رأي

الطريق إلى إيقاف الحرب: بعيدًا عن تجاذبات عدمية (بل بس) و (لا للحرب)

دكتور أبوبكر محمد أحمد

بمغيب شمس اليوم تكون حرب الخامس عشر من أبريل قد بلغت العام وشهر وأربعة أيام، وللأسف ما زال السودانيون يتقاتلون بالسنان واللسان، ولا تكاد تجمعهم على كلمة سواء؛ لا في مجموعة واتساب ولا على صفحة على الفيسبوك، أو منصة X؛ ولا على طاولات الحوار العابر للانتماءات، وكأن القاموس السوداني قد غاب عنه مفهوم الوطن!

إذا سألتهم، مجتمعين أو فرادى، لماذا يستمر ترويع المدنيين العزل وتراق دماءهم؟ أو لماذا لا تصطف القوى المدنية، يمينها ووسطها ويسارها، لهزيمة الحرب؟ يقال لك في ذلك انتصار للجيش وحاضنته من الإسلاميين!
وإذا قلت إن تأخر مظاهر الحسم العسكري لصالح الجيش سببه تردد قائده الذي تتواتر تسريبات إمساكه عن تسليح المقاتلين في صفوف الجيش، قيل لك هذا ليس وقت الحساب!
أما إذا قلت لعل سببه هروب المواطنين عن منازلهم وقراهم تاركين ممتلكاتهم للبغاة المعتدين، بلا مقاومة تذكر؛ قيل لك لأنهم بلا سلاح يمكن أن يصمد أمام ترسانة الدعم السريع التي مكنهم منها قائد الجيش وأركان حربه! فلا تكاد تراوح سؤالك السابق الذي استنكروه!
وإذا قلت لا مفر من التوافق مع الدعم السريع على معادلة لايقاف نزيف الدم في صفوف المدنيين، والعمل على إلجام المتفلتين (بتوصيف قادة الدعم السريع أنفسهم) من اللصوص والغزاة الأجانب، قيل لك هذا رهان قد يكون ثمنه التفريط في مستقبل البلد!

والحال كذلك، دعنا نقر -بكل صراحة وشجاعة- أن لا خيار غير صد العدوان وإنهاء التمرد بالحرب، لكن هذا الإقرار بأهمية الحرب -في المقابل- يجب حسابه بموضوعية وبدون أي أوهام بكونها الحل؛ فهي فقط جزء من الحل لأنها الاسلوب الذي تحتاجه الدول للقتال و طرد الغزاة و تنظيف جيوب الريف وأطراف المدن من النهب المسلح. وهي، فوق ذلك، تمثل في حالتنا هذه، الخلفية المطلوبة لعملية سياسية كبرى ونشاط ديبلوماسي رصين من شأنهما إعلان ايقاف الحرب؛ فمن غير هذه العملية السياسية فإن الحديث عن إنهاء الحرب يكون نوع من بيع الوهم المفضي إلى المزيد من تمزيق ثوب الوطن البالي، وإلى المزيد من إذلال كرامة إنسانه الحائر.

والحيرة، عند التدقيق، تعود أسبابها إلى ما سوف تؤول اليه الأمور بعد انتهاء الحرب:
– فهناك من يتخوف من قيادات الإنقاذ، ويجزم بأنهم يحركون الأحداث من خلف الستار، وأنهم قادمون لا محالة؛ ولذلك فهو يقف ضدهم، لا يسمع ولا يرى غير هذا الرأي.
– وفى المقابل هناك من يتخوف من قيادات قوى الحرية والتغيير، وقيادات تقدم، ويجزم بأنهم يمثلون حاضنة سياسية لقوات الدعم السريع، وأنهم يستعدون للعودة الى السلطة من خلال القوى الخارجية (الإقليمية والدولية)؛ ولذلك فهو يقف ضدهم، لا يسمع ولا يرى غير هذا الرأي.
– وهناك من يتخوف من قيادات الحركات المسلحة، المختلفة، أن تستثمر في الرخوة الأمنية، التي وسعت هذه الحرب دائرتها، لتنفيذ أجندتها الخاصة، الضيقة.
– وهناك أفراد قوات الدعم السريع، أنفسهم، الذين حملوا السلاح، ويتخوفون من المستقبل المجهول الذي ينتظرهم بعد الحرب.
– وهناك عامة الناس الذين يتخوفون من استمرار الحرب ومن عواقبها، ويتخوفون من الأطراف المشاركة فيها، ويأملون في الحفاظ على الأمن العام، وعلى القدر الضروري من الاستقرار حتى يواصلوا حياتهم ويقوموا بأعباء أسرهم.

إن هذه التخوفات، إذا قرئت في ضوء التساؤلات أعلاه، ما هي إلا تعبير عن حيرة سببها فقدان الثقة، فالكل لا يثق في غير فصيله! وعليه، فإن علاج هذه الحيرة يتمثل في إعادة بناء الثقة بين تلك الأطراف مجتمعة، وهذا لا يتم بالاقتتال ولا باستمراره.

على العقلاء، إن وجد من يشملهم هذا الوصف، أن يلزموا ممثلين عن الأطراف المختلفة للجلوس حول مائدة مستديرة هدفها الوحيد أن لا تنفض قبل اجماع كل المشاركين فيها على رؤية لايقاف نزيف الوطن، بصيغة تسوية سياسية شاملة تهيء البلاد إلى استقرار لا تنتهك فيه كرامة ولا تراق فيه دماء.

اللهم قد بلغت،
اللهم فاشهد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى