنظيم حكومة، خاصة بعد تعديل الدستور والصلاحيات الواسعة التي أعطيت لرئيس الجمهورية وكانت تكاد لا تحدها حدود، وعلى سبيل المثال نصت إحدى المواد في مسودة دستور السودان، على أن [رئيس الجمهورية مسئول عن صون الدستور واستقلال الوطن وسلامة أراضيه]، وبعد التعديل أضيفت عبارة وله – أي رئيس الجمهورية – أن يتخذ من الإجراءات والقرارات ما يراه مناسباً وأن تكون القرارات نافذة وملزمة في أحكامها.

وبعد التعديل الدستوري هذا تستطيع القول إن الاتحاد الاشتراكي أصبح تنظيم حكومة لأنه أصبح بلا سلطات.

وفي تقديري أن التعديلات الدستورية هي التي أضعفت مايو وساهمت في اضمحلالها.

*الأجواء التي خلقتها المصالحة الوطنية في تقديرك هل كانت من أسباب ضعف التنظيم السياسي؟*

اعتقد أن المصالحة الوطنية أسهمت إلى حد ما في إضعاف الاتحاد الاشتراكي ولهذا كنت أقف ضد المصالحة منذ أيامها الأولى، واستندت معارضتي على سبب واضح جداً فحواه قناعتي بأن صيغة التنظيم الواحد كان الخيار الأمثل للواقع السياسي خلال سبعينات القرن الماضي – وليس في الأمر دعوة للشمولية، لأن الوجه الأخر للمصالحة الوطنية كان يعني العودة إلى الحزبية والطائفية وهلمجرا.

*في مطلع الثمانينات حدثت مذبحة في القوات المسلحة إذ أطاح النميري بكبار قادة الجيش في قرار واحد صدر بعد اجتماع مباشر معه، هل ساهمت هذه المذبحة في تدعيم سلطة الفرد؟*

الطريقة التي صدر بها قرار الإعفاء أظهرت قوة نميري، إذ أطاح وبقرار واحد بكل قيادات القوات المسلحة بمن فيهم وزير الدفاع القائد العام رئيس هيئة الأركان والأمين العام للاتحاد الاشتراكي في قرار واحد، ولم يحرك الشارع ساكنا.

الواضح أن الاتحاد الاشتراكي كان في حالة من الضعف آنذاك وهذا ما شجع النميري أكثر في إظهار قوته.

مذبحة القوات المسلحة

الشاهد أن ما سميته مذبحة القوات المسلحة كانت مظهراً من مظاهر ضعف النظام، فطلب قيادة الجيش للاجتماع بنميري وحديثهم الواضح عن تردي الأحوال في البلاد كان بمثابة إنذار بوقوع انقلاب عسكري، لكن نميري كان أسرع من قادة جيشه إذ أطاح بهم جميعاً قبل أن يتمكنوا من عزله. وهذا القرار يتواءم مع طبيعة نميري الانقلابية.

 

*الحديث عن قوة نميري وقدراته يقودنا إلى سؤال عن طريقة تعامله مع وزرائه، هل صحيح أنه كان فظاً في تعامله لدرجة أنه بعض الأحيان يصل إلى الاعتداء عليهم بالضرب ؟*

هذه أكبر فرية فالنميري على المستوى الشخصي ليس فظاً ولا يحتد، ربما يحتد في بعض الاجتماعات عندما يطول النقاش وأذكر أن أحد الوزراء بعد تطبيق الحكم الإقليمي كان يعترض دائما على كل شئ بحجة أنه ضد الحكم الإقليمي، وقمت بالرد عليه مصححا من كون إن الحكم الإقليمي أصبح هاجسا، ورد على نميري بنعم سيكون هاجساً و(بعبع).

وأذكر أيضاً في أحد اجتماعات المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي دار حديث عن تفريغ العاصمة الخرطوم من النازحين. وعلق أحد الأعضاء بأن التفريغ ضد الدستور، ولكن نميري رد عليه (ضد الدستور شنو والله أنا زمان في ودنوباوي كنت أمنع أي زول يجئ حائم بعد الساعة الثانية عشرة). على المستوى الشخصي جعفر نميري رجل  مهذب جداً وكنت عندما أرافق الصحفيين لزيارته في منزله كان يقوم بنفسه يغسل أيدي ضيوفه قبل تناول الوجبة وأحيانا كان يرافق ضيوفه ليلاً في جولة طواف في العاصمة الخرطوم قائدا السيارة بنفسه غير آبه بما سببه هذا الأمر من إرباك لرجال المراسم والأمن.

*فاجأ نميري العالم بأجمعه بإعلان تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية، هل كان الأمر مجرد انقلاب داخلي نفذه النميري في سبيل الحفاظ على حكمه أم أن الأمر مرتبط بتأثير جماعات متحالفة معه؟*

قد يكون الإعلان مفاجئاً ولكن لا أري سببا لاستغراب الناس، لأن انعطاف النميري نحو الإسلام كان واضحاً جداً منذ منتصف السبعينيات، وأذكر أنني بعد أسبوعين من تعييني وزير دولة للإعلام جاءني من يحمل خطابا طويلا جدا يحمل توقيع رئيس الجمهورية ويطالبني فيه بالالتزام بقيم الإسلام والابتعاد عن شرب الخمر. وكان نميري يكتب اسم المسؤول في أعلى الخطاب بخط يده ووقع عليه بنفسه أيضا. وهذا الخطاب الذي عرف بالقيادة الرشيدة أرسل إلى الوزراء وقيادات العمل العام.

والشاهد الثاني إن برنامج الولاية الثانية لرئيس الجمهورية كان واضحاً في توجيهاته الإسلامية. وهذا البرنامج كان أحد أسباب المصالحة الوطنية فالأخوان المسلمين أقروا أنهم شاركوا في المصالحة لأنهم توسموا في برنامج نميري للولاية الثانية اتجاهاً واضحاً جدا لأسلمة الحياة.

وشاهد ثالث يتمثل في اللجنة التي كونها نميري لمراجعة كل القوانين لتتماشى مع الشريعة الإسلامية.

وشاهد رابع يتمثل في إغلاق بيوت الدعارة في العاصمة بواسطة مهدي مصطفي الهادي محافظ الخرطوم آنذاك. واللواء محمد عبد القادر في كسلا ونيالا.

*مع إعلان الشريعة الإسلامية ظهرت ثلاث شخصيات لم تكن معروفة من قبل وأصبحوا أهل الحل والعقد كيف تنظر للأمر؟*

ربما توسم النميري في هؤلاء الأشخاص الثلاثة أنهم الأصلح، لأن القيادات الأخرى التي تلقت التعليم (العلماني) قد لا تكون مؤهلة للعمل بموجب الشريعة الإسلامية.

*في السنوات الخمس الأخيرة من عمر مايو قويت شوكة الأجهزة الأمنية على حساب المؤسسات الأخرى في الدولة، هل هذا الحكم صحيح؟*

لا أوافق على هذا الحكم واعتقد أن الغلبة كانت لرئاسة الجمهورية وكانت تضم خمسة وزراء ومستشارين ومساعدين لرئيس الجمهورية.

*قبل سقوط مايو كان الجو السياسي ملبدا بالغيوم التي تنبئ بقرب نهاية مايو، كيف كانت أيام مايو الأخيرة من وجهة نظرك؟*

الأحداث خلال الفترة من يناير حتى أبريل 1985م لم تكن القشة التي قصمت ظهر البعير وإنما تراكم الأحداث.

واللواء عمر محمد الطيب النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن القومي آنذاك قال إن القوات المسلحة خدعته والاتحاد الاشتراكي خذله.

تقييم مايو

السؤال عن تقييم مايو يعيدني إلى لقائي الأخير بجعفر نميري في القاهرة في مطلع التسعينيات، وهو لقاء عفوي تحول إلى ندوة لتقييم مايو. وحدث كل شئ بالصدفة فقد تلقيت مكالمة هاتفية من نميري يدعوني لحضور جلسة يشارك فيها عدد كبير من قيادات مايو كانوا في زيارة للقاهرة آنذاك وكان بينهم اللواء عمر محمد الطيب النائب الأول، أبو القاسم محمد إبراهيم أحد منفذي انقلاب مايو، إبراهيم منعم منصور وزير المالية، المرحوم د. محي الدين صابر وزير التربية، الفريق محمد عثمان هاشم رئيس هيئة الأركان، وفضل الله محمد رئيس تحرير جريدة الصحافة.

وعندما اجتمع شملنا اقترح نميري أن يدير الجلسة المرحوم الدكتور محي الدين صابر وطرح صابر أجندة من بندين كيف ولماذا سقطت مايو؟ ما هو موقف الذين عملوا مع مايو؟.

وأبتدر الحديث اللواء عمر محمد الطيب باعتباره أكبر مسؤول عاصر الأيام الأخيرة لمايو. وقدم اللواء عمر مرافعة طويلة مفادها أنه كرئيس جمهورية بالنيابة أن قيادات الجيش وعلى رأسها الفريق عبد الرحمن سوار الذهب كانت تقول له إن الأمور تحت السيطرة والتعبئة، وأن قيادات الاتحاد الاشتراكي خذلته في صد المظاهرات الضخمة التي خرجت من البلاد.

وخلاصة حديث اللواء عمر أنه قدر أن القوات المسلحة قد خدعته وأن الاتحاد الاشتراكي قد خذله.

*كيف تنظر لتقييم اللواء عمر محمد الطيب للأحداث التي أدت لسقوط نظام مايو في أبريل 1985؟*

أنا أميل إلى تصديق أن قيادات الاتحاد الاشتراكي قد تقاعسوا، ليس لأنهم متخاذلين وإنما لأن رئيس الجمهورية ورئيس الاتحاد الاشتراكي قد حيدهم عبر سلب الكثير من صلاحيات الاتحاد الاشتراكي وتحويلها لرئيس الجمهورية، فضلا عن أن النميري قبل يوم واحد من رحلته الأخيرة شن على قيادات الاتحاد الاشتراكي هجوماُ شديداً ووصفهم بصفات قاسية، لأنهم تحدثوا عن المشاكل الاقتصادية ومعاناة الشعب .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى