حوارات

السلطان عثمان كبر يروي لـ”المحقق” كواليس الأيام الأخيرة للإنقاذ وأسرار صمود مدينة الفاشر

لم يكن الوصول إلى السلطان عثمان محمد يوسف كبر، الرئيس المكلف لمجلس شورى المؤتمر الوطني ونائب الرئيس السوداني السابق، بالأمر الهين. فبين مشاغله العامة والخاصة، واستعصامه بالصمت تارةً وغيابه عن خشبة المسرح السياسي تارةً أخرى، تكمن أهمية البحث عنه واستكناه ذاكرته المثقلة بالأسرار والحكايات، سيما وأنه ظل شخصية محورية لكن بعيدة عن الأضواء مؤخرًا.

وقد تمكنّا في موقع “المحقق” الإخباري من استنطاقه في هذا الحوار الحصري. ورغم تحفظه على بعض الأسئلة المتعلقة بما يجري داخل مجلس شورى المؤتمر الوطني، حفاظًا على تقاليد الحزب، إلا أنه كان جريئًا في طرح أفكاره، وحكيمًا كدأبه في معالجة القضايا السياسية والتنظيمية.

أزاح كبر، أشهر والٍ في دارفور، الستار عن كواليس الأيام الأخيرة قبل سقوط نظام الإنقاذ، ولم يتردد في وصف ما حدث في 11 أبريل 2019 بـالانقلاب العسكري. كما كشف، بحكم المعرفة والمعايشة، أسرار الصمود الأسطوري لمدينة الفاشر في وجه هجمات ميليشيا الدعم السريع، مقدمًا تحليلًا عميقًا لطبيعة هذه المدينة وصفات أهلها.

 وقد كان السلطان كبر صريحًا وكريمًا وودوداً عند استقباله لنا بداره العامرة بالضيوف في القاهرة، حيث غمرنا بحفاوة الاستقبال وابتسامته التي لم تفارق محياه.

حاوره عزمي عبد الرازق 

 

 لنبتدر هذا الحوار بسؤال مفتاحي حول الأيام الآخيرة للإنفاذ، ما هى الملابسات الخفية لسقوط النظام؟ 

أنا جئت القصر نائباً لرئيس الجمهورية لفترة ليست طويلة، نحو سبعة أشهر، استلمت موقعي في سبتمبر 2018 وحصل الانقلاب في 11 أبريل 2019، قبلها كنت بدون تكليف بعد أن غادرت منصب والي شمال دارفور الذي بقيت فيه لفترة طويلة جداً.

 هل ما حدث في أبريل 2019 انقلاب أم ثورة؟ 

 أنا شخصياً قناعاتي والواقع والحقيقة تقول إنه انقلاب من داخل الأجهزة الأمنية.

  وماذا تسمي المظاهرات التي اندلعت وقتها؟

 قد تكون هنالك حالة ثورية أو انتفاضة ولكن ليست هى التي أدت إلى سقوط النظام.

 كيف كنتم تتابعون تطورات الأوضاع عموماً؟

 كنت متابع هذا الملف من واقع الجلسات التي نعقدها في بيت الضيافة، منذ منتصف مارس تقريباً، كنا يومياً نلتقي في بيت الضيافة، الرئيس ونوابه والمساعدين، ووزراء الداخلية والدفاع ومدير جهاز الأمن، وقد استمر هذا الاجتماع لأسبوعين، وكانت المظاهرات مشتدة والقصة فيها تعقيدات كثيرة، وفي أول أبريل خفضنا الاجتماعات ومن ثم نقلناها إلى مواقع مختلفة، وكان هنالك اجتماع في دائرة صغيرة، الرئيس ونوابه، ونائب رئيس الحزب الحاكم ومدير الجهاز.

ماهى طبيعة التقارير والقضايا التي كانت تعرض عليكم؟

كل المؤشرات كانت تتحدث عن ازدياد في زخم الحراك والمظاهرات ، وكان هناك انكماشاً في دور الأجهزة، لدرجة أننا كانت لنا آراء خاصة داخل الاجتماعات.

آراء خاصة مثل ماذا؟

شكوك في أن الأوضاع غير مسيطر عليها، وقد فندنا كلام الأجهزة الأمنية بأن الأمور تمضي بصورة متسارعة للانفلات، وفي أحد الاجتماعات استشهدت بأنني نائب رئيس ولكني حتى أصل إلى مكان الاجتماع أضطر فريق الحماية أن يسلك طريقاً طويلة حتى أصل إلى بيت الضيافة

مَن كان معكم في ذلك الاجتماع؟

الاجتماع فيه الرئيس والنائب الأول عوض بن عوف، وهو قائد الإنقلاب، ومعنا صلاح قوش وعدد من الوزراء، وفي بعض المرات كنا نحتد وترتفع أصواتنا ، فقد كان واضحاً أن القصة محتاجة لعلاج، لكن لم تكن هناك رؤية واضحة لشكل العلاج الحاسم للقضية حتى نوقف التصاعد في المظاهرات ونستطيع الاستجابة لبعض المطلوبات ونقوم بخطوات تهدئ من الأمور المتسارعة.

 ثمة خلافات داخل المطابخ التنظيمة ما بين استمرار البشير أو ذهابه، وكان البعض يرتب لتقديم بديل لقيادة الدولة، وقد بدا وقتها كما لو أن الرئيس يجهز في هذا البديل العسكري، بكري و عوض بن عوف، فهل قادت تلك الخلافات إلى هذه النتيجة؟

واضح لأي شخص كان يتابع عن قرب وجود تيارين على مستوى قيادة الحزب، هناك تيار تبنى وأعلن ترشيح الرئيس للانتخابات في 2020، وكان هنالك تيار آخر من داخل الحزب والحركة مع عدم ترشح الرئيس مطلقاً، الانقسام حول هذا الأمر لم يحسم، وهذا الانقسام الذي لم يحسم هو الذي أدى إلى ذهاب الانقام بالصورة التي ذهبت بها.

 

 

 ألم يكن ثمة تباين أيضاً في تفسير ما حدث؟

أنا في تقديري أن ما حدث كان انقلاباً، وهو من داخل أجهزة الدولة وسببه الرئيس اختلافات موجودة في الصف الأول في الحزب والحركة حول ترشح الرئيس، وعدد كبير من القيادات خارج الحكومة لم يكونوا مساندين لها، وبعضهم كان يعمل ضدها بصورة واضحة.

أين كنت في ليلة 11 أبريل 2019 ؟

الانقلاب تم يوم الخميس، وأنا يوم الأربعاء كنت في القصر، وكنت آخر مسؤول خرج من القصر، و يومها لم يحضر الرئيس للقصر أصلاُ، بينما كان النائب الأول عوض بن عوف متغيباً لعدد من الأيام، وكنت أتلقى تقارير الأجهزة اليومية حول موقف المظاهرات نهاية اليوم من قبل مدير الجهاز صلاح قوش، وفي ذلك اليوم تحديداً – الأربعاء – اتصل علي واعتذر وقال إن لديه التزامات طارئه وأن نائبه، جلال الشيخ، هو مَن سيأتيني، وفعلاً جاء جلال الشيخ وقدم لي التنوير عن الوضع العام، وفي ذلك التنوير قال لي بالنص ” أنا بفتكر مفترض يحصل تغيير”.

ماذا كانت ردة فعلك؟

سألته، قلت له ما هو شكل التغيير المفترض أن يحصل .. فتراجع وقال لي: “أنا ما بقصد الحكومة تنقلب أو تتغير، لكن مفترض يحصل تعديلات في وضع الحكومة، والرئيس مفترض يرفع نسبة المشاركين من غير المؤتمر الوطني”، وأنه قال ذلك كشل من أشكال التراجع والتبرير لما قاله من كلام.

 بعد ذلك خرجت من القصر الجمهوري نحو السادسة مساءً وتوجهت إلى المنزل في كافوري، ومنه جئت إلى بيت الضيافة وأخبرت الرئيس بما حدث، وقلت له أن الأوضاع تحتاج إلى تدابير جديدة.

هل تم اعتقالك في نفس يوم الإنقلاب؟ 

– لا، أنا اعتقلت بعد ثمانية أيام.

 و كيف حدث ذلك؟

أنا أصلاً أسكن في بيتي في حي كافوري، لم أنتقل إلى المنزل الحكومي، وتم تعيين حراسات لي في ذلك البيت فأصبحت في ما يشبه التحفظ المنزلي، ولم أغادر المنزل اطلاقاً، فقط يزورني بعض الناس من الأصدقاء والأقارب، وقد لاحظت إضافة سيارة من الدعم السريع لطاقم الحراسة، وفي اليوم الثامن للإنقلاب جاءت سيارة فيها ضابط وبعض الحراسة وطلبوا مني الذهاب معهم، وقلت لهم أنا جاهز، وذهبوا بي إلى سجن كوبر.

هل شعرت بأن الدعم السريع كان يجهز لانقلاب منذ ذلك الوقت؟

 لم أشعر بذلك، لأن الدعم خلال تلك المرحلة لم يكن في طليعة الأحداث ولا القوى، فالمجلس العسكري الذي أعلنه عوض بن عوف كان مختلف، ونجم حميدتي سطع بعد ذلك.

هل كان هنالك تواصل بينك وبين الرئيس البشير أيام احتجازه داخل بيت الضيافة؟

 كنت على اتواصل معه وبعض القيادات

 بعد التغيير الذي حدث، لماذا لم تحدث أي محاولات للمقاومة رغم بروز لجنة التفكيك وطول فترة الحبس دون محاكمة؟

الحقيقة أن العقل غلب على العاطفة، ولو أن الناس جنحوا نحو العاطفة كان ممكن تحصل ردة فعل عنيفة لأن الإمكانيات كانت موجودة ومتاحة، لكن لم تكن المواجهة خيار الجميع، حتى لا يتم إراقة الدماء وتتأزم البلد أكثر، وهو صوت العقل، وقد امتدت تلك الروح إلى اليوم، وفضل الحزب التعامل مع الأمور بحكمة زي ما بقول أهلنا “الحل باليد أفضل من السنان”، وأنا من الداعمين لذلك الصوت وقناعتي أن المؤتمر الوطني أفضل أن يكون طريق عودته إلى السلطة عبر الانتخابات وبرضاء الشعب السوداني.

لو دلفنا إلى تجربة السجن، كيف كان يمر الوقت ومن معك داخل الزنزانة؟

السجن عموماً تجربة، والإنسان يمكن أن يتعود على أي وضعية، وفي الأيام الأولى كنا كارهين فكرة السجن، لكن بعد ذلك اكتشفنا أننا مسجونين ولأمد غير معلوم، ولنحو ستة أشهر لم يتم التحري معنا أو اتهامنا بأي شيء، ولذلك آثرنا استثمار ذلك الوقت في ما ينفع، وهى خلوة إجبارية، والبرنامج الخاص اختلف من شخص لآخر ما بين الحفظ والكتابة.

 أي طريق سلكته أنت؟

 أنا سلكت طريق الكتابة والتأليف، واكملت كتابة نحو خمسة كتب، فيهم إثنين كانوا تطوير لرسالة الماجستير والدكتوراة إلى مؤلفات، وكتبت كتاب خاص بقضية دارفور، وكانت عندي كمية كبيرة من الوثائق الخاصة بدارفور، وكنت بحكم وجودي هنالك لفترة ملم بكل التفاصيل.

على سيرة دارفور، كيف بدأت الحرب والتمرد خلال فترتك كوالي لشمال دارفور؟

أنا جئت والي نتيجة لافرازات التمرد، وكنت قبلها رئيس المجلس التشريعي وكان الوالي الفريق أول إبراهيم سليمان في العام 2003.

 في العام 2002 كنت جزءاً من آلية بسط الأمن في دارفور عقب تدهور الأوضاع الأمنية، والآلية كانت مكونة من ولاة دارفور الثلاثة، ورئيسها كان الفريق أول أبراهيم سليمان، وأنا كنت رئيس المجلس التشريعي لشمال دارفور، كنا رؤساء المجالس الثلاثة وقادة الأجهزة الأمنية، وكانت وقتها المنطقة العسكرية موحدة ورئاستها في الفاشر، وأخذت الآلية سلطات رئيس الجمهورية بموجب قانون الطوارئ، وأثناء ذلك حصل الهجوم على الفاشر، حيث رتبت الحركات المسلحة أمرها وهاجمت المطار ومدينة الفاشر وضربت الطائرات، ومات عدد من الناس في ذلك، وعلى هذه الخلفية تم تكليفي والياً لشمال دارفور، وكان الناس مستغربين كيف الدولة تجيب ليها معلم أفندي وتعفي جنرال كبير.

ماذا يعني ذلك؟

لأن مبدأ الدولة كان الحوار قبل القتال، لكن صحيح أن الدولة كانت مجبرة للدفاع عن المواطنين.

بالمناسبة، كيف ظلت الفاشر عصية على كل مخططات وهجوم الدعم السريع، ماهو السر وراء ذلك؟

الفاشر مدينة لها خصائصها، وأولى هذه الخصائص هي أنها نشأت في الأساس كعاصمة لسلطنة، فالسلطان هو مَن أنشأ المدينة وبنى قصره، وبدأت المدينة تنمو من حول القصر السلطان، وهي بالتالي لم تنشأ كما نشأت بقية المدن في دارفور.

 والمجتمع في الفاشر له خصوصية كذلك، لأنه نشأ حول السلطان، ولم ينشأ لتجارة أو لأي عمل آخر، وكانت نشأته كمجتمع ثقافي له خصوصيته الاجتماعية والسلطانية، وظل هذا الإرث حاضراً، وبالتالي هذه أيضاً ميزة.

والميزة الثالثة هي أن الفاشر، قبل أن تصبح رئاسة الفرقة السادسة الحالية، كانت هي رئاسة المنطقة العسكرية الغربية، وهي المسؤولة عن كل القوات في دارفور الكبرى، ويعود التاريخ والارث العسكري لمدينة الفاشر إلى نحو العام 1916 أو العام 1918 حيث نشأت فيها ما كانت تعرف بفرقة العرب الغربية.

 وفضلاً عن هذا الإرث، فإن غالبية القوات التي انسحبت من مختلف مدن دارفور، سواء من الجنينة أو نيالا أو كبكابية أو كتم أو حتى مليط، عقب تكثيف هجوم المليشيا عليها، توجهت إلى مدينة الفاشر، وهناك أعيد تأهيلها، وأعيد توزيعها ضمن خطط الدفاع عن الفاشر، وانضمت إليهم مجاميع القوات المشتركة والمستنفرين، حتى كاد المدينة كلها أن تصبح كتبة من المقاتلين الذين تجندوا للدفاع عن المدينة.

هذه العناصر مجتمعة هي التي تفسر لنا صمود الفاشر،  ومن جانبي، أسأل الله أن يمدهم بمدد من عنده، وأطلب من قيادة الدولة، وقيادة القوات المسلحة، أن يبتدعوا طرقاً لإسناد المدينة، رغم قناعتي أنهم غير غافلين عن ذلك.

 لديك تسجيل آخير كما لو أنك تحذر من مخاطر الأوضاع في الفاشر وفي  دارفور، فما الذي دعاك إلى ذلك؟

بالمعرفة والمعايشة كنت أعرف أن الفاشر مهمة للدعم السريع من ناحية جغرافية، ومنها ممكن يحصل هجوم على الشمالية لأن المسافة غير بعيدة، ولو تذكر فإن هجوم العدل والمساواة على أم درمان سلك ذلك الطريق، وهي أسباب كافية لتفسير إصرار الدعم السريع على احتلال الفاشر، كما أنه إلى حد كبير تعتبر المنطقة الجنوبية حاضنة للدعم السريع، ومن المهم التذكير بأن خيارهم لتكوين وإعلان حكومة مرتبط بالفاشر.

 في الخطاب الآخير لقائد التمرد حميدتي وكذلك إشارات حديث شقيقه عبد الرحيم واستنفار المجموعات السكانية هنالك، هل شعرت بوجود مخطط لفصل دارفور؟

يبدو أن المخطط في الأول كان يريد إسقاط مدينة الفاشر وإقامة حكومة موازية هنالك والذهاب إلى سيناريو الانفصال، والهجوم على الشمال من هنالك، وبالمناسبة حتى لو انفصلت دارفور لن يرتاح الشمال، وسوف تكون سكيناً في خاصرة الدولة، لكن في تقديري أن ذلك المخطط تم تجاوزه الآن.

هل هذا الكلام معلومات أم تحليل؟

أنا ما عندي معلومات، لكن واضح بالنسبة لي أنهم صرفوا النظر عن إسقاط الفاشر، وجعلها عاصمة لحكومتهم الموازية، عشان كده الهجوم قل عليها مؤخراً، وتبقى فقط الحصار والقصف، والحصار بهدف التجويع، عشان كده التهديد في الفاشر غير أمني وعسكري رغم القصف الذي تعايش معه المواطنون هنالك، ونتائجه غير مؤثرة، لكن السلاح الماضي جداً ومؤثر هو التجويع.

ولتجاوز هذه المعضلة أرى ضرورة التفكير في بدائل، وطالما أن المواد العينية لا تصل فمن المفترض دعم المنظمات الطوعية التي تقوم بإعداد “التكايا” بإرسال أموال لهم عبر تطبيقات التراسل الفوري، وهذا نداء لإنقاذ الفاشر بتوفير الدعم النقدي.

الحرب في دارفور خلفت انقساماً اجتماعياً كبيراً جداً، فلماذا صوت المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية غائب في الحد من تلك الاستقطابات؟

  أود أن أثبت أولاً أن صوت المؤتمر الوطني لم يكن غائباً عن جهود الحد من تلك الاستقطابات، ولا صوت الحركة الإسلامية، ولكن منهج التعامل الذي اختاره المؤتمر الوطني للتعامل مع هذا الواقع المعقد هو الذي يبدو للناس وكأنه غائب. وأؤكد لك أن الحزب يعمل في صمت وباجتهاد في هذا الجانب، وكذلك تفعل الحركة حسب معرفتي.

 وعلى العموم فإن هذه الظاهرة الموصوفة بخطاب الكراهية وتزايد لغة التنابذ والتناحر، تفشت بسبب رئيسي هو الاستخدام غير المرشد لوسائل التواصل الإجتماعي، وفي تقييمي أنها ظاهرة سيئة جداً ومقلغة جداً، ومضرة أشد الضرر بالمجتمع.

ولئن كانت هذه الظاهرة – حتى الآن – يتولى كبرها أفراد، من هذا الطرف أو ذاك، فإن محاصرتها وعلاجها قبل أن تستعصي، هو مهمة الدولة والمجتمع معاً، ويجب أن يتم النهي عنها والزجر لمن يتولون كبرها. وعلى السلطات تطوير معالجات زجرية لهذه الظاهرة، فهذا أمر ضروري حتى لو وصل الأمر لاجراءات قانونية؛ لكن قبل ذلك مطلوب من المجتمع أن يتبنى برامج تعمل لمعالجة تلك الظاهرة الخطيرة التي نعتقد أنها يمكن أن تؤدي لمشاكل كبيرة جداً لو لم يتم احتواؤها من وقت مبكر.

وأدعو شخصياً الأشخاص المنغمسين في هذه الظاهرة للإقلاع عنها وتركها، وإلا فسنجد أنفسنا كسودانيين أمام فتنة كبيرة لا تبقي ولا تذر.. يجب علينا في نهاية الأمر أن نؤكد أننا مجتمع واحد في بلد واحد وعلينا أن نتعايش بسلام.

حسناً، لنتحدث عن الشورى و الخلافات التي حصلت حولها، ما هى الجهود لاحتواء تلك الانقسامات داخل المؤتمر الوطني؟

أنا حقيقة تجنبت الظهور في كافة الحلقات الخاصة بمناقشة الخلافات التي حصلت في المؤتمر الوطني بحكم أنني رئيس مكلف للشورى، لأن كثير من اللغط دار حول ما يحدث صراحة في الحزب من كافة الجهات، ونحن بنأكد لكافة تلك الأطراف بأننا نسعى بصورة جادة لمعالجة هذا الخلاف، وأول وسيلة لذلك أن تتم المعالجة داخل الأطر التنظيمية، وبعيداً عن التصعيد والنشر السالب، ونحن بنعيب على الآخرين، والأطراف المتنازعة، بأن أي نشر في الفضاء العام هو تأجيج للخلال وتوسيع للشقة.

لقد درج المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية بطبيعة الحال على معالجة القضايا المختلفة داخلياً ولا يخرجوا للناس إلا  بالنتائج، وأنا مصر على عدم الخوض في أي تفاصيل بشأن ذلك الخلاف، لكنني أريد أن أطمئن الناس بأننا مجتهدين في معالجة ذلك الأمر وأن نتراضى فيه ونصل إلى نقطة تجمع كل الأطراف، وإن شاء الله يعود الحزب مكتمل الأركان في وقت قريب، ولن يكون هناك حجر أو عزل لأي طرف، ونسعى لعلاج شامل يرضى كل عضويتنا.

ماهى طبيعة ذلك العلاج؟

صحيح هنالك عدد كبير جداً من إخواننا كانوا مشفقين بخصوص مصير الحزب ووحدته، حتى من خارجه، وعاوزين يقدموا مبادرات، وهى مقبولة، لكننا لا نستطيع أن نتجاوز المؤسسات، وكل ذلك الجهد سوف ينصب في وعاء الشورى الذي سوف يخلص إلى الحل النهائي، وبالتالي العلاج حا يكون من داخل الشورى.

 كيف تقيم الراهن السياسي بعد تعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء؟

أولاً نسأل الله أن يعين د. كامل إدريس في مهمته الصعبة والممكنة، وأرجو أن تضع أمام كلمتي الصعبة والممكنة (أس2)، فالراهن السوداني معقد جداً وهو بحاجة من السيد رئيس الوزراء ومَن يعاونوه الصبر والتحمل، والتهيئة النفسية والبدنية والمادية، لكي يتجاوزوا بالبلاد هذه المرحلة الخطيرة، فنحن نمر بعاصفة هوجاء في بحر متلاطم وحولنا حيتان وتماسيح، ولهذا نحتاج ونحرص أن ينجح الدكتور كامل إدريس وفريقه ليعبروا بهذه السفينة إلى بر الأمان.

 وأعتقد أن السيد رئيس الوزراء يحتاج لترتيب دقيق جداً للأولويات، ولاختيار حصيف وأمين لأدوات وآليات التنفيذ. ويحتاج لحشد جيد للإمكانيات المادية والبشرية والمعنوية، وهو في نفس الوقت محتاج لحرية وثقة في أداء المهمة الموكولة له دون تأثير من الجهات الأخرى على اختصاصاته ، ففي ظل مرحلة كهذه التي تعيشها البلاد قد تحدث تقاطعات كثيرة بين مؤسسات الدولة وأجهزتها، فالصلاحيات والاختصاصات في هذه المرحلة ليست واضحة بما يكفي، ومن الممكن جداً أن تحدث تقاطعات تؤدي إلى ضياع معالم المهمة الأساسية.

هناك حاجة لوعي ومهارة لقيادة البلاد في المرحلة الحالية سواء من قبل السيد رئيس الوزراء أو السيد رئيس مجلس السيادة.

وأعتقد أن واحدة من القضايا المهمة التي يجب إعطاؤها أولوية هي إعادة بناء الإنسان والمجتمع واستنهاض الهمة في كليهما، لأن الأداة الأولى التي يُعول عليها في إعادة الإعمار في البلاد هي الإنسان، أياً كان.

وبطبيعة الحال يحتاج السيد رئيس الوزراء لتركيز كبير على الملف الخارجي، نظراً لتأثيراته المباشرة على الأوضاع، على الرغم من كون الشأن في أصله هو داخلي.

 وفوق هذا، يحتاج السيد رئيس الوزراء، لتهيئة بيئة أمنية صالحة تمكنه من العمل لتنفيذ برنامجه هذا، فإذا كان عقد الأمن منفرطاً فلن يستطيع أن ينفذ شيئاً من هذا. وفي هذا السياق لا نستطيع أن نتجاوز الخدمة المدنية أحد أهم الأدوات الفاعلة في تنفيذ هذا البرنامج ، ومع كون الوزارات الإتحادية هي المعنية بتنفيذ هذه السياسة إلا أنني أرى أن الولايات هي الأهم. فالأوضاع في الولايات محتاجة إلى اهتمام خاص، وإلى توافق عام بين جميع الجهات المعنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى